حماية الملكية الفكرية و الأدبية
القاضي المستشار ماجد الأيوبي
عضو رابطة الحقوقية بدمشق
يرتبط الفكر بالإنسان ارتباطاً «وثيقاً» فقيمة الفكر ليست في وجوده، بل في الاستفادة منه، لأن الفكر هو المحور الذي يقوم عليه تقدم البشرية ورقيها.
في ظل ثورة الاتصالات والتقنيات الإعلامية الحديثة، برزت الحاجة وبشكل كبير إلى حماية الحقوق الفكرية، وبخاصة حقوق المؤلف، فالشكوى لم تعد تقتصر على سرقة هذا الكتاب أو ذاك، أو إعادة نسخه أو نسبته إلى الغير، بل امتدت إلى عشرات محطات التلفزة الخاصة وغيرها، التي باتت تعرض الأفلام والمسلسلات، دون إذن أصحابها أو منتجيها.
لذلك أضحت الملكية الفكرية ذات أهمية بالغة في عصر التواصل الحضاري الإنساني السريع بين الأمم والشعوب، وفي الوقت نفسه صارت حماية هذه الملكية من الاعتداء والسطو والتزوير والسلب موضع اهتمام الدول والأنظمة والتشريعات المختلفة، حماية للإبداع والمبدعين، وحفاظاً على حقوقهم وثمرات إنتاجهم الفكري.
أضف إلى ذلك أن العديد من الدول- لا سيما الصناعية منها- والشركات العالمية قبل التوجه للاستثمار في بلد ما، تشترط ضمان حقوقها الصناعية والأدبية والفنية، فيما يسمى قانوناً حماية الملكية الفردية بشقيها الصناعي والتجاري من جهة، والأدبي من جهة أخرى، إذ أن الحماية الفعالة للمبدعين والمبتكرين تشجع على جذب الاستثمارات، وتساهم في النمو الاقتصادي والاجتماعي.
وانسجاماً مع هذه الضرورة الملحة، وللحفاظ على حقوق الابداع الفكري ودفع عجلة تقدمه ورقيه، فقد أصدر السيد رئيس الجمهورية العربية السورية بتاريخ 27/2/2001 القانون رقم 21 المتضمن حماية حقوق الكتاب والمفكرين في إنتاجهم الأدبي أو الفني أو العلمي، وحقوق الممثلين والعازفين والمغنين والراقصين والمنشدين وغيرهم.
وقد جاء في الأسباب الموجبة لهذا القانون أن الإنتاج الإبداعي للمفكرين في شتى ميادين الأدب والعلم والفنون هو الأساس في تطور المجتمع وحضارته.
ولا شك أن إنصاف هؤلاء المبدعين يقتضي حماية حقوقهم المعنوية والمادية فيما ينتجون وفيما يبدعون.
ومنع العبث بحقوقهم سواء بالانتحال أم بالتشويه أم بالطمس أو بأي شكل من أشكال المس بهذا الانتاج وبنسبته إلى صاحب الحق فيه.
وقد جاء صدور هذا التشريع مواكبة للحضارة فيما يتعلق بالتطور الحاصل على الحقوق الفكرية عالمياً في كل المجالات.
كما أن الحماية لم تعد قاصرة على مستوى الدولة الواحدة، إذ ليس للأفكار من حدود، فالحدود السياسية غير قادرة على الفصل بينها، وبذلك فإن الحماية الوطنية لوحدها لا تكفي إذا لم تصبح حماية عالمية تحمي الفكر على نطاق دول العالم أجمع، التي باتت وكأنها قرية صغيرة.
وهذا ما جعل الحقوق الفكرية موضع اهتمام عربي، فقد شهدت تسعينيات القرن الماضي حركة نشطة في إصدار قوانين حماية الملكية الفكرية، منسجمة مع أحكام الاتفاقية العربية الموحدة للملكية الفردية والأدبية عام 1981، فصدر القانون السعودي عام 1990 والقانون المصري والإماراتي عام 1992 والقطري واليمني والتونسي والجزائري في عامي 1993 و1994 واللبناني عام 1999 والكويتي عام 1998، وبذلك فإن الدول العربية تتساند وتتعاضد لاتخاذ موقف مشترك من الاستحقاقات التي تفرضها العولمة ومن بينها قوانين حماية الملكية الفكرية، والحفاظ على الثروات الفكرية وجهود مبدعينا ومؤسساتنا الثقافية.
وإذا نتطلع إلى حماية الفكر والمصنفات عربياً، فإننا نشعر بالتزامنا في حماية حقوق الغير على أرضنا بقدر حقنا في ألا يقع علينا اعتداء من الغير، لأنه لم يعد خافياً على أحد الضغوط التي تمارسها الدول الغربية على هذا البلد أو ذاك، لسن وإصدار قوانين الملكية وفق الصيغة التي تنسجم مع مصالحها، ولعل موفد اتحاد منتجي البرامج الأمريكية في نهائي عام 2000 السيد بالمر، وهو في الوقت نفسه أحد المسؤولين البارزين في شركة (مايكروسوفت) إلى بعض الأقطار العربية ولاسيما دولة الكويت، نادى بالاسراع والتشدد في تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية، وقال إن الكويت تعاني مشاكل اقتصادية عديدة بسبب عدم التصدي لأعمال القرصنة.
هذا المسؤول نفسه عندما زار الكيان الاسرائيلي لم ينطق بكلمة واحدة عن القرصنة، مع أنه يعلم أن اسرائيل أحد أهم الدول المنتجة للبرامج المقلدة، وأن آخر إحصاء يشير إلى الخسائر التي سببتها القرصنة في اسرائيل فاقت /77/ مليون دولار عام 1999 وليس هذا فحسب، بل أودع في اسرائيل مبلغ /7/ مليون دولار جديدة للاستثمار في مجال التكنولوجيا، وهذا يبين سياسة المعايير المزدوجة في القضايا ذات الطبيعة الواحدة، أو سياسة الكيل بمكيالين التي صبغت السياسة الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً في كل المسائل ذات الصلة بالعالمين العربي والاسلامي.
ومهما يكن من قول... فإن صدور قانون حماية الحقوق الفكرية في بلادنا، يعتبر حافزاً لتشجيع الإنسان على الابداع، ويزيل الحواجز أمام تقدم العلوم والتكنولوجيا، كما يثري عالم الآداب والفنون، وعلاوة على ذلك فإن هذه الحماية تدفع بعجلة التجارة نحو الأمام وتوفّر لها مناخاً مستقراً لتبادل منتجات الملكية الفكرية العربية والدولية على حد سواء.