هامش على "اخرس يا سعودي!"
قرأت المقالة التي كتبها الأستاذ نجيب الزامل تحت عنوان (اخرس يا سعودي!).
طرح الأستاذ الكريم قضية (انحسار سمعتنا في العالم الإسلامي، جرسٌ يجب أن يُدقّ بصراحة من أجل الحقِّ والحقيقة. وسمعتنا أقصد بها السمعةُ السعودية كدولةٍ تمثل الإسلامَ، وإن لم نفتح هذا الموضوع الآن ونفاتح أنفسنا بصراحةٍ فإن الوقتَ سيكون فيما بعد متأخراً، وأسوأ أنواع تناول أي مرض هو التأخر في العلاج، فما رأيك في التأخر بالاعتراف؟!){ رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية}.
القضية التي أشار إليها الكاتب الكريم .. تستحق طرحا مفصلا .. ونعلم أولا أن هذا هو الجزء السيئ من الصورة،وللصورة وجه آخر أي من يحب السعوديين ويحترمهم،ولكن المشكلة في أن الشر يعم .. وثانيا : معلوم أن صورتنا السيئة لم تحدث فجأة .. وإنما هي (صورة) تكونت عبر عقود ممتدة .. ولعلي أبدأ بالإشارة إلى مقالة كتبها كاتب سعودي عن طالب سعودي يدرس في أمريكا وقد أخبره الطالب أنه يطلب إدخال خدمة الهاتف إلى شقته،ولا يسدد،فإذا فصل الهاتف،اتصل مرة وأخرى وسجل طلبا جديدا باسم جديد،وكان آخر اسم هو – بالأحرف الإنجليزية طبعا – (والله ما أسدد)!!
هذه نقطة أو تصرف لفرد من 19 مليون فرد .. ولكنها تعطي تصورا سلبيا .. ونضع إلى جوار هذه اللقطة لقطة عن السوداني الذي كان يشتري (علكة) من عجوز إنجليزية،ومرة وجدها تضع صفين من نفس العلكة،ولكل صف ثمن،وحين سألها أخبرته أن الصف الأول بالسعر القديم أما الثاني فهو من الدفعة الجديدة بالثمن الجديد الأغلى .. فسألها – مازحا – لماذا لا تبيع الجميع بالثمن الجديد؟ .. فهبت فيه غاضبة .. متسائلة : هل أنت حرامي!!
هذه أيضا صورة لفرد من شعب كامل .. وشتان بين الموقفين.
إذا أردنا تتبع مراحل تكون صورتنا السيئة لدى الآخرين – قدر المستطاع بطبيعة الحال،وضمن وجهة نظري الشخصية – فسوف نعثر على عدة لقطات :
اللقطة الأولى : عندما بدأت الطفرة .. وكثر المال .. وسهلة الحياة .. في بلد محافظ لا توجد فيه (خمارات) ولا (كبريهات) ..إلخ. حينها تحركت قوافل من (سفراء النوايا السيئة) .. لغزو تلك الأماكن المفقودة و التي أشرنا إليها من قبل.
اللقطة الثانية : في المقابل انطلقت قوافل من الباحثين عن فرص العمل .. من جنسيات مختلفة .. وكانت الأنظمة – ولا يزال بعضها – سيئا ومذلا للعامل وكأنه مشتبه به أو (سجين) .. إلى وقت قريب كانت الأنظمة تمنع سفر (العامل) إلى بموافقة (كفيله)!!
اللقطة الثالثة : المجتمع القبلي – أي مجتمع قبلي – فيه درجة من الاستعلاء بطبيعة تركيبته .. ثم أضيف إليها هذا الثراء المادي .. وقبله الإحساس بتملك (العقيدة الصحيحة) .. وهذا طبيعي لو لم يصل إلى حد جعلها مقتصرة على أهل هذه البلاد .. بصورة تبدو وكأنها تنفي تلك الصفة عن الآخرين .. وتوج ذلك – كما ذكرنا الدكتور محسن العوجي قريبا – بتلك المقولة التي قال صاحبها أن (أهل نجد) هم (الفرقة الناجية) .. ويبدو أن الفكرة ليست جديدة على كل حال .. كتب محمد أسد :
(قبل محمد بن عبد الوهاب،كان عرب نجد أكثر بعدا عن الإسلام من أي مجموعة أخرى في العالم الإسلامي،بينما أخذوا منذ ظهور محمد بن عبد الوهاب يعتبرون أنفسهم لا أبطال الدين وفرسانه فحسب،بل تقريبا أصحابه الوحيدين أيضا.
إن معنى الوهابية الروحي – الجهد بسبيل تجديد روحي وديني للمجتمع الإسلامي – قد أفسد في اللحظة نفسها عندما تحقق هدفها الظاهري – إدراك القوة السياسية والاجتماعية – بتأسيس المملكة السعودية في نهاية القرن الثامن عشر وتوسعها في الجزء الأكبر من الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر. فحالما تحقق أتباع محمد بن عبد الوهاب بالقوة،{هكذا،ولعلها :فحالما تحققت أفكار محمد - محمود } أصبحت فكرته مومياء : ذلك أن الروح لا تستطيع أن تكون عبدا للقوة،و القوة لا تريد أن تكون عبدا للرواح.){ص 200 ( الطريق إلى الإسلام) - نقله إلى العربية : عفيف البعلبكي / بيروت / دار العلم للملايين / الطبعة الخامسة 1977م }.
اللقطة الرابعة : من اللقطتين الأولى والثانية .. بدأت ملامح الصورة السلبية تكتب عبر وسائل الإعلام في الخارج .. وبطبيعة الحال كانت – في معظمها – تتحدث عن السلبيات و تضخمها أحيانا .. وعبر طرف واحد هو المتضرر أو المدعي .. دون الرجوع للمدعى عليه ..
اللقطة الخامسة : الفن (المصري) تحديدا .. قام الفن،عبر القصص والروايات .. والأفلام برسم صورة سيئة للإنسان الخليجي .. المبذر .. المستهتر .. المتلاعب بنساء تلك البلدان .. إلخ.
بما أن (خليجنا واحد) .. والسعودية هي (الشقيقة الكبرى) .. فإنها تخطر في البال بمجرد مشاهدة (دشداشة) أو (غترة وعقال).
للرد على أعمال (سفراء النوايا السيئة) صدرت أعمال كثيرة لا ترسم تلك الصورة السيئة التي أشرنا إليها من قبل فقط،بل تحاول الانتقام .. بالإساءة إلى المرأة الخليجية .. التي تبيع (نفسها)!! وهنا يبدو البحث عن الإذلال والإساءة واضحا،إذ معلوم أن (المومس) – أجلكم الله – تقدم جسدها،وتقبض نقودا .. هنا في الرواية تقدم (الخليجية) نفسها إما مجانا أو وتدفع ما لها كذلك .. ونكتفي بمثال عن ضابط يحكي لزميله سبب نقله إلى الصعيد ..
(وأصبح دخلي اليومي من هذا الموضوع حوالي خمسمائة دولار وبدأت أعرف السائحات – الخليجيات. وبينما كانت معي واحدة منهن سمعت طرقا عنيفا على الباب وفتحت الباب فوجدت مدير الإدارة،ومعه اثنان من الضباط. المهم ساوموني على كتابة استقالة فرفضت،وبالطبع كان يستحيل عمل محضر بالواقعة لأن الخليجية كانت في مهمة رسمية ومعها زوجها وهو مسؤول كبير. ولكنهم بلغوا الوزير عن الواقعة الأخيرة فقط فأصدر قرارا بنقلي إلى الصعيد.) { (يوميات ضابط في الأرياف)/ حمدي البطران/ روايات الهلال / فبراير 1998 }.
اللقطة السادسة : الفن أيضا .. ولكن هذه المرة عبر الفن الخليجي .. على أحد جانبي الصورة نجد سيلا من المسلسلات الخليجية التي ترسم صورة أكثر من سيئة للمجتمعات الخليجية .. وعلى الوجه الآخر للصورة تبرز الرواية السعودية .. وقد قدمت تلك الروايات – ومعظمها يرسم صورة سيئة أيضا – ما يشبع نهم الآخرين .. للتعرف على المجتمع السعودي المنغلق .. وقد كتبت إحدى السيدات أنها لم تكن تعرف شيئا عن المجتمع السعودي لذلك سعدت برواية (بنات الرياض)!! وسوف تسعد أكثر وأكثر بـ( ترمي بشرر) و (طوق الحمام) و (الحمام لا يطير في بريدة ) و (القارورة) .. إلخ.
اللقطة السابعة : أما هذه اللقطة فهي (الطامة الكبرى) حيث انطلقت (سفيرات النوايا السيئة) مرة أخرى .. ولكن هذه المرة عبر فضائيات سعودية .. أو مملوكة جزئيا لسعوديين ... مجموعة (إم بي سي) و(روتانا) .. وهنا لمحة معبرة .. حين انتقد الشيخ سليمان العودة سيولا عمت العاصمة الرياض،ورد على أمين العاصمة .. مباشرة تم إيقاف برنامج الشيخ في قناة (إم بي سي) .. بما شي أن الزعم بأنها قنوات حرة ولا سلطة لنا عليها ليس صحيحا ..
أعوام وأعوام .. وسفيرات النوايا السيئة .. تبث سيلا من العري والفواحش .. وهي لدى الناس قنوات سعودية .. فماذا ننتظر غير الصورة السيئة ؟!!!
بعد هذه اللقطات نعود لنأخذ لمحتين من مقالة أخينا الأستاذ (نجيب) ..
اللمحة الأولى :
(وشكوتُ لأصدقائي السعوديين في مانيلا عن صرّافٍ مسلم (وتكاد مهنة الصرافة في العاصمة الفلبينية أن تـُحتكـَر من قبل المسلمين) طردني من محلـِّه الصغير، وأنا أريد أن أصرف عُمـْلة لديه.. وقال لي حرفيا: "قو آوت يا كافر!" فتنفستُ الصعداءَ ظنا مني أنه يظن أني لستُ مسلماً، فحاولت التصحيح ورددتُ عليه: "ولكني أنا سعوديٌ مسلم.." وأجاب: "لا، السعوديون كافرون، يساندون النصارى واليهود.. إيران هي المسلمة تحارب اليهود والنصارى.. اخرج". خرجتُ، وزوجته تتابع الشتمَ بعد أن توقف هو. ومع الموقف المحرج كنت أتساءل مديراً أصابعي مذهولا: "ربي، ما الذي حدث؟!")
اللمحة الثانية : (كنت في مجلس فكري في تونس وأكرموني بالحديث حول مواضيع تخص الشأنَ العربي، فإذا رجلٌ ستيني ملتحٍ يرتجّ غضباً كزلزالٍ مفاجئ ويقول لي: "اخرس أيها السعودي".. وبين دهشتي وارتباك الحاضرين تابع مزبداً ومرعداً: "لقد خربتم أبناءَ الأمةِ وشباب وشابات هذه البلاد بمحطاتكم الفضائية وخربتم وقوضتم الأخلاق، وتأتي هنا بمسوح الفضيلة. يا ويلكم أيها المنافق".).
سوف أضيف من عندي بعض اللمحات ..
اللمحة الثالثة : كنت أتحاور مع أحد إخواننا حول مقالة الأستاذ (نجيب) فأخبرني أنه قرأ – قبل ما يدنو من ثلاثة عقود – خبرا عن سيدة تونسية طلبت – عبر البرلمان أو شيء من هذا القبيل – منع (الخليجيين) من دخول تونس .. لأنهم يأتون من أجل الفساد .. والفسق بالنساء.
اللمحة الرابعة : سبق لي أن كتبت تعقيبا تحت عنوان (هامش على "السعوديون "أخبث شعب فوق أطهر أرض) ومما جاء فيه : ("السعوديين" أخبث شعب فوق أطهر أرض)،وهي مقالة كتبتها حكيمة أحاجو،ونُشرت في أسبوعية المشعل،سنة 2008م.
سوف أكتفي بنقل بعض عبارات – تحديدا العبارات التي جاءت على لسان تلك (المومس) التي تتعمد نقل الإيدز لبعض العرب - تلكم المقالة،,كما جاءت باللون الأحمر في الرسالة – إحدى رسائل مجموعة الدكتور "قاسم"- :
(فهؤلاء القوم أي 'السعوديين' أشعر بأنهم أخبث شعب فوق أطهر أرض، لا يتورعون عن ممارسة ساديتهم فوق جسدك كأنهم لم يروا امرأة من قبل، أحدهم من فرط إعجابه بجسمي خاطبني:' بدون شك أكاد أحسم أنه كانت من بين نساء هارون الرشيد مغربيات، وإذا لم يكن فتأكدي أنه لم يكن ملكا بتلك الصورة التي قدمها لنا عنه التاريخ (..)بنوع من الفخر عندما خاطبت أحد السعوديين الذي استهزأ منها ذات مرة بالقول' إن المغاربة لا يتمتعون بالشهامة لأنهم هم من يشجعون بناتهم على الدعارة بحجة الفقر والعوز'، إذ لم تتمالك عائشة نفسها وصاحت في وجهه 'على الأقل نحن نمارس الدعارة بسبب العوز أما نساؤكم فلا ينكحهن إلا خدامكم من الآسيويين المخنثين، وإلا بماذا تفسرون كون جل مواليدكم أشباه خدامكم من الهنود والباكستانيين، فقبل أن تسبوا المغاربة انظروا خلفكم لتكتشفوا ماذا يجري في بيوتكم '،){رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية،رسالة رقم (1309)}.
أول ما خطر في بالي،بعد انتهائي من قراءة المقالة،هو أحد أسباب إسلام أخينا مراد هوفمان،أعني قول الحق سبحانه وتعالى:
(ولا تزر وازرة وزر أخرى)،فهذه الآية الكريمة،تنسف عقيدة (الخطيئة الأولى)،في المسيحية المحرفة.
إذا نحن جميعا،سعوديين،مغاربة،مصريين .. إلخ،ضحية جعل (الكل) أو جعل شعب بأكمله يتحمل جناية مجموعة من أفراده!!! فإذا (احتال) مائة مصري - أو ألفا – على سعودي،حُملت تلك الجريمة لثمانين مليونا من المصريين!!!! وإذا عاثت مجموعة من السعوديين في مصر – أو المغرب – فسادا،وصم الشعب السعودي كله بتلك الجريرة!!!!!!
بعد هذه اللقطات واللمحات،نأخذ عينة من إحدى الروايات .. ونستطيع أن نتخيل القارئ المسترخي ليتسلى .. أو يتلذذ ... بينما تُزرع في وعيه ولا وعيه .. صرخات ذلك الإنجليزي .. وتينك الصغيرتين ..
الرواية التي سنأخذ منها بعض النماذج هي رواية (اهبطوا مصر) للمهندس عبد السلام العمري،وهو مهندس عمل في السعودية فترة،وقد حاولت الرواية أن تخفي أنها تتحدث عن السعودية،وذلك أولا عبر الحديث على غلاف الرواية بأن الروائي يصنع عالما متخيلا .. وكذلك عبر تسمية (مكة المكرمة) بـ(رون) – حيث يمارس الناس التحايا – أي الحج والعمرة – أما جدة فقد سُميت(رون) .. رغم أن البطل كتب مرة عن الهواء اللافح في (ج) .. كما تسمي الرواية (عمارة الملكة) بـ(عمارة العظيمة) .. وفي نفس الوقت تذكر (شارع قابل) .. و(طريق المدينة).
ستأخذ عدة مشاهد من الرواية .. باستثناء ما يتعلق بالمرأة ..
المشهد الأول : (فور أن أطل برأسه من الطائرة تراجع،كأنه الجحيم.صباح من جهنم،يحيطه هبو ألسنتها ويلفه (..) فأل حسن،فالثروة قريبة منه،وشاهد إثبات أول على دخول هذه البلاد،فما الذي يكبل خطاك ويجعلك مترددا،طأ هذه المدينة بقدمك،بحذائك){ص8 (اهبطوا مصر)}.
المشهد الثاني : ( كانت تجتاح البلد حمى شراء الأراضي والعقارات والبناء،بدا أن للرمال والخيام والرياح تأثيرا رهيبا،فمن كثرة صفع الرمال لوجوههم،وتطاير وبر الخيام،وتعرض حريمهم وعائلاتهم لصفع الريح،بات من المؤكد أن رد الفعل الوحيد هو الاحتماء بالعقارات والبناء خوفا من المستقبل){ ص 36 (اهبطوا مصر)}.
المشهد الثالث : (يجلس الشيخ،يمر عليه العاملون،يمد يده بالنقود،لمحت أماني خضر بينهم فخذلتها شجاعتها،استدارت،كانوا ينحنون إلى الشيخ الذي تعمد خفض يده حتى يسلموا ويقبلوا ويأخذوا عطاياه فرحين) {ص 51 (اهبطوا مصر)}.
المشهد الرابع : ( اندفع خارجا،رأى الجمع واقفا في جانب،وضابطين قصيرين وأربعة مساعدين في جانب آخر،عرف الضابط أنهم ضيوف معرض (جارثيا) الدولي،حاولوا الكلام معهم بلا جدوى،لم يقبضوا عليهم لان التعليمات واضحة وصريحة،ممنوع منعا باتا توقيف أي أوربي وأمريكي بصفة خاصة. خاب ظن الضباط والعثور على سكارى مصريين يمارسون عليهم سلطاتهم،وما أقلقهم حقيقة هو فتح محضر قبل أن يعرفوا جنسية المتهم،أسقط في أيديهم،أرقهم أنهم لن يستطيعوا إغلاقه،فكروا في ضحية ما بعيدا عن مكتب الشريف الذي تماسك قليلا،أعطاهم زجاجتين وسكي،لم يترددوا في قبولهما) {ص 64 (اهبطوا مصر)}.
المشهد الخامس : رب العمل السعودي يقول عن المصري .. ( لو جاءت كل أمة بخبثها وجئنا بخضر لغلبناهم.يقول الشيخ هذا الكلام أمام خضر الذي يضحك .. حاضر يا عمي .. تأمر يا عمي،وقال ذات مرة لاماني : إن المجازفة لا تعني الخسارة أبدا،لكن لم يكن مجازفا،بل ذليلا وخنوعا،) {ص 74 (اهبطوا مصر)}.
المشهد السادس : (في صباح أيام الجمع يتابع التلفزيون فلا يجد إلا برنامج تلي ماتش،وشاهد فيلما مصريا جديدا لفريد شوقي وصلاح السعدني وعادل أدهم وبوسي،يقول فيه عادل أدهم لفريد شوقي "سأحرق قلبك على ابنك"،وتحتضن بوسي أباها عادل أدهم حضنا فاجرا،فيعيد التلفزيون لقطة الحضن عدة مرات) {ص 160(اهبطوا مصر)}.
المشهد السابع : ( ترك السيارة بالقرب من سوق قابل،وجد الدكاكين مغلقة،سمعا أذان العشاء،يجدهم يهرولون إلى المسجد،البعض منهم يتوارى في مداخل العمارات أو في الأزقة المظلمة،المطوع يجوب السوق وآخرون ماسكون العصي والمقصات (..) فور انتهاء الصلاة اندفعوا من المخابئ التي بدت تشغل كل أماكن المدينة،وأن لا أحد في المسجد إلا قليلا،ازداد حر"ج" اللزج الذي لا يطاق،(هل يخجل من قول "جدة"؟!! - محمود )..(..) قال الرسام عيد مستر عمرو .. عيد،وقفا بعيدا (..) رأيا جمعا مندفعا ومتلاحما،يتمايل في عدة اتجاهات ،تبينا صوت استغاثات تستجدي المساعدة،رجل بدا إنجليزيا يحمل طفلة إلى أعلى باكيا،صارخا ومتشنجا(لا بأس عليه،ففي السوق(سوبر مان،سوف يتدخل الآن!! – محمود ) يحيط زوجته بذراعه الأخرى، في حالة انهيار تام وهستيريا وصراخ،يحيطون به من جميع الجهات،سمة هذه الموقعة هي الجلابيب البيضاء،وغترها الحمراء التي انزلقت،يندفع الرجل باكيا ثم يتوقف آخذا زوجته في حضنه،ابنته تستغيث،الجمع يقف من بعيد يشاهد بلا حراك،رجال أصابهم السعار،يتقاتل البدو للالتصاق بها واحدا بعد الآخر بلا أي خوف.
اندفع عمرو والرسام في نفس الوقت بلا سابق ترتيب قال عمرو g ive me your daughter قبل أن يتردد أخذها منه،ابتعد،انتابت الإنجليزي قوى القهر الجبارة فبدا عاتيا،يحطم الرؤوس في بعضها،وبدا كجلفر في بلاد الأقزام،يدوس رؤوسهم بالحذاء ويفركها،خلع قميصه،مزق كل الجلابيب التي اعترضته،خلع جلبابا ألبسه زوجته،وسع حولها محيط دائرة قطرها ثلاثة أمتار على الأقل،كانوا يجرون ويهرولون كالفئران،اختفوا في الأزقة والشقوق (طبيعي، ما داموا فئرانا – محمود ) والأركان،وقف الجمع البعيد مبهورا،مذهولا،بدا أن الطفلة عاقت حركته وقيدتها، فبان مغلوبا على أمره،لو لم يكن المصري ساعده كما قال أحدهم لاغتصبوه هو أيضا.
تحركا مع الرجل وزوجته التي احتضنت ابنتها،قال له الإنجليزي : لم أخف على ابنتي وهي معك،لا يفعل هذا في هذه البلاد إلا مصري،حاولنا الخروج أكثر من مرة،كانوا يزدادون ضغطا ومضايقة (هل خرجت الفئران من الشقوق؟!! – محمود ) لن أستيطع أن أرد لك هذا الجميل مدى عمري،سنتذكرك ما حيينا،وسأذكر هذه الحادثة في الكتاب الذي أعده عن خفايا هذا البلد،فقط أريد أن أوثق معرفتي بك، نظر إلى زوجته التي قالت:اننا سنغادر قريبا بلا رجعة،ركب الانجليزي وزوجته سيارتهما،وركب عمرو سيارته،قبل ان يتحرك قال الرسام : حقيقة لم يفعل هذا غيرك منذ قدومي الى هذه البلاد،تحدث هذه الأشياء يوميا،وبصورة وضيعة،يبدو انهم يشجعون على ذلك،لماذا تختفي الشرطة؟أين العسكر؟إنك تجدهم في كل مكان بين خطوة وأخرى،قد تجدهم ضمن الذين هاجموا الانجليزي واصل: منذ أسبوعين هجم رجل على امرأة منقبة،انهال عليها ضربا ويقول زوجتي وأنا حر فيها،خرجت عن طوعي،والسيدة تصرخ ليس زوجي ليس زوجي،تقدم رجال الامر بالمعروف واجبروها على المشي معه وهي تصرخ،اللعنة ثم بصق ومشى) {ص 144 – 146}.
المشهد الثامن : المشهد الأخير .. وقد انتقلت أسرة الكفيل إلى مصر لقضاء الإجازة،ولم يستطع المهندس المصري،أن يتابع مع الأسرة بذكورها وإناثها مشاهدة (نجوى فؤاد) وهي ترقص لهم .. وتعليقات الأبناء الذكور البذيئة أمام والدهم وأخواتهم البنات !! انصرف المهندس ثم عاد مرة أخرى .. (دق جرس الفيلا،لم يفتح له أحد،أصر على الدق وبعد مدة طويلة فتح له أحد الشباب،مرتعدا تبدو عليه الصفرة والمخاوف ،كان يفترس الراقصة بعينيه،استباح لنفسه تعليقات جريئة إلى حد الوقاحة على بعض الأجزاء من جسدها أمام الشيخ،أمام أخواته البنات،يقول ما هي إلا عاهرة،ليس لها إلا الرجم،الشيخ ما زال نائما،( الشيخ،يستمع إلى التعليقات،أم أنه نائم؟!!!وعندما جلس جاءت إلى أذنيه من الطابق الاعلى استغاثة وأصوات ذبيحة تستجدي وتسترحم،وحسب عمرو أن في الأمر شيئا يتطلب سرعة وجوده لإنقاذ أحد ما من كارثة ما،(إذا كان أنقذ الإنجليزي، في "جارثيا" في عقر دارهم، فكيف وهو في القاهرة،؟!!- محمود)،لم يتردد فاندفع إلى سلم الفيلا الداخلي إلى أعلى ولقد ذهل لهول ما رأى.
