منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 27
  1. #1
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)
    إبراهيم بن عبدالعزيز الخميس

    ي هذا المقال نستكمل الحديث عن ضوابط بناء القيم..

    4- الحياة مدرسة القيم:
    تأتي الخطوة الأولى لغرس القيم مِن صلاح الأب نفسه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ثم اختياره للأم الصالحة (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، ثم ببناء البيت المحافظ الخالي من آلات اللهو والفساد، ثم بحماية الابن من أخطار البيئة الخارجية (الشارع، الأصدقاء، الأقارب..).
    وسأستعرض فيما يلي مجموعة من المؤثرات الخارجية التي تشارك الوالدين في تشكيل شخصية الأولاد:

    وسائل الإعلام الغربية أو المستغربة:
    يَغفُل كثير من الآباء عن أثر وسائل الإعلام في غرس القيم، وهي –خاصة الوسائل الغربية– وسائل موجَّهة مدروسة، من أولى أولوياتها نشر ثقافة وقيم البلد المنتج.

    أ- الأفلام:
    من المتفق عليه عند أهل الفن أن المشاهِد يتعلَّق قلبُه ببطل الفلم -وبطلُ الفلم هو من تدور عليه أحداث الفلم، ويظهر في أغلب المشاهد المؤثرة أو المثيرة- ومَن ناقش في ذلك فليرجع إلى الخبر الذي نشرته الـ(BBC) بعد مقتل "كابتن أميركا"؛ حيث قامت الدنيا ولم تقعد بعد إعلان مقتله، وأقيمت لذلك الندوات والأمسيات، وراجع عدد من الأمريكيين الأطباء النفسيين للتداوي من آثار الصدمة النفسية بعد مقتله، بقي أن نعرف أن "كابتن أميركا" شخصية كارتونية، على نمط "سبايدرمان"، لكن الشركة المنتجة للفلم الكارتوني رأت أن تنهي حياته، وتقتله! الأمر الذي لم يعتده الأمريكيون! فالبطل في عرف الأفلام الأمريكية لا يموت، وربما يحيا بعد الموت!!

    وفي الأفلام الغربية - خاصة أفلام العنف - يكون البطل مدخنًا، حليقًا، له عشيقة، وفي كثير منها: سفاحًا أو ربما تاجر مخدرات أو ساحرًا! أو مجرمًا تطارده أجهزة الأمن دون جدوى! وتُبرز هذه الأفلام أثر المرأة الفاعل في المجتمع؛ شرطيةً كانت أو باحثة أو ممثلة أو مغنية، أو حتى مقاتلةً شرسة! ولا يكاد يخلو فلم من التساهل في الدماء والعلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء.. وليست الأفلام العربية بأحسن حال من أختها الغربية.
    إن متابعة أبنائنا لهذه الأفلام ينخر في القيم التي نغرسها فيهم، بل يغرس فيهم قيم الغرب بأساليب خطيرة ومؤثرة، أكثر مما نغرسه نحن بممارستنا الأساليب التقليدية..
    ب- الأغاني والغواني:
    يعجب المتابع عندما يرى هذا الكم الهائل في القنوات الفضائية من الأغاني الراقصة العربية والغربية، والتركيز على المرأة تركيزًا أساسيًّا، حتى سادت العبارة المشهورة (لا إعلام بدون المرأة!) بل وزادت وقاحتها إلى عرض مشاهد حية لشباب وفتيات يضحكون ويمرحون ويغنُّون دون تدخل من المخرج! ولست هنا بصدد تقييم هذا الطرح أو بيان فلسفة القائمين على الإعلام، لكني سأركز على أثر هذه القضية على المتربي.

    إن الإنسان له طبيعة طينية تجذبه للأرض وشهواتها، وطبيعة روحية تجذبه للسماء وعلوها، وهو مخلوق ضعيف تغلبه شهوته حينًا وينتصر عليها حينًا آخر، وهو مطالب بضبط دوافعه الفطرية لا بكبتها، ومن أقوى مقومات الضبط البعد عن مواطن الفتن؛ كما في حديث الذي قتل مائة نفس (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ) [صحيح مسلم ج 13 / ص 338].
    وأول باب الفتن هو النساء؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) [صحيح مسلم - ج 13 / ص 286].
    وماذا ننتظر من شابٍّ تتوقد فيه الشهوة وهو يشاهد هذه القنوات؟ ويعايش فيها الحب والمرح والضحك والغناء في مشاهد زائفة، ويعيش في محيطه أجواء مادية جافة من المشاعر!
    إن النظرة الواحدة تصيبه بسهم في قلبه، والأغنية - مزمار الشيطان - تفسد عليه إيمانه، وتدعوه للفحشاء والمنكر، فكيف بنظرات، وكيف بأغاني وسهرات؟!
    ج - البرامج والمنتديات الحوارية:
    إن كانت الأغاني والغواني فتحت أبواب الشهوات على المتربين، فالبرامج الحوارية - في كثير منها - تَفتح أبوابَ شُبهاتٍ لا تُغلق، والشبهاتُ أخطر من الشهوات؛ لأن الشهوات تخاطب مشاعر المتربي، أما الشبهات فتؤثر في باطنه (الفكر والقناعات والقيم) وهنا مكمن الخطورة.

    لقد أتاحت البرامج الحوارية فرصة كبيرة لنشر مذاهب هدامة بثياب جديدة؛ كالاعتزال، والتصوف، والرفض، والتغريب، ولا تجد هذه البرامجُ غضاضةً في مناقشة أي قضية حتى ولو كانت من ثوابت الأمة! فاجترأت على الثوابت، وحاربت الإسلام باسم الديمقراطية والحوار.
    د- الصحف والمجلات:
    من الأساليب التغريبية التي دخلت بيوتات المسلمين: الصحف والمجلات، والأولى تتميز بالقرب، والأخرى بالعمق.
    المتابع للصحف السيارة يلحظ أنها موجَّهة لخدمة أهداف محدَّدة، ومنهجها (اكذب واكذب حتى يصدقك الناس!)، ومما لم تسر به الركبان من الأمثلة: (دعاوى صحفي([1]
    واعلموا أن لا دعاوى هشة كدعاوى صحفي فارغ


    إن مكمن الخطورة في الصحف هو أثرها في صناعة الرأي العام، فإذا أراد أصحابها تهيئة الرأي العام لوضع جديد أو قرار يخالف قيم الناس أو قناعاتهم ركّزوا الطرح حوله بالرؤية التي يريدونها، فيُخيَّل للمجتمع أن ما يطرح توجه عام، أو أمرٌ غالب!
    أما المجلات - في مجملها - فتركيزها على جانب الشهوات والشبهات واضح، فلا يخلو عدد من (فاتنة في الغلاف)! ولا من حوارات تنخر في قيم المجتمع.

    الألعاب الإلكترونية:
    مشكلة عامة الألعاب الإلكترونية أنها ليست إسلامية! فهي إما أن تكون غربية تخدم أهدافًا نصرانية، أو شرقية تخدم أهدافًا وثنية، وكل منهما له أهداف ليبرالية، أما البرامج الإسلامية فلا تصل مع الأسف إلى المستوى الفني المنافس الذي يجذب الطفل أو الشاب إليها.

    إن لعبة مثل "بلاي ستيشن" PlayStation وهي لعبة مشهورة ولها جمهور عريض من المسلمين وغير المسلمين، هي جزء من منظومة متكاملة (السينما، والمجلات، والقنوات الفضائية) تسعى لتحقيق أهداف محددة.
    مكمن الخطورة في أمثال هذه اللعبة أنها تؤثر في قيم اللاعب من غير أن يشعر، وذلك لأمور:
    أ- أن وعي اللاعب يرتخي في أثناء ممارسة اللعبة؛ مما يتيح المجال للتبادل غير المقصود بين الظاهر والباطن كما سبق بيانه.

    ب- أن اللاعب يتقمص - من غير أن يشعر - شخصية بطل اللعبة الذي ربما يلبس الصليب، ويسرق ويقتل، ويفحِّط، ويرهب الناس.. وقد ذكر لي أحد الأفاضل أنه شاهد طفلاً يلعب هذه اللعبة فسأله ماذا تفعل الآن؟ قال: قتلت الرجل.. وسرقت..، فلما انتهى الطفل من اللعب سأله صاحبنا: ما حكم القتل والسرقة؟ فقال: حرام. قال له: فلم إذن قتلتَ رجلا قبل قليل، وسرقتَ وأنت تعلم أن السرقة حرام؟!
    ج- الأمر الأخطر في الموضوع أنها ألعاب موجهة، ولها أهداف محددة كما سبق أن ذكرت.
    تنبيه مهم:
    إن التركيز على الجانب السلبي فيما يتعلق بوسائل الإعلام أو الألعاب لا يعني أنها جمعت السوء وخلت من الخير، ولكن الحديث عن مجمل ما يطرح فيها، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة تجارِب ناجحة تتيح الفرصة لبديلٍ إسلامي منافس، لكنها ما زالت دون المطلوب عددًا وعُدَّة.. وأملنا في مستقبل مشرق إن شاء الله.

    والواجب على الوالدين اختيار المناسب من الوسائل الإعلامية والألعاب للمتربين، ومراقبة كل ما يدخل البيت، فهذا من الأمانة التي ائتمنهم الله عليها؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ؛ أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) [متفق عليه].
    وعند مسلم عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) [صحيح مسلم - ج 1 / ص 343].
    وللحديث صلة..

    ــــــــــــــــــــ
    [1] من سلسلة مقالات رائعة بعنوان "فائت الأمثال" للشاعر الأديب فواز اللعبون، نشرها في مرآة الجامعة التي تصدرها جامعة الإمام بالرياض، ينظر العدد 447.

    ( الرجاء ممكن لديه بقية السلسلة إتمامها معنا وشكرا)
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  2. #2
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  3. #3
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    سلسلة تربوية لكل أسرة تحرص علي تنشئة اولادها علي القيم للاستاذ / إبراهيم بن عبدالعزيز الخميس
    بين يدي الموضوع







    هذه المادة في الأصل جزء من حقيبة تدريبية بعنوان (المربي وبناء القيم)، وقد استغرق جمعُها وإعدادها –بفضل الله– سنوات، واستفدت في محتواها من مضمون التغذية الراجعة في برامج تدريبية كثيرة، إذ نُفِّذَ هذا البرنامج في أماكن مختلفة ولفئات متنوعة، وبأساليب عديدة، وكنت أجني بعد كل برنامج فوائدَ جميلة ودررًا مضيئة من متدربين أو متدربات، فينعكس ذلك على مستوى هذه المادة التي جاءت نتاج تلاقح الأفكار، وجلسات الحوار، وورش العمل، مع الاهتمام الشديد بتأصيل ما يُكتَب تأصيلاً شرعياً.
    وكنت قد قسمتها إلى قسمين: الأول: نظرية (المربي وبناء القيم) واحتوى هذا الفصل على التأصيل للموضوع والتمهيد للفصل الآخر، فكان الحديث فيه عن مكونات شخصية الإنسان والتداخل بين مكوناتها، والتأثير المتبادل بين ظاهر الإنسان وباطنه، مستفيداً من أطروحة (الجبل الجليدي)، وتعريف التربية على ضوء ذلك، ثم الحديث عن الواعي وغير الواعي وأثر ذلك في التربية سلباً أو إيجاباً. وقد ختمت الفصل ببعض الضوابط في استخدام السلطة مع المتربي وبعض التنبيهات المهمة.
    الثاني: التطبيق العملي لما سبق تنظيره؛ بحثت فيه أهم القيم الغائبة في مجتمعاتنا، ثم تحدثت عن الوسائل العملية لغرس هذه القيم إجمالا، وختمته بذكر ضوابط في غرس القيم.



    مقدمة.. لا بد منها


    أزمتنا.. أزمة تربوية:
    جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب، وقد كانوا يعيشون ظلاماً دامساً، وجهلاً مطبقاً، وتخلفاً شاملاً كل ميادين الحياة، فلم تكن الأمم تأبه بهم، ولم يكن لهم شوكة يأوون إليها، وصَفَهم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لـ(يزدجرد) فقال: فما كان أسوأ حالا منا، وأمّا جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم. ديننا أن يقتل بعضنا بعضا، وأن يبغي بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه [البداية والنهاية - (ج 7 / ص 49)].
    هكذا كان حالهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
    وبعد أن نهل العرب من معين النبوة، وتربّوا على منهاجها تغيّرَ حالهم، وانقلبت الموازين، فالأميَّة تحولت إلى مدرسة أضاءت مشارق الأرض ومغاربها في شتى العلوم، والهمجيّة اختفت في سِيَر النبل والكرم والأخلاق السامقة، وانقلب فقرهم غنى، وخوفهم أمناً، وذُلّهم عزاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وأضحى العربُ سادةَ الأمم دهراً من الزمن.. حتى إذا اندرس العلم، وضعف أمر الدين في نفوس الناس، غلب على المسلمين الوَهن فكانوا غثاءً كغثاء السيل..
    عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُم الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا)) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ((أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ؛ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ)) قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: ((حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)) [مسند أحمد - (ج 45 / ص 378)].
    إن (الغثائية) التي تعيشها الأمة الآن هي تعبير عن أزمةٍ تربويةٍ لمسلمين لم يمتثلوا الإسلام في واقع حياتهم، فأذلّهم الله بعد عزّة، وأبدلَ قوّتهم ضعفاً، وتقدُّمهم تخلُّفاً.. ولن يصلُح حال آخر الأمة إلا بما صلح به أوّلها. ومن هنا نَعلم أن سبيل الخلاص من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والصحية.. التي تعيشها الأمة لا يكون إلا بتربيتها على المنهج الرباني، وعودتها للمعين الصافي، تَعلُّماً وتطبيقاً.. وليس كما تزعم النخبة العصرانية التي قادت الأمة عقوداً من الزمن زاعمةً أنّ في اللهث وراء الغرب واتِّباع آثارهم عزاً وتمكينا، فماذا جنت الأمة من هذا السعي إلا فساداً بعد ضياع، وخوراً بعد ضعف؟. وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَيَحْمِلَنَّ شِرَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى سَنَنِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ)) [مسند أحمد - (ج 34 / ص 499)].
    ملامح المنهج التربوي الإسلامي:
    تتنوع المناهج التربوية الأرضية بين الإفراط في المثالية، والإغراق في المادية. والمنهج التربوي الإسلامي وسط بين هذا وذاك، فالإسلام يرسم للمسلمين صورةً تربوية مثالية نظرية (في الوحيين) ويُقَدِّم لهم نماذج تطبيقية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين من بعده، ويُعامل الناس بعد ذلك وقبله على قدر استطاعتهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [صحيح البخاري - (ج 22 / ص 255)]، ولذا يكون الجزاء يوم القيامة بالموازنة بين الحسنات والسيئات، لا بعددها فحسب!..
    وبناء على ذلك فواجب المربِّين أن يُذَكِّرُوا الناس بما يجب عليهم فعله، وأن لا يكلِّفوهم فوق طاقتهم.. فيُذكّروهم بذلك الجيل الفريد والمجتمع المثالي الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..)) [صحيح البخاري - (ج 9 / ص 133)] ويراعوا فيهم واقعَهم المُر وزمنهم الصعب الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ)) [سنن الترمذي - (ج 8 / ص 215)] وفي المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 92) ((فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّابِرُ فِيهِن مِثْلُ الْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا)) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: ((لا بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنْكُمْ)).
    إن المنهج التربوي الإسلامي يراعي في المسلم طبيعته البشرية التي خلقه الله عليها، فالإنسان له طبيعة طينية تجذبه للأرض وشهواتها، وطبيعة روحية تجذبه للسماء وعلوها، وهو مخلوق ضعيف تغلبه شهوته حينا وينتصر عليها حينا آخر، وهو مطالب بضبط دوافعه الفطرية لا بكبتها.. وعلى ضوء هذه المسلّمات نستطيع أن نتعامل مع المتربين برؤية واقعية تُقّدِّر ضعف الإنسان، وترفعُه عن الإخلاد إلى الأرض.
    مصطلحات مهمة:
    يعيش المجتمع في هذا العصر -الذي سيطرت فيه الثقافة الغربية- خللا في المصطلحات، وهذا الخلل سمة بارزة من سمات المنهج الغربي حتى قال روبنسون: يستطيع الناس أن يوجدوا ماركسيات بقدر عددهم! [الثقافة الإسلامية للزنيدي – محاضرات غير مطبوعة ص29] لذا كان لزاماً علينا أن نقف مع المصطلحات التي سنتطرق إليها في هذا الموضوع ونتفق على تعريف واضح لها دون الدخول في تفاصيل أكاديمية دقيقة لا تحقق الهدف، وسنغض الطرف عن أي خلاف يتعلّق بمفهوم مصطلح يخالف ما أردناه.
    التربية والمربّي: نعني بالتربية كلَّ جهد يهدُف إلى الرقي بالإنسان في مراتب الكمال، ولكلّ إنسانٍ كمالٌ يطلبه وينبغي أن يسعى إليه، والمربّي هو مَن يُعنى من الناس بتربية نفسه وتربية غيره.
    القِيَم: مصطلح (القيم) لم يكن شائعاً عند أسلافنا، ولا مستخدَماً، وأول من ذكره الفلاسفة اليونان، ثم انتقل للمسلمين وللغرب عن طريقهم.. وحيث إنَّ هذا المصطلح فرضَ نفسه في الساحة التربوية والاجتماعية لم يكن بدٌّ من مخاطبة الناس بما يعرفون، فاستخدمناه هنا بالمفهوم الذي نرتضيه وهو أن القِيَم تعني: المبادئ والمعايير التي تحكم حياة الإنسان، وعامة أفراد المجتمع، والقيم عند المسلمين مستمدة من منهجهم الإسلامي الرباني وهي بهذا ثابتة لا تتغير، أما القيم عند الغرب فهي تابعة لأهوائهم وأهدافهم، ولا تتسم بالثبات، فما رآه المجتمع قيمة فهو كذلك! لذا يعيش المجتمع الغربي الآن أزمة مزدوجة في القيم (معرفةً وتطبيقاً).
    ويمكننا أن نصنّف القيم بطرقٍ شتى لعل من أجملها تصنيفها حسب تأثيرها على مكونات شخصية الإنسان، فالقيم على أنواع:
    1- قيم الحق: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان الفكرية، وأهمها المعتقدات.
    2- قيم الخير: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان السلوكية، مثل الحلم والصدق.
    3- قيم الجمال: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان العاطفية، مثل الاستحسان، والجمال.
    القناعات: القناعة مبدأ أو رأي أو اتجاه أو ميل يؤثر في حياة الإنسان واستجابته للمؤثرات الخارجية، يأتي غالباً بعد مرور الإنسان بتجارب معينة أو تأملات فكرية مستمرة. والقناعة أقل درجة من القيمة من جهتين: من جهة ثباتها، ومن جهة الاتفاق عليها بين أفراد المجتمع، وكثير من القناعات هي ترجمة عملية للقيم. فإكرام الضيف –مثلاً- قيمة، وطريقة إكرامة قناعة تختلف من رجل لآخر، وكثير من القناعات تتكون تحت تأثير البيئة المحيطة بالإنسان بغض النظر عن جودتها من عدمه.
    </b></i>
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  4. #4
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    سلسلة تربوية لكل أسرة تحرص علي تنشئة اولادها علي القيم للاستاذ / إبراهيم بن عبدالعزيز الخميس
    بين يدي الموضوع








    هذه المادة في الأصل جزء من حقيبة تدريبية بعنوان (المربي وبناء القيم)، وقد استغرق جمعُها وإعدادها –بفضل الله– سنوات، واستفدت في محتواها من مضمون التغذية الراجعة في برامج تدريبية كثيرة، إذ نُفِّذَ هذا البرنامج في أماكن مختلفة ولفئات متنوعة، وبأساليب عديدة، وكنت أجني بعد كل برنامج فوائدَ جميلة ودررًا مضيئة من متدربين أو متدربات، فينعكس ذلك على مستوى هذه المادة التي جاءت نتاج تلاقح الأفكار، وجلسات الحوار، وورش العمل، مع الاهتمام الشديد بتأصيل ما يُكتَب تأصيلاً شرعياً.
    وكنت قد قسمتها إلى قسمين: الأول: نظرية (المربي وبناء القيم) واحتوى هذا الفصل على التأصيل للموضوع والتمهيد للفصل الآخر، فكان الحديث فيه عن مكونات شخصية الإنسان والتداخل بين مكوناتها، والتأثير المتبادل بين ظاهر الإنسان وباطنه، مستفيداً من أطروحة (الجبل الجليدي)، وتعريف التربية على ضوء ذلك، ثم الحديث عن الواعي وغير الواعي وأثر ذلك في التربية سلباً أو إيجاباً. وقد ختمت الفصل ببعض الضوابط في استخدام السلطة مع المتربي وبعض التنبيهات المهمة.
    الثاني: التطبيق العملي لما سبق تنظيره؛ بحثت فيه أهم القيم الغائبة في مجتمعاتنا، ثم تحدثت عن الوسائل العملية لغرس هذه القيم إجمالا، وختمته بذكر ضوابط في غرس القيم.




    مقدمة.. لا بد منها




    أزمتنا.. أزمة تربوية:
    جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب، وقد كانوا يعيشون ظلاماً دامساً، وجهلاً مطبقاً، وتخلفاً شاملاً كل ميادين الحياة، فلم تكن الأمم تأبه بهم، ولم يكن لهم شوكة يأوون إليها، وصَفَهم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لـ(يزدجرد) فقال: فما كان أسوأ حالا منا، وأمّا جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم. ديننا أن يقتل بعضنا بعضا، وأن يبغي بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه [البداية والنهاية - (ج 7 / ص 49)].
    هكذا كان حالهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
    وبعد أن نهل العرب من معين النبوة، وتربّوا على منهاجها تغيّرَ حالهم، وانقلبت الموازين، فالأميَّة تحولت إلى مدرسة أضاءت مشارق الأرض ومغاربها في شتى العلوم، والهمجيّة اختفت في سِيَر النبل والكرم والأخلاق السامقة، وانقلب فقرهم غنى، وخوفهم أمناً، وذُلّهم عزاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وأضحى العربُ سادةَ الأمم دهراً من الزمن.. حتى إذا اندرس العلم، وضعف أمر الدين في نفوس الناس، غلب على المسلمين الوَهن فكانوا غثاءً كغثاء السيل..
    عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُم الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا)) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ((أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ؛ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ)) قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: ((حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)) [مسند أحمد - (ج 45 / ص 378)].
    إن (الغثائية) التي تعيشها الأمة الآن هي تعبير عن أزمةٍ تربويةٍ لمسلمين لم يمتثلوا الإسلام في واقع حياتهم، فأذلّهم الله بعد عزّة، وأبدلَ قوّتهم ضعفاً، وتقدُّمهم تخلُّفاً.. ولن يصلُح حال آخر الأمة إلا بما صلح به أوّلها. ومن هنا نَعلم أن سبيل الخلاص من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والصحية.. التي تعيشها الأمة لا يكون إلا بتربيتها على المنهج الرباني، وعودتها للمعين الصافي، تَعلُّماً وتطبيقاً.. وليس كما تزعم النخبة العصرانية التي قادت الأمة عقوداً من الزمن زاعمةً أنّ في اللهث وراء الغرب واتِّباع آثارهم عزاً وتمكينا، فماذا جنت الأمة من هذا السعي إلا فساداً بعد ضياع، وخوراً بعد ضعف؟. وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَيَحْمِلَنَّ شِرَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى سَنَنِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ)) [مسند أحمد - (ج 34 / ص 499)].
    ملامح المنهج التربوي الإسلامي:
    تتنوع المناهج التربوية الأرضية بين الإفراط في المثالية، والإغراق في المادية. والمنهج التربوي الإسلامي وسط بين هذا وذاك، فالإسلام يرسم للمسلمين صورةً تربوية مثالية نظرية (في الوحيين) ويُقَدِّم لهم نماذج تطبيقية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين من بعده، ويُعامل الناس بعد ذلك وقبله على قدر استطاعتهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [صحيح البخاري - (ج 22 / ص 255)]، ولذا يكون الجزاء يوم القيامة بالموازنة بين الحسنات والسيئات، لا بعددها فحسب!..
    وبناء على ذلك فواجب المربِّين أن يُذَكِّرُوا الناس بما يجب عليهم فعله، وأن لا يكلِّفوهم فوق طاقتهم.. فيُذكّروهم بذلك الجيل الفريد والمجتمع المثالي الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..)) [صحيح البخاري - (ج 9 / ص 133)] ويراعوا فيهم واقعَهم المُر وزمنهم الصعب الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ)) [سنن الترمذي - (ج 8 / ص 215)] وفي المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 92) ((فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّابِرُ فِيهِن مِثْلُ الْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا)) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: ((لا بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنْكُمْ)).
    إن المنهج التربوي الإسلامي يراعي في المسلم طبيعته البشرية التي خلقه الله عليها، فالإنسان له طبيعة طينية تجذبه للأرض وشهواتها، وطبيعة روحية تجذبه للسماء وعلوها، وهو مخلوق ضعيف تغلبه شهوته حينا وينتصر عليها حينا آخر، وهو مطالب بضبط دوافعه الفطرية لا بكبتها.. وعلى ضوء هذه المسلّمات نستطيع أن نتعامل مع المتربين برؤية واقعية تُقّدِّر ضعف الإنسان، وترفعُه عن الإخلاد إلى الأرض.
    مصطلحات مهمة:
    يعيش المجتمع في هذا العصر -الذي سيطرت فيه الثقافة الغربية- خللا في المصطلحات، وهذا الخلل سمة بارزة من سمات المنهج الغربي حتى قال روبنسون: يستطيع الناس أن يوجدوا ماركسيات بقدر عددهم! [الثقافة الإسلامية للزنيدي – محاضرات غير مطبوعة ص29] لذا كان لزاماً علينا أن نقف مع المصطلحات التي سنتطرق إليها في هذا الموضوع ونتفق على تعريف واضح لها دون الدخول في تفاصيل أكاديمية دقيقة لا تحقق الهدف، وسنغض الطرف عن أي خلاف يتعلّق بمفهوم مصطلح يخالف ما أردناه.
    التربية والمربّي: نعني بالتربية كلَّ جهد يهدُف إلى الرقي بالإنسان في مراتب الكمال، ولكلّ إنسانٍ كمالٌ يطلبه وينبغي أن يسعى إليه، والمربّي هو مَن يُعنى من الناس بتربية نفسه وتربية غيره.
    القِيَم: مصطلح (القيم) لم يكن شائعاً عند أسلافنا، ولا مستخدَماً، وأول من ذكره الفلاسفة اليونان، ثم انتقل للمسلمين وللغرب عن طريقهم.. وحيث إنَّ هذا المصطلح فرضَ نفسه في الساحة التربوية والاجتماعية لم يكن بدٌّ من مخاطبة الناس بما يعرفون، فاستخدمناه هنا بالمفهوم الذي نرتضيه وهو أن القِيَم تعني: المبادئ والمعايير التي تحكم حياة الإنسان، وعامة أفراد المجتمع، والقيم عند المسلمين مستمدة من منهجهم الإسلامي الرباني وهي بهذا ثابتة لا تتغير، أما القيم عند الغرب فهي تابعة لأهوائهم وأهدافهم، ولا تتسم بالثبات، فما رآه المجتمع قيمة فهو كذلك! لذا يعيش المجتمع الغربي الآن أزمة مزدوجة في القيم (معرفةً وتطبيقاً).
    ويمكننا أن نصنّف القيم بطرقٍ شتى لعل من أجملها تصنيفها حسب تأثيرها على مكونات شخصية الإنسان، فالقيم على أنواع:
    1- قيم الحق: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان الفكرية، وأهمها المعتقدات.
    2- قيم الخير: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان السلوكية، مثل الحلم والصدق.
    3- قيم الجمال: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان العاطفية، مثل الاستحسان، والجمال.
    القناعات: القناعة مبدأ أو رأي أو اتجاه أو ميل يؤثر في حياة الإنسان واستجابته للمؤثرات الخارجية، يأتي غالباً بعد مرور الإنسان بتجارب معينة أو تأملات فكرية مستمرة. والقناعة أقل درجة من القيمة من جهتين: من جهة ثباتها، ومن جهة الاتفاق عليها بين أفراد المجتمع، وكثير من القناعات هي ترجمة عملية للقيم. فإكرام الضيف –مثلاً- قيمة، وطريقة إكرامة قناعة تختلف من رجل لآخر، وكثير من القناعات تتكون تحت تأثير البيئة المحيطة بالإنسان بغض النظر عن جودتها من عدمه.

    </b></i>
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  5. #5
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (3)









    للكاتب / إبراهيم بن عبد العزيز الخميس

    كيف نغرس القيم؟


    سبق أن ذكرنا أن الباطن يحوي الأفكار والقناعات والقيم، وهذه الثلاث مرتبطة ببعضها، فالفكرة إذا ازدادت دلائلُ صدقها عند الإنسان صارت قناعةً، والقناعة إذا ترسخت لديه صارت بمنزلة القيمة، وفي المقابل فإن أفكار الإنسان تتحدد بناء على ما يحمله من قيم وقناعات.

    والمربي الصادق لن تعجزه الحيلة في تصحيح فكر المتربي، وتوجيه قناعاته، وبناء قيمه، وفيما يلي جملة من الوسائل التي تفتح أفقًا للمربي كي ينطلق في غرس القيم الفاضلة في نفس المتربي.

    سبل غرس القيم، وتغيير القناعات:
    1 - المحاضرة:


    وهو أسلوب مهم، وأساس في العمل التربوي، إلا أن المشكلة في اقتصار المربين عليه. وهذا الأسلوب ينجح مع الصغير أكثر من نجاحه مع الكبير، وفي الجملة فالأفضل ألا يتكرر أسلوب المحاضرة كثيرًا، وألا يطول إذا بدأ! وقدوتنا في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في صحيح البخاري -(ج 1 / ص 124)- عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ. [سنن الترمذي- (ج 12 / ص 92)].

    2 - القدوة "النجم":

    يحتاج المربي إلى صُنع قدوات للمتربي، وتراثنا الإسلامي مليء بالنجوم والقدوات، وواجبنا إبرازهم لأولادنا. وفي بيئة المتربي ثمة قدوات من العلماء والمصلحين والمربين والأصدقاء الصالحين ينبغي لنا أن نَلفِت انتباهَه إليهم. ووسائل الإعلام صنعت لأبنائنا نجومًا وقدوات رغمًا عنا (نجوم الفن والرياضة والإعلام) حتى إن أبناءنا صاروا يعرفون عن هؤلاء أكثر بكثير مما يعرفون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام ورعيل الأمة الأول.

    وهذا اقتراح يمكن أن ينفذه رجل أعمال مخلص لدينه: يتلخص الاقتراح في صناعة نجم للأطفال، ولنسمِّه مثلاً (هادي) ويمثل هذا البطل مجموعة من الأخلاقيات، ويمارس مجموعة من السلوكيات التي من شأنها غرس القيم، كمساعدة الناس، ومجاهدة الأعداء أهل الشر، ورحمة الخلق، وبر الوالدين، وله مجموعة من الصفات الحميدة (الإيمان بالله وبدينه الإسلام، ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والقوة، والحلم، والصبر، والحياء..) وترسم صورته كي يُقتدى بها، ويمكن الاستفادة هنا من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - الخلْقي (شاب جميل الهيئة، ربعة القد، عريض المنكبين، كث اللحية، مضيء الوجه..).

    ويكون له مسلسل كرتوني، ومجلة أطفال، ولعبة (بلاي ستيشن)، ولعبة كمبيوتر (يصاغ سيناريو حلقاتها بإشراف مجموعة من المتخصصين في علوم الشريعة والتربية والإعلام)، وتطبع صورته على الأدوات المدرسية (شنط، أقلام، دفاتر..)، وعلى المواد الغذائية (فيشار، بسكويت، عصير..)، وعلى الأدوات التي يستخدمها الأطفال في المنزل (فرشة أسنان، طاولة، لعب..) ويخرج في البرامج الدعائية للمنتجات الفاضلة (غذاء مفيد، مدينة ألعاب محافظة..). إن مثل هذه الشخصية يمكن أن تحفظ حقوقها وتكون (علامة تجارية مسجلة)، ويكوَّن لها فريق متكامل يحوي الخبراء الشرعيين، والتربويين، والاقتصاديين، والإعلاميين، والفنيين المتخصصين. ولا بد من الاستفادة من النظريات الحديثة في التفكير كي تخرج هذه الشخصية بشكل جذاب، ومسلسلات درامية وفكاهية إبداعية.

    3 - الحوار:

    وهو من أنجع الوسائل في غرس القيم، والحوار له فنه، فبعض الآباء يُلبس الموعظة ثوب الحوار! ومما يميز الحوار الهادئ ما يكون فيه من اندماج شعوري يفتح قلب المتربي، إضافة إلى أنه يساعد على نبش الأفكار المتناثرة وترتيبها بشكل مناسب لتوجيه قناعات المتربي نحو الأفضل.

    عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ((ادْنُهْ)) فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: ((أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ)) قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟))، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ)) قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ))، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. [مسند أحمد - (ج 45 / ص 180)].

    وهنا قِف عند الحوار العقلي الهادئ، فإن الشاب جاء وهو يعلم حرمة الزنا لذا لم يكن من المناسب تذكيره بالنصوص الدالة على حرمته، بل استخدم معه أسلوب المقايسة، وهو أسلوب عقلي تُقِرُّهُ الفطر السليمة. ثم لاحظ الأُلْفة التي كونها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيادنُه) وجلس قريبًا منه، وهذه الهيئة تشعر الشاب بالأمان، والحب الذي نلحظه في حديث الشاب (لا والله، جعلني الله فداءك) مما يشعرنا بارتخاء وعي مشاعر هذا الشاب ليسمح لكلمات النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تدخل إلى وجدانه. وفي ختام الحوار يضع يده عليه ويدعو له بهذا الدعاء الندي الجميل.. هذه الخاتمة ودَّعَتْ قلب الشاب بعدما أوْدَعتْ فيه بغض الزنا. لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها بحاجة إلى أن يسأله: أما زال يرغب في الزنا؟ أو هل اقتنع أو لم يقتنع؟.. فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء.

    4- التربية بالحدث:

    هذا النوع من الوسائل لا يتم من خلال التخطيط، وإنما بالاستفادة من المواقف والمثيرات المختلفة.. هذه المواقف تصدر أحيانًا من المتربي نفسه، وأحيانًا تحدث أمامه، فيستغل المربي هذا الموقف أو ذاك لغرس قيمة وتأكيد أخرى.

    إذا كان الموقف سلوكًا صادرًا من المتربي، فهو إما أن يكون إيجابيًا يحتاج إلى تعزيز، أو سلبيًا يحتاج إلى تقويم، فالأول يحتاج من المربي إلى ثناء معتدل لا يُخرِج المتربي إلى غرور، والآخر يحتاج إلى توجيه لطيف. ومثال الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: ((إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَم اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: ((بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا))، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ [سنن أبي داود - (ج 13 / ص 457)].

    وما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)) [سنن الترمذي- (ج 12 / ص 263)]، ومن أمثلته أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري: ((لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ؛ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ)) [(صحيح مسلم - (ج 4 / ص 208)].

    ومثال الآخر (الموقف السلبي من المتربي): ما رواه مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِن الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ؛ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ)).

    أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: ((فَلا تَأْتِهِمْ))، قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ: ((ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدَّنَّهُمْ))، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: ((فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ))، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: ((كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ))، قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ((ائْتِنِي بِهَا))، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: ((أَيْنَ اللَّهُ؟)) قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: ((مَنْ أَنَا؟))، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)) [صحيح مسلم - (ج 3 / ص 140)].

    فتأمل كيف راعاه النبي صلى الله عليه وسلم في الخطأ الأول وهو حديث عهد بإسلام، وكيف عظّم عليه الثاني بعد ذلك. مع ملاحظة الفرق بين الخطأين؛ فالأول لازم، والثاني متعد.. وقريب من هذا قصة أسامة عندما قتل الرجل الذي تشهد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟)) قَالَ: قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [صحيح البخاري - (ج 13 / ص 164)]. لاشك أن موقف المربي من خطأ المتربي يختلف بحسب مستواه التربوي، وبحسب الخطأ نفسه.

    الجدير بالذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس من عادته في علاج أخطاء الصحابة أن يصرخ في وجوههم أو يهاجم شخصياتهم كما يفعله بعض الآباء، بل كان إذا رأى منهم خطأ عرفوا ذلك في وجهه، كما روت عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟)) قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ))، وَقَالَ: ((إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ)) [صحيح البخاري - (ج 7 / ص 293)]، وفي الحديث دلالة واضحة أيضًا على أهمية التثبت من خطأ المتربي قبل اتخاذ أي خطوة: (ما بال هذه النمرقة؟).

    وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِن الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَحْسَنَ هَذَا)) [سنن النسائي - (ج 3 / ص 159)]. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ الْغَضَبِ، فَقَالَ: ((بِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ؟ تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ بِهَذَا هَلَكَت الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ))، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَخَلُّفِي عَنْهُ. [سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 93)].

    والحديث هنا عن أخطاء المتربين التي تحدث مرة أو مرتين، أما الأخطاء التي يتكرر فعل المتربي لها، فالأفضل في علاجها هو التركيز على الجانب الإيجابي الذي يزيلها؛ لأن التركيز عليها وتكرار تحذير المتربي منها يسبب نفورًا بين المربي والمتربي، فعندما يكذب الابنُ على والده ينبهه الوالد على هذا الخطأ، لكن إن لاحظ الوالد تكرار هذا الخطأ فيعلم حينها أن سبب تكرار هذا السلوك السيء غياب قيمة (الصدق) ، وعليه أن يبحث في وسائل متنوعة لغرس هذه القيمة في ابنه.

    أحيانًا يحدث موقف أمام المتربي، فيستغله المربي للتأكيد على قيمه، وأمثلة هذا من السيرة النبوية كثيرة جدًا؛ منها: ما صح عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: قُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِن السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟))، قُلْنَا: لا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)) [صحيح مسلم - (ج 13 / ص 314)].

    وأحيانًا يقص المتربي على المربي قصة عايشها، فيعلق المربي على القصة بما يحقق بناء القيمة كما ورد عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: ((أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟))، قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ! إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا! قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ)) [سنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 14)]، وفي هذا من الفوائد أن على المربي أن يفتح المجال للمتربي كي يحدثه عما مر به من تجارب وقصص خلال غيابه عنه، ويعلق عليها بما يحقق المصلحة.

    5- التعريض:

    وهو ضد التصريح، ويكون بالتلميح والإشارة، ومثاله: ما رواه سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلامًا شَابًّا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَي الْبِئْرِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ))، قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لا يَنَامُ مِن اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلا [صحيح البخاري - (ج 12 / ص 79)]، وفيه دليل على أن المربي يثني على المتربي مع ذِكْرِ أَمْرٍ يَتِمُّ بِهِ كَمَالُه.

    6- القصة:

    وهي أسلوب شائق لبناء القيم، وتمتاز بإرخائها لوعي المتربي، فيحقق المربي هدفه دون شعور المتربي، ولذا جاء القصص القرآني كثيرًا من أجل بناء القيم، ففي سورة يوسف نجد دروس العفة والصبر على الابتلاء والعفو والشكر.. وفي سورة الكهف: الصبر على الدِّين الحق ولأجله ومع أهله، وفي طلب العلم، وفيها شكر النعمة.. وهكذا.. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقص على صحابته القصص، ومن ذلك قصة جريج الراهب (صحيح البخاري2350) وهي مليئة بالدروس: بر الوالدين، والثقة بالله، والعفة، وغيرها..

    ولك أن تتأمل في المعاني التي يخرج بها من يسمع قصة آخر أهل النار دخولاً الجنة التي رواها أبو هريرة في حديث طويل جاء فيه: ((وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَن النَّارِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ أَبَدًا؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَيَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَرَأَى مَا فِيهَا مِنْ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ لا أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ قَالَ لَهُ: ادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ)) [(صحيح البخاري - (ج 22 / ص 447)].

    وقريب من هذه القصة ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِن الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِن الْأُولَى فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا؟ فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنْ الْأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا: قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ هَذِهِ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ)) [صحيح مسلم - (ج 1 / ص 434)].

    7- ضرب المثل:

    يستخدم المربي ضرب المثل لغرس القيم، ومن أمثلة ذلك في هوان الدنيا وسرعة انقضائها، وأنها ممر: ما رواه ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَو اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: ((مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)) [مسند أحمد - (ج 6 / ص 140)]. وفي أهمية الاحتساب في نجاة الأمة مَثَل السفينة الذي رواه النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)) [صحيح البخاري - (ج 8 / ص 399)].

    8- التعليم التمثيلي:

    ويكون من خلال المواقف العملية التي يتلوها أحيانًا تعليق من المتربي، وقد تدخل المسرحيات الهادفة في هذا الباب، ومن أمثلته في بيان هوان الدنيا ما رواه جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: ((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟))، فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟! قَالَ: ((أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟))، قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: ((فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ)) [صحيح مسلم - (ج 14 / ص 206)]، ومن أمثلته حديث جبريل الطويل في تعليم أصول الدين (الإسلام والإيمان والإحسان) [صحيح مسلم 8].

    9 - سحر الألفة:

    وهو مهارة مجربة يمكن أن يستفيد منها المربي، وقد سبق تفصيلها.

    10 - الاحتواء العاطفي:

    ويقصد به أن يوجد تبادل شعوري قوي بين المربي والمتربي، وهذا ما كان يحدث للصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رأوه فتحوا له قلوبهم وأصغوا إليه أسماعهم.

    الكثير من الآباء يخلط بين تدليل الابن وبين محبته، فتجده يعطي لابنه ما يطلبه لا ما يحتاج إليه! إن الأولاد يحتاجون إلى العطف والمحبة أكثر من أي شيء آخر، ومع أن العواطف رخيصة التكلفة ماديًا إلا أنها صعبة المنال واقعيًا، ذلك لأنها تستحيل على التكلف، والعواطف المصطنعة مفضوحة عند الناس، لذا اشتهر عند العرب المثل السائر (ليست النائحة الثكلى مثل المستأجرة).

    لقد تميز صلى الله عليه وسلم بالرأفة واللين؛ قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه، ولا تشغله هموم الأمة عن مشاعر أصحابه مهما صغر سنهم! أو قل شأنهم، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: ((يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟)) نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ. [صحيح البخاري - (ج 19 / ص 194)] وفي سنن أبي داود [ج 13 / ص 142] قال: وَلِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ، وَكَانَ لَهُ نُغَرٌ يَلْعَبُ بِهِ فَمَاتَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ: ((مَا شَأْنُهُ؟)) قَالُوا: مَاتَ نُغَرُهُ، فَقَالَ: ((يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ)). والنغر: طائر. فتأمل في انتباه النبي صلى الله عليه وسلم لمشاعر هذا الصبي وملاطفته بالتكنية، ومحادثته له فيما أهمَّهُ.

    وها هي ذي أم المؤمنين تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله إذا مرض أحدهم، فتقول في ذكر قصة الإفك: وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللطفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: ((كَيْفَ تِيكُمْ؟)) ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي. [صحيح البخاري - (ج 14 / ص 402)]، فمجرد السؤال عن الحال لم يكن عادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو اللطف والاهتمام أيضًا.

    وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((مَا يُعْجِلُكَ؟)) قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ، قَالَ: ((أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟)) قُلْتُ: ثَيِّبًا، قَالَ: ((فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟)) قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ: ((أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلا -أَيْ عِشَاءً- لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ)) [صحيح البخاري - (ج 16 / ص 16)]. وفيه من الفوائد: فطنة المربي لسلوك المتربي، وسؤاله عن حاله، وتقديم النصح المناسب له.

    11 - التكرار غير الممل:

    وسبق أن ذكرت أثر التكرار على باطن الإنسان، فالإكثار من ذكر الله يورث خشية الله ومحبته ولزوم الطاعة والقوة في مجابهة الشيطان والشر، والإسبال يورث الكبر والخيلاء، والتشبه بالكفار ظاهرًا يورث موافقتهم في الباطن.. وضربت لهذا مثلين في الواقع هما: الإعلانات التجارية، والدعايات الانتخابية.. فكيف يستطيع المربي أن يستفيد من هذه القضية في غرس القيم؟

    - كتابة العبارات التوجيهية: في أماكن محببة للمتربي، كي يتكون لديه رابط إيجابي معها، وصياغة العبارة صياغة إيجابية، ويفضل أن تكون بصيغة المتكلم (مثلا: أنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، أنا أحب الحليب..) . هذا الإجراء من شأنه أن يغرس فيهم تلك القيمة دون أن يشعروا بذلك.

    - تأكيد بعض القيم باستمرار، واستغلال المناسبات والمواقف المختلفة لتأكيدها، واتخاذ أساليب منوعة لذلك حتى لا يمل المتربي من التكرار.

    12 - الدعاء:

    إن ما ذكرناه من أساليب عملية لا يغني عن تعلق الوالدين بالله والتضرع إليه بأن يصلح لهما الذرية، وهذا من صفات عباد الله الصالحين؛ فإبراهيم عليه السلام يقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40]، وزكريا يدعو ربه {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38، 39] ومريم بنت عمران دعوة أمها الصالحة {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 35-37]، وهذا هو دأب الصالحين {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].

    {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].

    ....................................زز
    عن موقع الألوكة

    ولا زال للحديث صلة حول ضوابط غرس القيم
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  6. #6
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (3)









    للكاتب / إبراهيم بن عبد العزيز الخميس


    كيف نغرس القيم؟

    سبق أن ذكرنا أن الباطن يحوي الأفكار والقناعات والقيم، وهذه الثلاث مرتبطة ببعضها، فالفكرة إذا ازدادت دلائلُ صدقها عند الإنسان صارت قناعةً، والقناعة إذا ترسخت لديه صارت بمنزلة القيمة، وفي المقابل فإن أفكار الإنسان تتحدد بناء على ما يحمله من قيم وقناعات.

    والمربي الصادق لن تعجزه الحيلة في تصحيح فكر المتربي، وتوجيه قناعاته، وبناء قيمه، وفيما يلي جملة من الوسائل التي تفتح أفقًا للمربي كي ينطلق في غرس القيم الفاضلة في نفس المتربي.

    سبل غرس القيم، وتغيير القناعات:
    1 - المحاضرة:

    وهو أسلوب مهم، وأساس في العمل التربوي، إلا أن المشكلة في اقتصار المربين عليه. وهذا الأسلوب ينجح مع الصغير أكثر من نجاحه مع الكبير، وفي الجملة فالأفضل ألا يتكرر أسلوب المحاضرة كثيرًا، وألا يطول إذا بدأ! وقدوتنا في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في صحيح البخاري -(ج 1 / ص 124)- عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ. [سنن الترمذي- (ج 12 / ص 92)].

    2 - القدوة "النجم":

    يحتاج المربي إلى صُنع قدوات للمتربي، وتراثنا الإسلامي مليء بالنجوم والقدوات، وواجبنا إبرازهم لأولادنا. وفي بيئة المتربي ثمة قدوات من العلماء والمصلحين والمربين والأصدقاء الصالحين ينبغي لنا أن نَلفِت انتباهَه إليهم. ووسائل الإعلام صنعت لأبنائنا نجومًا وقدوات رغمًا عنا (نجوم الفن والرياضة والإعلام) حتى إن أبناءنا صاروا يعرفون عن هؤلاء أكثر بكثير مما يعرفون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام ورعيل الأمة الأول.

    وهذا اقتراح يمكن أن ينفذه رجل أعمال مخلص لدينه: يتلخص الاقتراح في صناعة نجم للأطفال، ولنسمِّه مثلاً (هادي) ويمثل هذا البطل مجموعة من الأخلاقيات، ويمارس مجموعة من السلوكيات التي من شأنها غرس القيم، كمساعدة الناس، ومجاهدة الأعداء أهل الشر، ورحمة الخلق، وبر الوالدين، وله مجموعة من الصفات الحميدة (الإيمان بالله وبدينه الإسلام، ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والقوة، والحلم، والصبر، والحياء..) وترسم صورته كي يُقتدى بها، ويمكن الاستفادة هنا من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - الخلْقي (شاب جميل الهيئة، ربعة القد، عريض المنكبين، كث اللحية، مضيء الوجه..).

    ويكون له مسلسل كرتوني، ومجلة أطفال، ولعبة (بلاي ستيشن)، ولعبة كمبيوتر (يصاغ سيناريو حلقاتها بإشراف مجموعة من المتخصصين في علوم الشريعة والتربية والإعلام)، وتطبع صورته على الأدوات المدرسية (شنط، أقلام، دفاتر..)، وعلى المواد الغذائية (فيشار، بسكويت، عصير..)، وعلى الأدوات التي يستخدمها الأطفال في المنزل (فرشة أسنان، طاولة، لعب..) ويخرج في البرامج الدعائية للمنتجات الفاضلة (غذاء مفيد، مدينة ألعاب محافظة..). إن مثل هذه الشخصية يمكن أن تحفظ حقوقها وتكون (علامة تجارية مسجلة)، ويكوَّن لها فريق متكامل يحوي الخبراء الشرعيين، والتربويين، والاقتصاديين، والإعلاميين، والفنيين المتخصصين. ولا بد من الاستفادة من النظريات الحديثة في التفكير كي تخرج هذه الشخصية بشكل جذاب، ومسلسلات درامية وفكاهية إبداعية.

    3 - الحوار:

    وهو من أنجع الوسائل في غرس القيم، والحوار له فنه، فبعض الآباء يُلبس الموعظة ثوب الحوار! ومما يميز الحوار الهادئ ما يكون فيه من اندماج شعوري يفتح قلب المتربي، إضافة إلى أنه يساعد على نبش الأفكار المتناثرة وترتيبها بشكل مناسب لتوجيه قناعات المتربي نحو الأفضل.

    عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ((ادْنُهْ)) فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: ((أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ)) قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ))، قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟))، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: ((وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ)) قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ))، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. [مسند أحمد - (ج 45 / ص 180)].

    وهنا قِف عند الحوار العقلي الهادئ، فإن الشاب جاء وهو يعلم حرمة الزنا لذا لم يكن من المناسب تذكيره بالنصوص الدالة على حرمته، بل استخدم معه أسلوب المقايسة، وهو أسلوب عقلي تُقِرُّهُ الفطر السليمة. ثم لاحظ الأُلْفة التي كونها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيادنُه) وجلس قريبًا منه، وهذه الهيئة تشعر الشاب بالأمان، والحب الذي نلحظه في حديث الشاب (لا والله، جعلني الله فداءك) مما يشعرنا بارتخاء وعي مشاعر هذا الشاب ليسمح لكلمات النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تدخل إلى وجدانه. وفي ختام الحوار يضع يده عليه ويدعو له بهذا الدعاء الندي الجميل.. هذه الخاتمة ودَّعَتْ قلب الشاب بعدما أوْدَعتْ فيه بغض الزنا. لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها بحاجة إلى أن يسأله: أما زال يرغب في الزنا؟ أو هل اقتنع أو لم يقتنع؟.. فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء.

    4- التربية بالحدث:

    هذا النوع من الوسائل لا يتم من خلال التخطيط، وإنما بالاستفادة من المواقف والمثيرات المختلفة.. هذه المواقف تصدر أحيانًا من المتربي نفسه، وأحيانًا تحدث أمامه، فيستغل المربي هذا الموقف أو ذاك لغرس قيمة وتأكيد أخرى.

    إذا كان الموقف سلوكًا صادرًا من المتربي، فهو إما أن يكون إيجابيًا يحتاج إلى تعزيز، أو سلبيًا يحتاج إلى تقويم، فالأول يحتاج من المربي إلى ثناء معتدل لا يُخرِج المتربي إلى غرور، والآخر يحتاج إلى توجيه لطيف. ومثال الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: ((إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَم اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: ((بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا))، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ [سنن أبي داود - (ج 13 / ص 457)].

    وما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)) [سنن الترمذي- (ج 12 / ص 263)]، ومن أمثلته أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري: ((لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ؛ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ)) [(صحيح مسلم - (ج 4 / ص 208)].

    ومثال الآخر (الموقف السلبي من المتربي): ما رواه مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِن الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ؛ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ)).

    أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: ((فَلا تَأْتِهِمْ))، قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ: ((ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدَّنَّهُمْ))، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: ((فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ))، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: ((كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ))، قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ((ائْتِنِي بِهَا))، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: ((أَيْنَ اللَّهُ؟)) قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: ((مَنْ أَنَا؟))، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)) [صحيح مسلم - (ج 3 / ص 140)].

    فتأمل كيف راعاه النبي صلى الله عليه وسلم في الخطأ الأول وهو حديث عهد بإسلام، وكيف عظّم عليه الثاني بعد ذلك. مع ملاحظة الفرق بين الخطأين؛ فالأول لازم، والثاني متعد.. وقريب من هذا قصة أسامة عندما قتل الرجل الذي تشهد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟)) قَالَ: قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [صحيح البخاري - (ج 13 / ص 164)]. لاشك أن موقف المربي من خطأ المتربي يختلف بحسب مستواه التربوي، وبحسب الخطأ نفسه.

    الجدير بالذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس من عادته في علاج أخطاء الصحابة أن يصرخ في وجوههم أو يهاجم شخصياتهم كما يفعله بعض الآباء، بل كان إذا رأى منهم خطأ عرفوا ذلك في وجهه، كما روت عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟)) قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ))، وَقَالَ: ((إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ)) [صحيح البخاري - (ج 7 / ص 293)]، وفي الحديث دلالة واضحة أيضًا على أهمية التثبت من خطأ المتربي قبل اتخاذ أي خطوة: (ما بال هذه النمرقة؟).

    وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِن الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَحْسَنَ هَذَا)) [سنن النسائي - (ج 3 / ص 159)]. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ الْغَضَبِ، فَقَالَ: ((بِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ؟ تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ بِهَذَا هَلَكَت الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ))، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَخَلُّفِي عَنْهُ. [سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 93)].

    والحديث هنا عن أخطاء المتربين التي تحدث مرة أو مرتين، أما الأخطاء التي يتكرر فعل المتربي لها، فالأفضل في علاجها هو التركيز على الجانب الإيجابي الذي يزيلها؛ لأن التركيز عليها وتكرار تحذير المتربي منها يسبب نفورًا بين المربي والمتربي، فعندما يكذب الابنُ على والده ينبهه الوالد على هذا الخطأ، لكن إن لاحظ الوالد تكرار هذا الخطأ فيعلم حينها أن سبب تكرار هذا السلوك السيء غياب قيمة (الصدق) ، وعليه أن يبحث في وسائل متنوعة لغرس هذه القيمة في ابنه.

    أحيانًا يحدث موقف أمام المتربي، فيستغله المربي للتأكيد على قيمه، وأمثلة هذا من السيرة النبوية كثيرة جدًا؛ منها: ما صح عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: قُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِن السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟))، قُلْنَا: لا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)) [صحيح مسلم - (ج 13 / ص 314)].

    وأحيانًا يقص المتربي على المربي قصة عايشها، فيعلق المربي على القصة بما يحقق بناء القيمة كما ورد عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: ((أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟))، قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ! إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا! قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ)) [سنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 14)]، وفي هذا من الفوائد أن على المربي أن يفتح المجال للمتربي كي يحدثه عما مر به من تجارب وقصص خلال غيابه عنه، ويعلق عليها بما يحقق المصلحة.

    5- التعريض:

    وهو ضد التصريح، ويكون بالتلميح والإشارة، ومثاله: ما رواه سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلامًا شَابًّا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَي الْبِئْرِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ))، قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لا يَنَامُ مِن اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلا [صحيح البخاري - (ج 12 / ص 79)]، وفيه دليل على أن المربي يثني على المتربي مع ذِكْرِ أَمْرٍ يَتِمُّ بِهِ كَمَالُه.

    6- القصة:

    وهي أسلوب شائق لبناء القيم، وتمتاز بإرخائها لوعي المتربي، فيحقق المربي هدفه دون شعور المتربي، ولذا جاء القصص القرآني كثيرًا من أجل بناء القيم، ففي سورة يوسف نجد دروس العفة والصبر على الابتلاء والعفو والشكر.. وفي سورة الكهف: الصبر على الدِّين الحق ولأجله ومع أهله، وفي طلب العلم، وفيها شكر النعمة.. وهكذا.. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقص على صحابته القصص، ومن ذلك قصة جريج الراهب (صحيح البخاري2350) وهي مليئة بالدروس: بر الوالدين، والثقة بالله، والعفة، وغيرها..

    ولك أن تتأمل في المعاني التي يخرج بها من يسمع قصة آخر أهل النار دخولاً الجنة التي رواها أبو هريرة في حديث طويل جاء فيه: ((وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَن النَّارِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ أَبَدًا؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَيَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَرَأَى مَا فِيهَا مِنْ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ لا أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ قَالَ لَهُ: ادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ)) [(صحيح البخاري - (ج 22 / ص 447)].

    وقريب من هذه القصة ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِن الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِن الْأُولَى فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا؟ فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنْ الْأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا: قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ هَذِهِ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ)) [صحيح مسلم - (ج 1 / ص 434)].

    7- ضرب المثل:

    يستخدم المربي ضرب المثل لغرس القيم، ومن أمثلة ذلك في هوان الدنيا وسرعة انقضائها، وأنها ممر: ما رواه ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَو اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: ((مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)) [مسند أحمد - (ج 6 / ص 140)]. وفي أهمية الاحتساب في نجاة الأمة مَثَل السفينة الذي رواه النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)) [صحيح البخاري - (ج 8 / ص 399)].

    8- التعليم التمثيلي:

    ويكون من خلال المواقف العملية التي يتلوها أحيانًا تعليق من المتربي، وقد تدخل المسرحيات الهادفة في هذا الباب، ومن أمثلته في بيان هوان الدنيا ما رواه جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: ((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟))، فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟! قَالَ: ((أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟))، قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: ((فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ)) [صحيح مسلم - (ج 14 / ص 206)]، ومن أمثلته حديث جبريل الطويل في تعليم أصول الدين (الإسلام والإيمان والإحسان) [صحيح مسلم 8].

    9 - سحر الألفة:

    وهو مهارة مجربة يمكن أن يستفيد منها المربي، وقد سبق تفصيلها.

    10 - الاحتواء العاطفي:

    ويقصد به أن يوجد تبادل شعوري قوي بين المربي والمتربي، وهذا ما كان يحدث للصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رأوه فتحوا له قلوبهم وأصغوا إليه أسماعهم.

    الكثير من الآباء يخلط بين تدليل الابن وبين محبته، فتجده يعطي لابنه ما يطلبه لا ما يحتاج إليه! إن الأولاد يحتاجون إلى العطف والمحبة أكثر من أي شيء آخر، ومع أن العواطف رخيصة التكلفة ماديًا إلا أنها صعبة المنال واقعيًا، ذلك لأنها تستحيل على التكلف، والعواطف المصطنعة مفضوحة عند الناس، لذا اشتهر عند العرب المثل السائر (ليست النائحة الثكلى مثل المستأجرة).

    لقد تميز صلى الله عليه وسلم بالرأفة واللين؛ قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه، ولا تشغله هموم الأمة عن مشاعر أصحابه مهما صغر سنهم! أو قل شأنهم، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: ((يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟)) نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ. [صحيح البخاري - (ج 19 / ص 194)] وفي سنن أبي داود [ج 13 / ص 142] قال: وَلِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ، وَكَانَ لَهُ نُغَرٌ يَلْعَبُ بِهِ فَمَاتَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ: ((مَا شَأْنُهُ؟)) قَالُوا: مَاتَ نُغَرُهُ، فَقَالَ: ((يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ)). والنغر: طائر. فتأمل في انتباه النبي صلى الله عليه وسلم لمشاعر هذا الصبي وملاطفته بالتكنية، ومحادثته له فيما أهمَّهُ.

    وها هي ذي أم المؤمنين تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله إذا مرض أحدهم، فتقول في ذكر قصة الإفك: وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللطفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: ((كَيْفَ تِيكُمْ؟)) ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي. [صحيح البخاري - (ج 14 / ص 402)]، فمجرد السؤال عن الحال لم يكن عادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو اللطف والاهتمام أيضًا.

    وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((مَا يُعْجِلُكَ؟)) قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ، قَالَ: ((أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟)) قُلْتُ: ثَيِّبًا، قَالَ: ((فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟)) قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ: ((أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلا -أَيْ عِشَاءً- لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ)) [صحيح البخاري - (ج 16 / ص 16)]. وفيه من الفوائد: فطنة المربي لسلوك المتربي، وسؤاله عن حاله، وتقديم النصح المناسب له.

    11 - التكرار غير الممل:

    وسبق أن ذكرت أثر التكرار على باطن الإنسان، فالإكثار من ذكر الله يورث خشية الله ومحبته ولزوم الطاعة والقوة في مجابهة الشيطان والشر، والإسبال يورث الكبر والخيلاء، والتشبه بالكفار ظاهرًا يورث موافقتهم في الباطن.. وضربت لهذا مثلين في الواقع هما: الإعلانات التجارية، والدعايات الانتخابية.. فكيف يستطيع المربي أن يستفيد من هذه القضية في غرس القيم؟

    - كتابة العبارات التوجيهية: في أماكن محببة للمتربي، كي يتكون لديه رابط إيجابي معها، وصياغة العبارة صياغة إيجابية، ويفضل أن تكون بصيغة المتكلم (مثلا: أنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، أنا أحب الحليب..) . هذا الإجراء من شأنه أن يغرس فيهم تلك القيمة دون أن يشعروا بذلك.

    - تأكيد بعض القيم باستمرار، واستغلال المناسبات والمواقف المختلفة لتأكيدها، واتخاذ أساليب منوعة لذلك حتى لا يمل المتربي من التكرار.

    12 - الدعاء:

    إن ما ذكرناه من أساليب عملية لا يغني عن تعلق الوالدين بالله والتضرع إليه بأن يصلح لهما الذرية، وهذا من صفات عباد الله الصالحين؛ فإبراهيم عليه السلام يقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40]، وزكريا يدعو ربه {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38، 39] ومريم بنت عمران دعوة أمها الصالحة {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 35-37]، وهذا هو دأب الصالحين {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].

    {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].

    ....................................زز
    عن موقع الألوكة

    ولا زال للحديث صلة حول ضوابط غرس القيم
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  7. #7
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)



    كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (18)

    إبراهيم بن عبدالعزيز الخميس
    مقالات متعلقة



    في هذا المقال نختتم ضوابط بناء القيم في المتربي.. وبه نختتم حديثنا عن بناء القيم..

    5- أثر المربي: التفطن للقيم الغائبة:


    إن كون الحياة مدرسة للقيم، كما ذكرت آنفًا، لا يعني أن القيم ستبنى بناءً متقنًا لدى الناشئ، وهنا يأتي أثر المربي الفطن الذي يشخص الخلل ويصرف الدواء، لا لعلاج الظاهر فحسب، بل لعلاج الظاهر والباطن. وقد مر معنا في الأمثلة السابقة كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم تفطن لبقاء شيء من قيم الجاهلية، فنبه عليه (دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ)، (يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ).. وهكذا في قصة أسامة عندما قتل الرجل الذي نطق بالشهادة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟!)) قَالَ أسامة: قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [صحيح البخاري-(ج13/ص164)].

    إن بناء القيم أشبه بغرس النخلة التي يلزم العناية بها عناية دائمة، ولو أهملها صاحبها فلم يسقها ويقلب أرضها ويُزِلْ عنها الأشواك والنباتات القريبة، لو لم يفعل ذلك دائمًا وباستمرار فإنه لن يرى ثمرها الحلو الطيب الذي ينتظره.


    6- مراعاة المرحلة العمرية، وجنس المتربي:


    لا بد أن يراعي المربي مرحلة المتربي العمرية عند اختيار الوسيلة المناسبة معه، فأسلوب المحاضرة مثلا قد يناسب الطفل أكثر من مناسبته للمراهق، وكذا على المربي أن يراعي المرحلة العمرية في طريقة استخدام الوسيلة الواحدة، فالحوار مع الطفل مثلا لن يكون كالحوار مع المراهق، وأسلوب القصة يتغير مع اختلاف سن المتربي، كما أن تربية الأبناء تختلف عن تربية البنات، ولعل الله أن ييسر لي التفصيل في هذا الموضوع مستقبلا.

    7- التنويع في وسائل غرس القيم:


    يحتاج المربي لغرس قيمة ما إلى استخدام عدة وسائل، في أوقات متتالية ومتباعدة، وعليه أن يبذل مجهودًا كبيرًا في تربية أولاده، خاصة في مثل هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وأصبح القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر.

    8- التوفيق الرباني قبل كل شيء:


    مهما بذل المربي من وسائل وجهود، فينبغي له أن لا يتكل عليها؛ لأن التوفيق الرباني أساس الهداية {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] وقد بذل نوح عليه السلام جهدًا عظيمًا متواصلا؛ ليس في دعوة ابنه فحسب، بل في دعوة قومه كلهم، {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح:5-9]، ومع كل هذه الجهود لم يكتب الله الهداية لابنه، فعلى المربي - مع بذل الأسباب - أن يتكل على الله ويلجأ إليه دائمًا وأبدًا، أن يصلح ذريته، وأن يهديهم إلى سواء السبيل.

    ومن طريف ما يحكى هنا ما رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل [ج1 / ص242]... قال: كان يحيى بن مالك بن أنس يدخل ويخرج ولا يجلس معنا عند أبيه، فكان إذا نظر إليه أبوه يقول: هاه! إن مما يطيب نفسي أن هذا العلم لا يورث، وأن أحدًا لم يخلف أباه في مجلسه إلا عبد الرحمن بن القاسم.. ونزل ابنه من فوق ومعه حمام قد غطاه فقال الإمام مالك: الأدب أدب الله، لا أدب الآباء والأمهات، والخير خير الله لا خير الآباء والأمهات.

    ختامًا:
    أملي أن أكون قدمت في هذه الحلقات ما يثري الساحة التربوية، وما ينفع المربين، {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب/4].
    {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38].
    {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].
    {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 40، 41].
    {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  8. #8
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    لمقالات كاملة
    http://www.alukah.net/Social/0/6569/
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  9. #9
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    أغرس في أولادي القيم الإسلامية (1)
    إبراهيم بن عبدالعزيز الخميس
    مقالات متعلقة

    تاريخ الإضافة: 15/5/2008 ميلادي - 9/5/1429 هجري زيارة: 4786



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي





    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    بين يدي الموضوع


    هذه المادة في الأصل جزء من حقيبة تدريبية بعنوان (المربي وبناء القيم)، وقد استغرق جمعُها وإعدادها –بفضل الله– سنوات، واستفدت في محتواها من مضمون التغذية الراجعة في برامج تدريبية كثيرة، إذ نُفِّذَ هذا البرنامج في أماكن مختلفة ولفئات متنوعة، وبأساليب عديدة، وكنت أجني بعد كل برنامج فوائدَ جميلة ودررًا مضيئة من متدربين أو متدربات، فينعكس ذلك على مستوى هذه المادة التي جاءت نتاج تلاقح الأفكار، وجلسات الحوار، وورش العمل، مع الاهتمام الشديد بتأصيل ما يُكتَب تأصيلاً شرعياً.

    وكنت قد قسمتها إلى قسمين:
    الأول: نظرية (المربي وبناء القيم) واحتوى هذا الفصل على التأصيل للموضوع والتمهيد للفصل الآخر، فكان الحديث فيه عن مكونات شخصية الإنسان والتداخل بين مكوناتها، والتأثير المتبادل بين ظاهر الإنسان وباطنه، مستفيداً من أطروحة (الجبل الجليدي)، وتعريف التربية على ضوء ذلك، ثم الحديث عن الواعي وغير الواعي وأثر ذلك في التربية سلباً أو إيجاباً. وقد ختمت الفصل ببعض الضوابط في استخدام السلطة مع المتربي وبعض التنبيهات المهمة.

    الثاني: التطبيق العملي لما سبق تنظيره؛ بحثت فيه أهم القيم الغائبة في مجتمعاتنا، ثم تحدثت عن الوسائل العملية لغرس هذه القيم إجمالا، وختمته بذكر ضوابط في غرس القيم.

    ولما شرّفني إخواني في موقع (الألوكة) الإلكتروني بالانضمام إلى مجتمعهم المميز، رأيت أن أعيد صياغة هذه الأوراق لتناسب النشر في الموقع، علّ من يطلع عليها من إخواني وأخواتي يزودني بملاحظاته ونقده هنا، أو على بريدي الإلكتروني iazskh@gmail.com، فالموضوع يحتاج إلى مزيد تأمل ومراجعة، والله من وراء القصد.



    مقدمة.. لا بد منها


    أزمتنا.. أزمة تربوية:
    جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب، وقد كانوا يعيشون ظلاماً دامساً، وجهلاً مطبقاً، وتخلفاً شاملاً كل ميادين الحياة، فلم تكن الأمم تأبه بهم، ولم يكن لهم شوكة يأوون إليها، وصَفَهم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لـ(يزدجرد) فقال: فما كان أسوأ حالا منا، وأمّا جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم. ديننا أن يقتل بعضنا بعضا، وأن يبغي بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه [البداية والنهاية - (ج 7 / ص 49)].
    هكذا كان حالهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

    وبعد أن نهل العرب من معين النبوة، وتربّوا على منهاجها تغيّرَ حالهم، وانقلبت الموازين، فالأميَّة تحولت إلى مدرسة أضاءت مشارق الأرض ومغاربها في شتى العلوم، والهمجيّة اختفت في سِيَر النبل والكرم والأخلاق السامقة، وانقلب فقرهم غنى، وخوفهم أمناً، وذُلّهم عزاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وأضحى العربُ سادةَ الأمم دهراً من الزمن.. حتى إذا اندرس العلم، وضعف أمر الدين في نفوس الناس، غلب على المسلمين الوَهن فكانوا غثاءً كغثاء السيل..
    عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُم الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا)) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ((أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ؛ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ)) قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: ((حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)) [مسند أحمد - (ج 45 / ص 378)].

    إن (الغثائية) التي تعيشها الأمة الآن هي تعبير عن أزمةٍ تربويةٍ لمسلمين لم يمتثلوا الإسلام في واقع حياتهم، فأذلّهم الله بعد عزّة، وأبدلَ قوّتهم ضعفاً، وتقدُّمهم تخلُّفاً.. ولن يصلُح حال آخر الأمة إلا بما صلح به أوّلها. ومن هنا نَعلم أن سبيل الخلاص من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والصحية.. التي تعيشها الأمة لا يكون إلا بتربيتها على المنهج الرباني، وعودتها للمعين الصافي، تَعلُّماً وتطبيقاً.. وليس كما تزعم النخبة العصرانية التي قادت الأمة عقوداً من الزمن زاعمةً أنّ في اللهث وراء الغرب واتِّباع آثارهم عزاً وتمكينا، فماذا جنت الأمة من هذا السعي إلا فساداً بعد ضياع، وخوراً بعد ضعف؟. وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَيَحْمِلَنَّ شِرَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى سَنَنِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ)) [مسند أحمد - (ج 34 / ص 499)].

    ملامح المنهج التربوي الإسلامي:
    تتنوع المناهج التربوية الأرضية بين الإفراط في المثالية، والإغراق في المادية. والمنهج التربوي الإسلامي وسط بين هذا وذاك، فالإسلام يرسم للمسلمين صورةً تربوية مثالية نظرية (في الوحيين) ويُقَدِّم لهم نماذج تطبيقية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين من بعده، ويُعامل الناس بعد ذلك وقبله على قدر استطاعتهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [صحيح البخاري - (ج 22 / ص 255)]، ولذا يكون الجزاء يوم القيامة بالموازنة بين الحسنات والسيئات، لا بعددها فحسب!..

    وبناء على ذلك فواجب المربِّين أن يُذَكِّرُوا الناس بما يجب عليهم فعله، وأن لا يكلِّفوهم فوق طاقتهم.. فيُذكّروهم بذلك الجيل الفريد والمجتمع المثالي الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..)) [صحيح البخاري - (ج 9 / ص 133)] ويراعوا فيهم واقعَهم المُر وزمنهم الصعب الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ)) [سنن الترمذي - (ج 8 / ص 215)] وفي المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 92) ((فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّابِرُ فِيهِن مِثْلُ الْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا)) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: ((لا بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنْكُمْ)).

    إن المنهج التربوي الإسلامي يراعي في المسلم طبيعته البشرية التي خلقه الله عليها، فالإنسان له طبيعة طينية تجذبه للأرض وشهواتها، وطبيعة روحية تجذبه للسماء وعلوها، وهو مخلوق ضعيف تغلبه شهوته حينا وينتصر عليها حينا آخر، وهو مطالب بضبط دوافعه الفطرية لا بكبتها.. وعلى ضوء هذه المسلّمات نستطيع أن نتعامل مع المتربين برؤية واقعية تُقّدِّر ضعف الإنسان، وترفعُه عن الإخلاد إلى الأرض.

    مصطلحات مهمة:
    يعيش المجتمع في هذا العصر -الذي سيطرت فيه الثقافة الغربية- خللا في المصطلحات، وهذا الخلل سمة بارزة من سمات المنهج الغربي حتى قال روبنسون: يستطيع الناس أن يوجدوا ماركسيات بقدر عددهم! [الثقافة الإسلامية للزنيدي – محاضرات غير مطبوعة ص29] لذا كان لزاماً علينا أن نقف مع المصطلحات التي سنتطرق إليها في هذا الموضوع ونتفق على تعريف واضح لها دون الدخول في تفاصيل أكاديمية دقيقة لا تحقق الهدف، وسنغض الطرف عن أي خلاف يتعلّق بمفهوم مصطلح يخالف ما أردناه.

    التربية والمربّي: نعني بالتربية كلَّ جهد يهدُف إلى الرقي بالإنسان في مراتب الكمال، ولكلّ إنسانٍ كمالٌ يطلبه وينبغي أن يسعى إليه، والمربّي هو مَن يُعنى من الناس بتربية نفسه وتربية غيره.

    القِيَم: مصطلح (القيم) لم يكن شائعاً عند أسلافنا، ولا مستخدَماً، وأول من ذكره الفلاسفة اليونان، ثم انتقل للمسلمين وللغرب عن طريقهم.. وحيث إنَّ هذا المصطلح فرضَ نفسه في الساحة التربوية والاجتماعية لم يكن بدٌّ من مخاطبة الناس بما يعرفون، فاستخدمناه هنا بالمفهوم الذي نرتضيه وهو أن القِيَم تعني: المبادئ والمعايير التي تحكم حياة الإنسان، وعامة أفراد المجتمع، والقيم عند المسلمين مستمدة من منهجهم الإسلامي الرباني وهي بهذا ثابتة لا تتغير، أما القيم عند الغرب فهي تابعة لأهوائهم وأهدافهم، ولا تتسم بالثبات، فما رآه المجتمع قيمة فهو كذلك! لذا يعيش المجتمع الغربي الآن أزمة مزدوجة في القيم (معرفةً وتطبيقاً).

    ويمكننا أن نصنّف القيم بطرقٍ شتى لعل من أجملها تصنيفها حسب تأثيرها على مكونات شخصية الإنسان، فالقيم على أنواع:
    1- قيم الحق: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان الفكرية، وأهمها المعتقدات.
    2- قيم الخير: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان السلوكية، مثل الحلم والصدق.
    3- قيم الجمال: هي المعايير التي تحكم حياة الإنسان العاطفية، مثل الاستحسان، والجمال.

    القناعات: القناعة مبدأ أو رأي أو اتجاه أو ميل يؤثر في حياة الإنسان واستجابته للمؤثرات الخارجية، يأتي غالباً بعد مرور الإنسان بتجارب معينة أو تأملات فكرية مستمرة. والقناعة أقل درجة من القيمة من جهتين: من جهة ثباتها، ومن جهة الاتفاق عليها بين أفراد المجتمع، وكثير من القناعات هي ترجمة عملية للقيم. فإكرام الضيف –مثلاً- قيمة، وطريقة إكرامة قناعة تختلف من رجل لآخر، وكثير من القناعات تتكون تحت تأثير البيئة المحيطة بالإنسان بغض النظر عن جودتها من عدمه.
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

  10. #10
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (17)

    كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (2)

    إبراهيم بن عبدالعزيز الخميس
    مقالات متعلقة

    تاريخ الإضافة: 22/5/2008 ميلادي - 16/5/1429 هجري زيارة: 4884


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي





    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    شخصية الإنسان بين الظاهر والباطن


    الإنسان له ظاهر وباطن، فظاهره السلوك، وباطنه ما يكنه في نفسه من أفكار وقناعات وقيم. والمشاعر هي الحد الفاصل بين الظاهر والباطن، فهي برزخ بينهما؛ بمعنى أن المشاعر بين الظهور والكتمان*..

    ويمكن تعريف هذه المكونات كما يلي:
    - السلوك: هو ما يظهر من الإنسان ونلاحظه عليه مشاهدةً أو استماعاً أو حساً (كلام، كتابة، نشاط، صمت..).
    - المشاعر: هي العواطف والرغبات التي يشعر بها الإنسان.
    - الأفكار: هي ثمرة الأعمال العقلية التي تدور في ذهن الإنسان ابتداءً، أو نتيجةً لتعرضه لمثير ما.
    - القناعات: هي النتائج التي يصل إليها الإنسان بعد عمليات التفكير المستمرة، أو بعد مروره بالتجارب والخبرات المختلفة، لكنها لا تصل إلى درجة القيم.

    • القيم: هي المبادئ والمعايير التي تحكم حياة الإنسان، وعامة أفراد المجتمع.
    الإنسان مطالب شرعاً أن يضبط ظاهرَه وباطنَه وَفق شرع الله، وأن يزن كل هذه المكونات السابقة بميزان الشرع قال تعالى: {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120]، أما في تعامل الناس، فالمسلمون يعاملون الناس على ظواهرهم ولا يفتشون نياتهم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء: 94]، وعندما قَتَل أسامةُ الرجل الذي تشهد معتقدًا أنه فعل ذلك خوفاً من الموت قال له صلى الله عليه وسلم: ((يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) قَالَ:قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [صحيح البخاري - (ج13/ص164)].

    أثر الباطن في صياغة الشخصية الظاهرة:
    باطن الإنسان هو المحرك الحقيقي لظاهره، وبناء على ما يُكِنّه الإنسان في باطنه تجاه المثيرات المختلفة تتكون استجابات مناسبة لها بحسب ما يوجد في باطنه من أفكار وخبرات وقناعات وقيم، بمعنى أن الباطن يؤثر في الظاهر من ثلاث جهات:
    الأولى: قبوله أو رفضه للمثيرات. (استجابة داخلية).
    والثانية: التعبير عن القبول أو الرفض. (استجابة خارجية).
    والثالثة: طريقة تعبيره عن القبول أو الرفض. (طريقة الاستجابة الخارجية).

    ولذا جاءت نظريات التربية لتعلي من شأن القيم وأثرها في التربية.. والنصوص الشرعية تتضافر لتوضيح هذا المعنى، فمنها التأكيد على غرس العقيدة الصحيحة ثلاث عشرة سنة في مكة لتربية قاعدة النهوض قبل الهجرة، ومنها فضح المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد والطاعة بسبب بواطنهم التي يخفون فيها الكفر.. ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) [صحيح البخاري - (ج 1 / ص 90)].

    نظرية الجبل الجليدي:
    ما سبق ذكره عن مكونات شخصية الإنسان موافق لنظرية الجبل الجليدي iceberg وهي نظرية جيولوجية ثابتة علمياً خلاصتها أن رأس الجبل الجليدي (الظاهر) على سطح البحر لا يمثل إلا 10% من كامل هذا الكيان، في حين يختبئ في (الباطن) تحت سطح البحر 90% منه، وتكون هذه النسبة أساس الثبات لهذا الجبل.


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    شكل (1): صورة مقربة لشكل الجبل الجليدي

    توظيف النظرية في دراسة شخصية الإنسان:
    علماء النفس قاسوا هذه الظاهرة على الإنسان وقالوا: إن الإنسان مثله مثل الجبل الجليدي لا يمثل سلوكه الظاهر إلا 10% فقط من شخصيته، أما المحرك الحقيقي له فهو الباطن.. ومع أننا لا نستطيع الجزم بمثل هذه النسب إلا أننا نرى أن السلوك الظاهر لا يمثل من شخصية الإنسان إلا نسبة قليلة. ويمكن أن نوضح شخصية الإنسان من خلال الشكل التالي:


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    شكل (2): شخصية الإنسان بين الظاهر والباطن


    وللحديث صلة..


    ــــــــــــــــــــــــــــ
    * الأصل في المشاعر أنها في باطن الإنسان، لكنها قريبة جداً من الظاهر إلى درجة قدرة الفطِن على معرفتها من أول نظرة.. وفي قصة إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير قول سعد: "أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم" [السيرة النبوية لابن كثير - (ج 2 / ص 183)] والبرزخية سنة كونية جعلها الله حداً فاصلاً بين كل متجاورين مكاناً أو زماناً أو موضوعاً مختلفين في الصفات، وأمثلتها كثيرة: فاليوم الآخر برزخ بين الدنيا والآخرة، ومابعد الغروب وقبل الإشراق برزخ بين الليل والنهار، والوَسَن برزخ بين النوم واليقظة، وحالة غليان السائل برزخ بين السائل والغاز، والمشتبهات برزخ بين الحلال والحرام.. فهذا الحد الفاصل فيه من صفات المتجاورين، وربما كان في بعض حالاته إلى أحدهما أقرب.
    من كل شيءٍ اذا ضيعتهُ عوضٌ
    وما منَ اللهِ إن ضيعتهُ عوضٌ
    **********

    واعلم ان الله ما منعك الا ليعطيك
    وما ابتلاك الا ليعافيك
    وما أمرضك الا ليشفيك
    وما اماتك الا ليحييك

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. من أقوال ابن القيم
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان الأدعية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-07-2018, 03:30 AM
  2. أولادي
    بواسطة أ . د . محمد جمال صقر في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-27-2015, 11:34 PM
  3. أولادي والمدرسة والتجربة المريرة والفريدة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان التعليمي.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-21-2014, 03:28 AM
  4. من القيم إلى العمل: المبادئ الأربعة للقيادة القائمة على القيم
    بواسطة مالك الصمادي في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-09-2012, 08:07 PM
  5. وجع القيم
    بواسطة الهام بدوي في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-19-2011, 11:37 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •