.. اشواك في العلاقات العربية ..
د.فاطمه قاسم
عمق الأزمة اللبنانية ,عمق الأزمة الفلسطينية,
كشفتا عن مدى الضعف الذي أصاب العلاقات العربية العربية, نتيجة سلسلة من العوامل.
أولا :هناك التدخل والدخول الإسرائيلي المباشر وغير المباشر على خط العلاقات الداخلية , وتأجيج الأزمات , من خلال الأدوار المباشرة والغير مباشرة التي تلعبها إسرائيل , ففي لبنان كان الاحتلال الاسرائلي للجنوب الذي استمر قرابة ربع قرن , وما ننتج عن هذا الاحتلال منن تهميش دور الجيش اللبناني , وبروز دور المقاومة اللبنانية التي بدا عليها التأثير الإيراني منذ قيام ثورة الخميني إلى هذه اللحظة , ومن ثم قيام إسرائيل بغزو جنوب لبنان عام 2006 الأمر الذي كان من تداعياته انتقال المقاومة اللبنانية من الحدود إلى وسط بيروت التجاري , وتحول ثقل الصراع منن مواجهه للاحتلال إلى مواجهات داخلية للحصول على حصص اكبر في السلطة سواء تحت مبررات سياسية أو طائفية , ونفس الشيء حدث في فلسطين بانسحاب إسرائيل من جانب واحد من قطاع
غزة دون ترتيبات مع السلطة الوطنية التي أضعفها هذا السلوك الأحادي الجانب , وجعل الطريق ممهدة للتطورات التي حدثت فيما بعد وكان أخرها انقلاب حماس على الشرعية الفلسطينية , وتكريس الانقسام والانفصال .
ثانيا : الارتباكات داخل النظام الإقليمي العربي , وهي ارتباكات جرى استغلالها بشكل واضح من قبل التجاذبات الإقليمية , لدرجة أن بعض الدول العربية تركت على نحو ما المجموع العربي وذهبت إلى المحور الإيراني , الأمر الذي شكل اختراقا خطيرا في نظرية الأمن القومي العربي
ثالثا : أن النظام الإقليمي العربي تصرف بمسئولية اقل , وحضور ميداني وسياسي اقل في القدرة على المبادرة داخل بؤر التوتر العربية الرئيسية سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين أو السودان والصومال وغيرها , وهذا الحضور العربي الضئيل أعطى فرصه مريحة للآخرين بان يقوموا بسد الفراغ , وهكذا نشأ ما يمكن تسميته بالفراغ العربي الذي أدى على نحو ما أن تقوم قوى إقليمية أخرى بالإمساك أو محاوله التمسك بالأوراق العربية مثلما حدث في العراق ولبنان وفلسطين وحتى انه حدث في الصومال ودارفور , فكانت الأوراق عربية بتصرف غير عربي ,
وهذه مفارقة باهظة الثمن
اليوم هناك محاولات لتغيير المعادلة عن طريق فرز هذه الأشواك واقتلاعها لصالح العلاقات العربية , وأعلنت هذه المحاولات عن نفسها بإشارة واضحة في قمة دمشق الأخيرة , حيث لبنان تغيب عن القمة , ودول رئيسية لم يشارك عنها قادة من الصف الأول , فقد تغيب العاهل السعودي والأردني والمغربي والعماني والبحريني , وتغيب الرئيس المصري والرئيس اليمني والرئيس العراقي , وكان هذا الغياب عبارة عن رسالة قوية بان الاختراق الحاصل لنظرية الأمن القومي العربي هو اختراق غير مقبول , وان أسباب هذا الاختراق يجب أن يتم التركيز عليها , بمعنى أن هناك توجها بضرورة إبعاد التدخلات الخارجية عن ساحة العلاقات العربية العربية , وان المعني بفعل ذلك سوى القادة العرب أنفسهم , ولذلك عقدت القمة الثلاثية المصرية الفلسطينية الأردنية في القاهرة قبل أيام , والقمة السعودية المصرية في شرم الشيخ قبل يومين , وقد يليها قمم أخرى , تمهيدا لاستعادة الوفاق العربي , وتحقيق نجاح في حل الأزمات الراهنة سواء في لبنان أو فلسطين , حيث أن حل هذه الأزمات والبؤر هو الدليل على إمكانية تصفية العلاقات العربية وإعادة الأمور والوصول بها إلى عصر جديد , عصر يكون فيه التنسيق المستمر والحوارات الايجابية , وتفاعل الرؤى , ما يجعل الرهانات العربية في المقدمة والأولوية .
وما يساعد على تحقيق هذا التوجه :
هو أن المنطقة محفوفة بالأخطار , ومهددة باشتعال الحرب , وان المنطقة تقع تحت تأثير الأجواء الدولية المأزومة سواء على صعيد تباطؤ الاقتصاد العالمي , وارتفاع أسعار النفط , وموجات الغلاء والتضخم أو على صعيد توسيع الأحلاف العسكرية , والملفات النووية , وإمكانية الهروب تجاه الحلول المدوية مثل الحرب المحدودة أو الشاملة .
وبما أن المنطقة : تشكل على المستوى الاستراتيجي عقدة المواصلات , ومخزن النفط الرئيسي , ومنطقة الحساسية الشديدة , اى المنطقة القابلة للانفجار , فان أي حادث عرضي قد يسمح بالحرب أن تندلع , وقد يصبح الاستقرار العالمي في مهب الريح , لهذا بدأ القادة في هذه المنطقة يحسبون الحسابات بدقة متناهية , وتنقيه الأجواء والعلاقات العربية كوسيلة في غاية الأهمية للاستعداد للأخطر , منن اجل تجنيب النظام الإقليمي العربي إمكانية التعرض لضربات وأزمات خطيرة بلا مقابل.
لذلك فان الأطراف المحلية في لبنان وفلسطين تتحمل مسئولية مباشرة وكبيرة في إنجاح التوجهات الايجابية وليس من اجل المصالح الصغيرة المحدودة والعارضة والتي تؤدي إلى هدم المعبد على رؤوس الجميع , وليس الارتهان إلى أجندات إقليمية هو الذي يجعل هذه الأطراف المحلية في مأمن , بل قد يجعلها مجرد وقد تحترق لإشعال الحرب الأكبر والتي سيكتشف الأطراف أن القضية الوطنية ليست في الحسبان في هذه المعركة ,
أتمنى أن ينجح الحراك العربي الذي بدا بتوجيه رسائل خلال قمة دمشق , تبعتها خطوات مباشرة بعد القمة في إعادة العلاقات والتحالفات , وتمهيد طريق العمل العربي المشترك , أمام استراتجيات الأمن القومي العربي ,
ليس هناك وقت للرهانات الخاسرة وليس هناك وقت لاستمرار التجارب الفاشلة