انتابت عمرو حالة هستيرية،اندفع إليهم بكل ما يملك من قوة محاولا منع هذه الجريمة،قلوب صحراوية،بدوية،جافة عنيدة،تشي وجوههم بملامح غضب مكتوم،وعنف متواصل،دفعوه إلى الخارج،كاد ينطرح إلى درابزين السلم،وكان من المستحيل عليه احتمال المزيد من صرخات الذعر الصادرة من هذا المكان،تسلل إلى السلم العلوي يريد إيقاظ الشيخ،حاول يائسا التفكير في طريقة للتدخل،في تلك اللحظة رن جرس الفيلا،انتفض أحدهم خارجا لابسا جلبابا نازلا،فتح لامرأة في الأربعين من عمرها،أعطاها مبلغا من المال،سألها عما إذا كان لديها بنات أخريات،ردت بالإيجاب ووعدت بالحضور في اليوم التالي.
فيما ينزل الشيخ،خرجت الفتاتان إلى أمهما المنتظرة أسفل،وعندما رآهما لم يبد أي نوع من أنواع التساؤل أو الدهشة،بدا أنه يعرف،وأنه شيء عادي،وأن هذا يحدث بموافقته ورغبته،نادى الشيخ على عمرو عندما لمحه خارجا،تقبض السيدة على يدي البنتين اللتين تبكيان،خارجة بهما لا تبدي أي اهتمام،متبلدة المشاعر والأحاسيس،عند سماعها صوت الشيخ رجعت إليه مقبلة يده.
ذهول يفوق حد الوصف والخيال،الرجل هادئ،فقد عمرو القدرة على النطق والكلام. قال الشيخ فاردا الخرائط : سنسافر غدا،(..) وكانت تراوده أفكار جنونية،ماذا لو استطاع هؤلاء الناس اختراق هذه الأجهزة الامنية،ما الذي سيحدث،لهم حساباتهم وثأرهم المتراكم،تجسدت أفكاره وتخلقت نتيجة مداومة التفكير ومرور الوقت،(..)في لحظة ما قرر أن يقول ما شاهده في الفيلا،يود أن يشاركه أحد هذا الحمل وهذا الهم،الدماء تتناثر على أرضية الباركيه،ملطخة بدماء الصغيرتين الذبيحتين،فلا مجيب،سيطرت هذه الحادثة على وجدانه وشلت تفكيره،محت الحوادث الغرائبية والعجيبة التي شاهدها هناك،ها هم ينقلون عاداتهم وسلوكهم إلى القاهرة،وهاهي بما يتسع قلبها تفتح لهم أذرعتها مرحبة ليعيثوا فيها،إنهم لا يأتون ليستمتعوا بمشاهدة النيل أو دار الآثار أو المتحف أو يرتادون المكتبات والمعارض،يذهبون دون أن يشاهدوا الأقصر أو السد العالي أو الأهرامات،لا يشاهدون المعابد ووادي الملوك ومعابد الدير البحري،والكرنك،هذه الآثار تتعارض مع الفقه البدوي،لا يأتون إلا للاستمتاع بالجو والعاهرات والطعام،الملاهي الليلية والفنادق الفخمة.
الأسعار في القاهرة رخيصة جدا بالنسبة لدخل الثروة الذي يقفز ويتنطط،ورغم هذه الهجمة فإن الناس لديهم ما يقيم أودهم بكرامة،يعيشون بطريقة مستورة،يملكون ثمن ما يودون شراءه،يشاهد المصريون هؤلاء الناس بلا مبالاة،لأنهم فتحوا عيونهم على الأرض الأكثر إبهارا في العالم،فبات كل جديد عاديا. ) {ص 271- 275(اهبطوا مصر)}.
قبل الختام .. أشار أخونا الأستاذ (نجيب) إلى مسالة مهمة .. السعودية أكثر بلد متبرع .. فأين أثر ذلك؟
لذلك – من وجهة نظري - عدة أسباب .. التبرعات تمنح للدول .. وربما يتم (شفطها) قبل أن تصل إلى المواطن العادي .. ونذكر بما كتبه الدكتور جلال أمين في مذكراته .. (وقبل أن يدخل رئيس الوزراء،كثيرا ما يأتي موظف إلى الوزير فينحني هامسا في أذنه ليخبره بآخر ما وصل إلى الجمعية التعاونية من سلع،للوزير الأولوية في الحصول عليها،وكان آخر ما يذكره ( يقصد الوزير إسماعيل غانم – محمود ) هو شحنة من البطاطين الصينية كانت قد أرسلت كجزء من معونة صينية لبعض المحتاجين في مصر (!!!!! – محمود) فإذا بالموظف يسأله عما إذا كان الوزير يرغب في إرسال بعضها إلى بيته.) ص 234 ((ماذا علمتني الحياة : سيرة ذاتية) / الدكتور جلال أمين / دار الشروق بالقاهرة / الطبعة الرابعة /2008م}.
من الأسباب أيضا .. وجود نوع من (الحساسية) بين العرب .. فقبل عقدين – تقريبا – حصل فيضان في إحدى الدول الشقيقة،فقامت السعودية بعمل جسر جوي،كانت أخباره تبث يوميا في نشرة الأخبار .. أخبرني أحد إخواننا أن مقيما من تلك الشقيقة قال له : ليتهم تركونا نموت ولم يذلونا بمعونتهم!!
لم يبق إلا أن نختم بمؤتمر غريب .. قبل الحديث عن المؤتمر نعود إلى أجواء فن الرواية .. ونأخذ هذه اللقطة ..
(وكان أكثر ما يثير توترا في الجو كلام فكري عن وجود استعمار مزدوج في مصر الاستعمار الأمريكي – السعودي بدأ هذا الموضوع بالإشارة إلى أن الحكومة السعودية تتدخل في الحياة الداخلية فتقول ماذا يجب أن ينشر أو لا ينشر في الصحف وتقترح سن قوانين رجعية){ص 278 ( الرحيل بين السهم والوتر ) / حليم بركات}.
في الفن الصدق والكذب غير مهمين .. على كل حال نعود إلى المؤتمر .. ( الغريب الذي شهدته"دهاليز"واشنطن. اسم المؤتمر : "لماذا يكره العالم الثالث أمريكا"؟ والمؤتمر ينعقد بواسطة الجمعية العالمية للطب النفسي بالاشتراك مع الجمعية الأمريكية للطب النفسي) {ص 40 ( مسافة بين القبلات ) / منير عامر / بيروت / دار العلم للملايين / الطبعة الأولى / 1990م}.
وقد شارك في المؤتمر العالم المصري الدكتور أحمد عكاشة .. ومما قال للمؤلف .. (المسألة أعمق من أن تكون مجرد نصف العقل هنا ونصف العقل هناك. إن نصف الوجدان مع أمريكا ونصف الوجدان ضد أمريكا. إننا نتوحد مع الذي يبهرنا بتقدمه العلمي،ونعترف لأمريكا بالسيادة،ولكن عندما تتصرف أمريكا بما يضمن مصالحها إننا نكيل لها السباب ونقول إنها سبب المشاكل دائما،ونحلم بأن"الإيدز"لابد أن يقضي عليها،ونقول إنها مجتمع منحل،ثم يدلف كل منا إلى حجرة نومه ليدير شريط فيديو قادما من أمريكا (..) إنها سياسات ذات وجهين،وجه براق،ووجه قذر . وذلك ما يجعل إنسان العالم الثالث يحس بالكراهية لأمريكا ){ص 45 - 46}.
وبعد .. ختم الأستاذ نجيب الزامل مقالته بالقول :
(إذن هنا أشياء يجب أن تصلح .. هناك عربات خرجت عن الطريق ويجب أن تعاد .. فإني أؤمن بأننا ما زلنا نملك الطريق ،وكل ما علينا هو أن نلتزم بالسير عليه!).
قطعا أشارك الأستاذ الكريم في النظرة المتفائلة .. وقلت في المقدمة أن ما نتحدث عنه هو الجانب السيئ .. والجانب الجيد والمضيء موجود أيضا .. ولكن (الشر يعم) .. مثلا .. هل نستطيع أن نكف شرور وفسق قنواتنا – الإمبيسيات والروتانات – عن عباد الله ؟!! ومنهم من يشتمنا ثم يشاهدها!!
أشك في ذلك.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة