قلم بلون الطيف / ريمة الخاني : عبد الرحيم محمود
رحلة نقدية
مجموعة قصصية جديدة تسجل ريمة الخاني في مجموعتها هذه خطوات للأمام في مجال كتابة القصة القصيرة ، حملت هذه المجموعة عنوان : ( قلم بلون الطيف ) في كتاب من حوالي مائة صفحة من القطع المتوسط حوى نيفا وثلاثين قصة قصيرة ، تبدأ هذه المجموعة بثلاث قصص تحمل طابعا واحدا تقريبا هي :
أم العيال
حكايات من دمشق القديمة
القدر يدق الباب
الداخل لها يلمس تشابها في جوهر الحدث وسيره وتجسيده ، وهو : الخوف من قول ما بالداخل ، والالتفاف حول الفكرة خشية مواجهة عواقبها ، والالتصاق بالبيئة الدمشقية التقليدية الخجولة التي تربت على العادات والتقاليد الموروثة التي تجعل العرف والتراث فوق الجميع ، والتربية المحافظة المختبئة وراء ستائر الموروث الذي تصل حالته للتقديس المفرط ، بحق أو بدون حق ، أرى فيه انكسار المرأة الشامية في المجتمع الذكوري المتزمت والمتعصب لذكوريته ، والمرأة التي ترى قدرها في الالتزام بالقيود والحدود الاجتماعية التي لا تتغير مع تغير التاريخ وكأن عقارب التاريخ نسيتها خارج ميناء الساعة !!
هناك أشياء محذوفة كثيرة ، وأفكار مرتعشة خوفا ، لا تكاد يسمع همسها في داخل الضمير ، خوفا من النتائج المرعبة التي سوف تنتج من تحطم القيود الاجتماعية وتناثر زجاجها المحطم الذي يمتاز بهشاشة شديدة لا تسمح للمرأة أن تقول : لا ، ولو لمرة واحدة !
وصفها للمرأة لا يكاد يتغير ، فهي حزينة متقوقعة ، منكمشة على ذاتها ، تكلم نفسها بأفكارها التي تخاف أن تسمعها جدران الغرفة فتنقلها لشريك فراشها فتكون الكارثة ، تستقصي كل بأجنحتها المتكسرة كل أحلام البنات ، وآمال العذارى ، ولكنها تختبئ بسرعة خلف قناع الزيف الذي يرضي الآخرين وإن كان يكبتها ويحبسها خلف أسوار خوفها المبرر .
تفتش الكاتبة عن عناصر عدم التوازن واستمرار المشكلة لا حلها ، فبدلا من لقاء الحبيبين تبذل جهدها لتجعل الحبل بينهما ينقطع ، ولا تتلاقى القلوب وكأنها تريد أن تقول لا مجال للحب ، هناك في داخل العقل الباطن ما يعمل على بناء البيت على الزواج التقليدي الذي لا يسمح بالحب ولا بالعلاقة بين رجل وامرأة وإن كانت النية الزواج ، فهي في قصة القدر يدق الباب تقطع خمسة أصابع للمحبوبة من أجل رفض أهل العاشق من إتمام لقاء الحبيبين ولو بصورة مشروعة ، هناك حرب ولو من تحت الرماد أن يتلاقى قلبان ينبضان حبا .
أما في قصة (حمام ) فقد تهت بالفعل بين طلاسمها هو أن البطل فيها عنده بنت يخاف عليها ولكنه لا يريد الزواج ، فهل ماتت زوجته لأن الكاتبة تذكر أن فراق زوجته كان مؤلما له . هناك انقطاع في التسلسل الدرامي ، والسرد المعلل والأحداث المنطقية ، هناك خلط بين المعقول واللامعقول لدرجة أن إخضاع النص لمنطق الأحداث غير ممكن ، ثم لماذا كل نهايات القصص تنتهي بمأساة مروعة ، بكاء ، وموت ، وفراق ، وأهوال ، ومصائب ، وفقد ، وغدر .... الخ .
وأما في ( طموح قاتل ) ، فتبدأ القصة بجنازة لتنتهي نهاية مأساوية للغاية بعد أن يكشف لها زوجها أن تلك الجنازة هي لحياتهما الزوجية !!
وفي قصة (عندما يبكي الخريف) ترتفع اللغة عن مستوى القصة القصيرة لتصبح شعرا منثورا لا عقدة فيه ولا حكاية ولا غير لغة مرتفعة عن مستوى الظرف الزمكاني ، لتحلق في الفضاء بلا أحداث ، لغة القصة القصيرة تحتاج للغة تسير على الأرض على قدمين بلا أجنحة ، فإذا ما أصبحت اللغة مجنحة وارتفعت عن مستوى الأحداث البسيطة فقدت كونها قصة قصيرة وربما لم ترتفع إلى مستوى النص الشعري كذلك ، والقصة تعتمد على الحدث وتطوره ، وتوتر الصراع الديالكتيكي بين إرادات متعارضة ، تنفي هذه اللغة انتماء تلك القصة لعائلة القصة القصيرة من أصلها !!
وفي قصة (سلسة صعود) تلجأ للحل الديني بعد أن لفظ بطلتها الحدث الدنيوي ، وطبعا لا أجد في ذلك حلا ، فالاختيار تحت طائلة انفراد فضاء عينة الاختيار ليس أكثر من إقناع النفس بنصر زائف ، ولفظ البطلة للدنيا بعد أن لفظتها ليس حلا البتة ، كان يجب أن تختار وأن تشكل فضاءات اختيارات أخرى ، الاختيار الصفري ليس بطولة ولا يعد أكثر من هروب للداخل يخلق فوبيا النصر المقلوب الذي حقيقته هزيمة كاملة !!
وفي قصة (لا تقل وداعا) كانت قصة ناجحة جدا بها عناصر القصة القصيرة حدث ، وتطور الصراع بين إرادات الشخوص ، وتفاعل البشرية بالبعد الزمني وتأثير على القلوب ، غير أن تدخل الكاتبة في السطر الأخير عندما قالت : لكنها اكتشفت أخيرا أنها فقدت قلبها ..... وسكينتها .... ، هذا التدخل جعل اشتعال الحدث يواجه برميل ماء بدرجة التجمد فيلغي كل شيء ، لا أعرف لماذا يجعل الكاتب من نفسه وصيا على حركة الشخوص وصراع الإرادات ليحولهم لمجرد أراجوزات يحركها بخيوط مرئية حينا وغير مرئية أحيانا أخرى !!
وفي قصتها (ما زلت هناك) أرى عدم ترابط الأحداث فالقصة هنا تعتمد بالكامل على تحريك الكاتبة لشخوصها إما بخيوط مرئية أو بالريموت كونترول ، وهذا يجعل الكاتبة والبطلة واحدا ، ويلغى الدراما التي تجعل للأحداث قيمة حقيقة ، وتجرد القصة عن واقعيتها وتأخذها من واقع الحدث ضمن الظرفين الزماني والمكاني للتجريد ، تأخذه من واقع الفعل لتجريد المصدر !
وفي قصة (من يشتري مني أخطائي) نجد الكاتبة قد بنت الحدث الدرامي على شخصية أحادية كمعظم قصصها بافتعال مشكلة وتركها تسبح في فضائها دون تطور أو بناء منطقي يوصل بين العقدة والحل ، فالحل السحري ليس حلا البته ، فالرجل بعد أن فتش كل مكان ممكن وبحث في كل الزوايا الممكنة التي بعثر (!) فيها نقود الشركة التي يعمل بها ، فجأة وبضربة من عصا موسى يجد المال المفقود بالتمام والكمال موجودا في الدرج !!
وما ينطبق على القصة السابقة ينسحب بالكامل على قصتها التالية (الغزال الشارد) فالطفل الصغير يفقد على السلم (؟) ثم البحث الشاق والمعاناة ثم يفتح الباب ولا أعرف باب أي مكان كان ذاك ليجد الطفل الصغير وراء الباب الذي أغلق بالمفتاح بعد خروج الجميع !!
أما في قصة (بذور الوفاء) فقد بلغت الكاتبة حد الروعة ، فهناك فكرة مسبقة عما سيدور الكلام ، وتريد الكاتبة توصيلها للقارئ ، وتسلسل منطقي للحدث وتصاعد حدة الدراما الحدثية ونهاية تجعل من الوفاء فكرا جميلا ، وتجعل القارئ يقول : لا زالت الدنيا بخير .
هناك توضيح للسيدة الكاتبة أرجو أن تقبله كاتبتنا بروح طيبة وهو : أن الحب لا يذبل لا بسن الأربعين ولا بسن التسعين ، فالحب يكون في البداية اضطرابا ولهفة وحزنا ورغبة ولكنه يتحول لنوع من العقلانية الإيجابية في سن الأربعين ، وهنا تكمن مشكلة الأزواج الذين يدخلون مرحلة الملل والسأم والبرود ، والتكرار الخالي من الطعم ، لكن لا يفكر طرفا الحب بتجديده وتغيير ملامحه ليعود البركان الخامد بالثوران المجدد ، فيتخيل بعض الناس أن الحب مات .
وتناقش الكاتبة في قصص تالية مشاكل الافتراق الثقافي بين الزوجين واختلاف النظرة من الأدب والشعر في عالم تسوده المادة ، وتحاول تسوية الأمر بين اهتمامات بالثقافة والبيت والزوج والأولاد محاولة إيجاد نوع من الترضيات لباقي عوامل الحياة مع عدم تخليد نفسها عبر نتاجها الأدبي ، وبهذا أراني متحمسا لها أشد أنواع التحمس فلا شيء أجمل من أن يترك أحدنا أثرا يدل عليه ، ويشير له بإصبع الخلود عبر إضافته شيئا للفكر والأدب .
نصائح ومقترحات لكاتب القصة القصيرة :
1- قبل البدء بكتابة القصة القصيرة علينا أن نعرف أنها مختلفة عن الخاطرة والقصيدة النثرية ، وأن الكتابة تتم عن الآخرين لا عن الذات ، وبالتالي نحد من كوننا البطل ، ونترك فضاء المسرح لغيرنا يمكننا أن نكون كمدرب فريق كرة القدم ولكن لا يجب أن نكون نحن اللاعبين والمدرب معا .
2- تحديد الفكرة التي نريد وضعها في بؤرة الأحداث .
3- تحديد الأبطال وعددهم وجنسهم .
4- البدء بحدث مشوق يستقطب انتباه القارئ فيتابع للنهاية .
5- البناء الدرامي للأحداث بما يخدم تحقيق الهدف .
6- التوتر واستمرار البناء التصاعدي له للوصول لنقطة انكسار الخط التصاعدي للتوتر باتجاه الحل .
7- الحل والنهاية وأنواعها : المحددة المتوقعة ، المحددة المعكوسة ، المفتوحة على متعدد غير محدود ، المفتوحة على متعدد محدد .
8- اللغة ومناسبتها للقصة فارتفاع اللغة عن مستوى أرضية الحدث يجعل القصة تحدث على غير أرض الواقع ، وننقل القصة لتكون تأملات شعرية أو نثرية لا قصة قصيرة .
تحيتي سيدتي الشاعرة الكاتبة أو الكاتبة الشاعرة فأنت كلاهما أو كلتاهما .
نصائح عامة ليست متعلقة بنقدي لقصص الكاتبة الكبيرة ريمة الخاني .
ومن عيوب كتابة القصة القصيرة في نظري وهذا عام لا يتعلق بقصص الكاتبة الكبيرة ريمة الخاني :
1- انقطاع تسلسل الأحداث .
2- الانقطاع الزمني والمكاني بين الأحداث والتنقل العشوائي لها .
3- عدم وضوح ما يريد الكاتب قوله .
4- عدم منطقية الأحداث ، وارتباط العلة بالمعلول والسبب بالنتائج .
5- رداء اللغة ، أو ارتفاعها عن مستوى ما يطلب في القصة القصيرة .
6- النهايات غير المنطقية التي لا تمت لنتائج تفاعل الأحداث .
7- امتهان كرامة الإنسان وتسفيه الديانات والمبادئ ، وتسفيه الموروث من التقاليد الاجتماعية ، أو تسفيه الرموز الدينية والعلمية أو المدارس والمساجد ... الخ .
8- وجود تنمية لقيم سلبية ، كالتدخين ، وشرب الخمر ، والترويج للمخدرات ، أو الفواحش ، أو امتهان الإنسان ، أو ثقافة العنف ، والسياقة بتهور ، والغش والخداع ، والنصب والاحتيال ، وخرق القوانين المرعية .
9- عدم تنمية عدم مراعاة الملكية العامة ونظافة البيئة ، واحترام الغير ، والتعالي والتكبر .... الخ .