الراصد والمتابع لبيانات وتصريحات ولقاءات قادة حركة حماس يلحظ وبوضوح استكانة تصل حد القبول بالوضع المأساوي في الضفة الغربية، وتحول تدريجي إلى ما يمكن تسميته بـ "سياسة المراسل الصحفي"، أي نشر الأخبار والتقارير والجرائم، وكأنها تحدث في مكان آخر، وقد وصل هذا الأمر ذروته في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، في تناول حماس لخبر اعتقال السلطات المصرية لمسؤول أمني فيها (محمد دبابش)، وكذلك أنباء الضفة الغربية حول الاعتداء على النائب زيدان، وفي أحسن وأفضل الأحوال التصريح بأن ما يحدث هو تجاوز للخطوط الحمراء.
هذه الخطوط الحمراء التي لم نعد نعرف ماهيتها وحدودها، في ظل التغول غير المسبوق لميليشيات العمالة في الضفة الغربية، ذراع الاحتلال الضاربة، وأحذيته المخلصة، خطوط باتت تتكاثر بعدد الجرائم المرتكبة في الضفة الغربية!
وللتذكير فقد قيل سابقاً مراراً وتكراراً أن فتح المختطفة وميليشيات عباس فيّاض العميلة قد تجاوزت الخطوط الحمر أو الحمراء، وكل خط يُرسم يتم تعديه وتجاوزه بجريمة أكبر، والمؤلم أن الحديث عن المصالحة كأولوية ما زال سيد الموقف.
خطوط حماس الحُمر كان منها في السابق:
· محاصرة واعدام المحمدين في قلقيلية في شهر مايو/أيار من العام 2009، والذي تلاه احتفا حاشد من قبل أزلام أوسلو بهذه الجريمة
· اعتقال زوجات المطلوبين وأمهاتهم وأخواتهم في أكثر من مناسبة للضغط عليهم لتسليم أنفسهم
· اختطاف أزواج النائبات في التشريعي للضغط عليهم كما هو الحال اليوم مع النائب زحالقة
· الاعتداء المباشر على نواب التشريعي واغلاق مكاتب التشريعي في وجههم، بمن فيهم رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك، من قبل صغار موظفي وعمّال أوسلو
· منع نواب التشريعي من كتلة التغيير والاصلاح من الخطابة في المساجد، كما حدث مع نايف الرجوب ومنعه بالقوة من خطبة الجمعة في الخليل في يوم الجمعة 17 رمضان
· ملاحقة المقاومين وشن حملة اختطافات شملت المئات بعيد عمليتي الخليل ورام الله الأخيرتين
مروراً بمحطات سياسية كثيرة من جريمة تقرير غولدستون، إلى المساهمة في حصار غزة والتحريض عليها، إلى المواقف المخزية والمتكررة لرموز أوسلو، والتي اعتبرت في حينها خروجاً عن أخلاق شعبنا، أو عمالة، أو ضد المصلحة العليا وغيرها.
موقف حماس هذا برسم الخطوط الحمراء، والاكتفاء بالبيانات، مع الاستمرار في التعامل مع حثالات شعبنا بأنهم قادة نجالسهم ونحاورهم، هو أحد الأسباب المباشرة التي تغذي هذا التغوّل في الضفة الغربية، ويشجع تيار العمالة على المضي قدماً في خرق كل شيء.
نعم حاولت حماس في السابق التعامل بالمثل من خلال اعتقال قيادات فتحاوية في غزة للضغط على ميليشيات عبّاس فيّاض في الضفة الغربية المحتلة ازدواجياً، لكن ومع عدم اقرار شخصي بذلك، إلا أنه بات من الواضح أن قيادات فتح في غزة لا تعني لعبّاس وعصابته شيء، فهي كم مهمل مستثنى ومهمّش، ومن مصلحة عبّاس وعصابته تغييبهم تماماً لو استطاعوا، بل لا نبالغ أنه وباستثناء محمد دحلان فإن الهاربين من غزة إلى الضفة هم أيضاً كممت أفواههم ولم نعد نسمع لهم صوتاً.
حقيقة لا ندري ما الحكمة من وراء ترك الضفة الغربية لمصيرها، وانتهاج سياسة المراسل الصحفي، مع أن الأوراق بيد حماس ما زالت كثيرة، رغم الحصار والعدوان من البعيد والقريب، وليس أقلها وقف أي اتصال مع عصابة العملاء في رام الله واعتبارهم أعداء للشعب والوطن.
لم تعد هناك خطوط حمراء أصلاً ليتم تجاوزها، أبعد الخيانة ذنب؟، أبعد قتل واعدام أبناء شعبنا ذنب؟، أبعد التخلي والتفريط والتنازل ذنب؟، وهل قيادات حماس أو غيرها مهما علا شأنهم أهم من ضياع وتضييع وبيع فلسطين؟
قال ناجي العلي رحمه الله يوماً "كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي، أنا أعرف خطاً أحمراً واحداً، أنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف أو تنازل لـ"اسرائيل".
إن كان هذا هو الموقف المعتمد من قبل حماس، فلا داعي بعد اليوم للشكوى من ممارسات سلطة أوسلو في الضفة الغربية، لأن الشكوى تفقد معناها حين نقبل أن نجالس الجلاّد والقاتل، بينما تتزايد الجرائم ومعها الخطوط الحمراء، وتتزايد معها أولويات مصالحة مزعومة لن ترى النور مع زمرة باعت نفسها للشيطان، وفقدت ارادتها بالكامل لصالح المحتل!
على حماس انتظار المزيد من تجاوزات الخطوط الحمر، التي لن توفر أحداً بحصانة أو غيرها، وعليها أن تستعد لعودة عبّاس إلى غزة على ظهر الدبابات (الاسرائيلية) بعد استكمال المهمة المنوطة به في الضفة الغربية، وكان الله في عون شعبنا.
د. إبراهيم حمّامي DrHamami@Hotmail.com
21/09/2010