الخائن
قصة قصيرة
عادل سالم
أديب عربي مقيم في الولايات المتحدة
رئيس تحرير ديوان العرب
انفجرت العبوة في الطريق المؤدية إلى مستوطنة «بسجات زئيف» القريبة من القدس عندما مرت سيارة جيب عسكرية إسرائيلية، فأدت إلى مقتل أحد الجنود وجرح آخر.
بعد ساعات كان الجيش قد اعتقل الخلية التي أعدت العبوة حتى قبل الإعلان عن الانفجار عبر الإذاعة.
استغرب الفدائيون المعتقلون وعددهم أربعة سرعة اعتقالهم دون أية دلائل تشير إلى تورطهم، وأكثر ما أثار دهشة كل منهم اعتقالهم جميعا في نفس اللحظة.
بعد شهور من المحاكمة صدرت الأحكام ضد أحدهم بالسجن المؤبد فيما حكم الثاني بالسجن عشرين سنة والثالث ١٥ سنة أما الرابع فقد صدر عليه حكم بالسجن لمدة عشر سنوات فجن جنونه، ولم يصدق أنه سيتعرض للسجن. كان يصرخ في السجن:
- لماذا سجنتموني؟ لقد نفذت الأوامر. أنا لست مخربا أنا لم أفعل شيئا.
كان يهذي كالمجانين، دخل عليه أحد المحققين الزنزانة التي أودع فيها بعيدا عن رفاقه الذين عرفوا لاحقا أنه وشى بهم، وقال له:
- هذا جزاء عدم تنفيذك للأوامر.
- كيف؟ ألم أسافر حسب توجيهاتكم؟
- ألم أحضر لكم أسماء الخلية؟ لماذا لم تعتقلوهم منذ اليوم الأول؟
- كنا ننتظر تورطهم، لكنك قدمت لنا موعد تنفيذ العملية غير صحيح.
- ما ذنبي، هذا ما اتفقنا عليه، لكن المسؤول عن زرع العبوة غير الموعد على عاتقه، لماذا تحاكموني؟
- على كل حال هناك مخرج لك إن أحببت.
- ما هو؟
- أن تهاجر إلى أمريكا.
- إلى أمريكا؟ كيف؟
- سنصدر لك وثيقة سفر، وتأشيرة، ونوصلك المطار...
صمت المحقق قليلا ثم قال له:
- لكن بشرط.
- ما هو؟
- ألا تعود إلى هنا أبدا، هجرة نهائية، لماذا تعود فقد يقتلونك.
فكر في الاقتراح ثم قال للمحقق:
- موافق بشرط ...
- لا تشترط علينا، لكن ما طلباتك؟
- أن أزور أهلي قبل السفر.
- لمدة ساعة.
- موافق.
وصلت سيارة إسرائيلية مدنية للمخابرات الإسرائيلية إلى منطقة شعفاط تحمل غريبا وثلاثة أفراد من الموساد بلباس مدني، وسلاحهم تحت معاطفهم، كان الوقت ليلا، حوالي الثامنة مساء.
نزل من السيارة غريب وتوجه إلى بيت أهله. رن جرس الباب في الطابق الثاني فتحت أمه الباب فوجئت به:
- غريب؟! ابني، متى أفرجوا عنك؟ وهجمت عليه تعانقه، قبل يديها ثم دخل معها البيت، التم عليه إخوته وأخواته يعانقونه، سمع الأب الضجة، فخفض صوت التلفاز وسأل:
- ما هنالك؟
فقالت له ابنته الصغرى:
- غريب هنا.
- غريب؟ كيف؟ لقد حكموه عشر سنوات.
هب من مكانه فالتقى وجها لوجه مع غريب الذي جاء ليسلم عليه.
- ابني حبيبي؟ متى خرجت؟
جلس غريب، والجميع حوله، وقال لأبيه.
- لقد عرضوا علي الهجرة وعدم العودة مقابل عدم تنفيذ مدة الحكم فوافقت.
- لم أفهم.
- سيرحلوني إلى أمريكا على ألا أعود.
- بهذه السرعة.
- بهذه الطريقة لن أقضي مدة الحكم، إنها عشر سنوات.
- وهل عرضوا على زملائك نفس الشيء؟
صمت غريب ثم قال:
- لا أعرف.
فقال له أبوه:
- وكيف حضرت إلى هنا؟
- لقد أحضروني لأسلم عليكم وأودعكم.
- من الذي أحضرك؟
- الشرطة.
- الشرطة أحضروك بأنفسهم؟
تغير وجه أبيه.
فقالت أمه:
- وهل ستتركنا إلى الأبد؟
قبل أن يجيبها قال له أبوه:
- غريب؟ هل أنت جاسوس لهم؟
احمر وجهه،
- جا..سو..س؟ لا لا ما هذا الاتهام يا والدي؟
فقالت أمه:
- ابني جاسوس؟ بعيد الشر، إنه أشرف الناس.
هب أبوه واقفا وقال له:
- هل خنت اخوتك في السجن؟
- لا لم أخن أحدا.
- فلماذا إذن سيرحلونك إلى أمريكا، وأحضروك لتسلم علينا كأنك في نزهه.
- لا لا، لقد أحضروني حتى لا أهرب...
- تهرب؟ إنهم لم يسمحوا للأهالي بزيارة أبنائهم إلا خلف القضبان، لماذا أحضروك بأنفسهم؟
غريب، أنت ستهاجر إلى أمريكا لقاء خيانتك. خسارة أن تكون ابني.
لكن الحمد لله أنك جئت الآن قبل أن ترحل لكي أبصق في وجهك للمرة الأخيرة.
تفوه عليك،... هيا اخرج ولا ترني وجهك، قبحك الله.
هب غريب، وخرج من البيت مسرعا دون أن يسلم على أحد وقبل أن يصل السيارة مسح البصاق عن وجهه.
بعد أن فتح باب السيارة. سأله أحدهم:
- أراك عدت بسرعة! يبدو أنهم طردوك؟!
لم يرد.
فقال له الثاني:
- لا تقلق سيزعل منك أبوك لفترة ثم سيتقبل الموضوع فأنت ابنه.
أما الثالث فقال له:
- غدا ستكون في أمريكا مع الشقراوات، والحسناوات وهناك بعد سنوات ستكون مليونيرا، يتمنى كل إخوتك أن يلحقوا بك.
هز رأسه مبتسما يحاول أن يخفي دمعته، فقد كانت كلمات أمه الأخيرة تدور في رأسه.
- غريب جاسوس؟!
كنت سأرفع رأسي أمام الناس، فإذا بك تكسر ظهري وتحنيه عارا إلى الأبد.
وضع يده يتحسس مؤخرة رأسه الذي يؤلمه بعد أن ضربه أخوه بحذائه عندما استدار خارجا.
بدأ شارد البال يتمتم كلاما غير مفهوم.
سأله أحد المخابرات:
- ماذا تتمتم؟
- أفكر باللحظة التي سأصل بها الولايات المتحدة، لأبدأ حياة جديدة في وطن جديد.