منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1

    الصباح الملطخ بالدماء...بقلم آرا سوفاليان

    الصباح الملطخ بالدماء...بقلم آرا سوفاليان
    جرمانا صباح الاربعاء 28 11 2012 الساعة 6:30 صباحاً، أغلقت منبه الموبايل وذهبت لغرفة الأولاد لإيقاظهم، وتمنيت ان اتركهم بسلام خاصة وأن البرد يلف أرجاء المنزل، ولكن لا بد من مواجهة ما يجب مواجهته، فاستيقظوا وذهبت لتحضير قهوتي وعندما عدت كانت ام الاولاد على البلكون تهمّ بإحضار قمصان المدرسة لكوّيهم...وسمعت الصرخة المدوية، ورأيت الأشياء تتصاعد في الجوّ واغصان الشجر تنحني واوراقها تبتعد، وسحابة من الأتربة والدخان تنطلق كالدوامة الى الأعلى، ويمائم اصابها الذعر تخلي المكان بعشوائية ورعب مروعين، وصوت هائل صاحبه تحطم الزجاج وتهشم أشياء أخرى، وفُتحت الأبواب على الشرفات وخرج كل الجيران الى شرفاتهم وعلت الأصوات وعلا الصراخ، ثم ولويل النساء، واختلط الحابل بالنابل ونزل الناس الى الشارع والكل يركض بإتجاه ساحة الرئيس وآخرون يهربون من ساحة الرئيس بعضهم يضع يده على رأسه وفي رأسه شج والدماء تغطي ملابسه، وآخرون يحاولون تقديم المساعدة للجرحى، ودخل بعض الجرحى الى منزل طبيب أطفال طلباً للمساعدة، كان الانفجار الأول في الساعة 6:38 وتم بإستخدام سيارة مركونة في بداية شارع الباسل وفي مواجهة كازية عبيد وهو الشارع المنطلق من ساحة الرئيس الى طريق المطار، وكانت السيارة مركونة في مدخل حارة ضيقة لا تبعد عن الساحة اكثر من عشرة امتار ويبدو ان الضغط تجمع في هذه الحارة فتضررت البيوت فيها على الجانبين وانهارت شرفاتها...وانطلق من انطلق للمعاونة وتقديم المساعدة للجرحى ضاربين عرض الحائط بالتعليمات والارشادات التي تكررت بما يفوق تكرر هذه الحوادث ومثيلاتها...بسبب الحمية والنخوة والمؤازرة والبعض ذهب ليتفقد الوالد أو الأم الموظفة أو الولد الطالب الذاهب الى المدرسة، أو الاطفال الذين ينتظرون باص المدرسة.
    وتحضرني هنا قصة تؤكد انه لا يمكن ثني الناس عن التجمهر وتقديم المساعدة حيث لا يمكن وأد المروءة والشهامة، والقصة تقول أن فارس عثر على رجل متهالك في الصحراء فنزل عن فرسه وسقاه وأطعمه وأركبه، فانطلق الرجل بالحصان وعقَّ، فصرخ صاحب الحصان بالسارق وقال له: يا أخا العرب الحصان لك... الحصان لك... ولكن لا تذكر فعلتك أمام أحد...لكي لا تضيع المروءة عن قلوب العرب.
    ونزل الدكتور طارق العيد لكي لا يتم وأد المروءة...نزل مع النازلين على الرغم من توسلات والدته، ووالد طارق جار محترم وصديق وصاحب لهفة ووالدة طارق موظفة وصديقة زوجتي وسيدة عصامية وفاضلة ومحترمة بكل المقاييس، ولا بد أن الدكتور طارق نزل مدفوعاً بالعامل الانساني وهو طبيب، وفي مثل هذه الظروف تشتد الحاجة لوجود طبيب، وبعد عشرة دقائق وصلت سيارة ثانية الى نفس المكان ونَهَرَ صاحبها الحشود بزمور سيارته ودخل بها الى اليسار مخترقاً الحاجز الاسمنتي فصار في الشارع المقابل ومؤخرة سيارته موجهة على الحشد، ولا نعرف ان كان السائق قد غادر السيارة ام لا، وتم تفجيرها فصدر صوت أقوى بكثير من التفجير الأول وكان الفارق عشرة دقائق لا غير...التفجير الثاني هو الذي ضاعف أعداد الشهداء، ووصلت سيارات الاسعاف الى قلب الكارثة لتجد كارثتين الثانية أفدح من الأولى...اما الدكتور طارق عيد فلقد ذهب الى حيث يذهب الشرفاء، وهو كالآخرين جوّالاتهم ترن ولا من مجيب، وتنهار معنويات المتصل إن تأخر الرد، فإن كان المتصل أم فسيصل صراخها الى مكان الحادثة وإن كان أب فسيذهب ليرى بنفسه ما حدث لابنه وهذا ما حدث لوالد الدكتور طارق الذي حمل ابنه المصاب الى المستشفى فكان ملاك الموت اسرع...وحدث انفجار ثالث في حي النهضة ثم رابع قرب منطقة القريّات...واربع جوّالات وهاتف ثابت واحد ظلت ترن بإستمرار ودون معرفة المتصل يكون الجواب فوراً نحن جميعاً سالمين أنا والاولاد وامهم، ولكننا لسنا بخير لأن جيراننا ليسوا بخير...لقد شرعوا بمدّ الشرائط البيضاء المنطلقة من شرفة منزل أهل الدكتور طارق...شاب طبيب وبمجموع ممتاز في البكلوريا وبمعدل تخرج ممتاز من كلية الطب وطبيب اطفال في مشفى الاطفال وطالب دراسات عليا...وشهيد ضاعت معه أحلام أهله وعذاباتهم وتضحياتهم وضاعت معه أحلام كل محبيه.
    لماذا ولخدمة أي شيء ولخدمة أي هدف تم قتل طارق ومن معه...جنازات جماعية بدون نعي على اجهزة الصوت في جرمانا لأنه لا يمكن نعي ستون اسم حتى الآن والرقم مرشح للتصاعد...الساعة الآن 4:28 وانفجار جديد لا نعرف أين ذكروا في الانترنيت انه بالقرب من منتزه النسيم...نحن بحاجة الى ملجأ ذري هنا في هذه المدينة المنكوبة والتي كانت وادعة من قبل والأفضل تطويق كل مداخل جرمانا ومنع دخول السيارات اليها او الخروج منها...صورة مبكية لطفلة تم وضعها على الانترنيت وتحتها عبارة تقول: أن البعض من أطفال جرمانا حضروا اليوم الحصة الأولى في الجنّة.
    آرا سوفاليان
    كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
    الاربعاء 28 11 2012
    arasouvalian@gmail.com

  2. #2
    زلزال سوريا...بقلم آرا سوفاليان
    في زلزال سبيداك ـ لينيناكان الذي وقع في شمال ارمينيا عام 1988 وأدى الى مقتل 24000 انسان، علق الطفل الأرمني آرماند مع زملاء صفه تحت الأنقاض، وكان آرماند يخاطب رفاقه قائلاً: لا تخشوا شيئاً سيأتي والدي لإنقاذنا جميعاً...وجاء الوالد وحفر الأنقاض بيديه وهو يعرف احداثيات صف ولده، وبعد 36 ساعة من الحفر بالأيدي المدماة استطاع الأب انقاذ ابنه ومن بقي من أولاد صفه...قال آرماند وهو يفترش ذراعي والده: ألم أقل لكم أنه سيحضر والدي وينقذنا جميعاً.
    في زلزال سوريا ـ الذي وقع في كل سوريا وأدى الى استشهاد رقم مروع من أبنائها لم تشهده سوريا من قبل...علق طفل سوري بعد التفجير مع زملاء صفه تحت الأنقاض، وكان الطفل السوري يخاطب رفاقه قائلاً: لا تخشوا شيئاً سيأتي والدي لإنقاذنا جميعاً...ولم يأتي الوالد لأنه وعلى الطريق كان هناك قناص عمل على هدم هذا الأمل الوحيد الباقي...أليست الزلازل أرحم مما نحن فيه هنا في سوريا؟
    آرا سوفاليان
    كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
    السبت 08 12 2012
    arasouvalian@gmail.com

المواضيع المتشابهه

  1. درب يسد وما يرد...بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-03-2014, 06:10 PM
  2. سبي الباشي...بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-10-2013, 04:17 AM
  3. جيراير سوفاليان... بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-25-2013, 03:35 AM
  4. ماء الزهر...بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-18-2013, 05:03 AM
  5. على شجرةشاهقة...بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-28-2012, 01:01 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •