أكبر أمل لدى العربي في العام الجديد أن تكون فصول المجازر والقتل الوحشي التي حاصرت المنطقة في سورية والعراق، طويت ولو بالصفقات «المرة» التي يعد بها القيصر فلاديمير بوتين، عازفاً على أوتار شريكه في البيت الأبيض دونالد ترامب. القيصر طامح إلى نظام عالمي يفصّله مع رجل الأعمال الشعبوي على مقاس طموحاتهما و «جرأتهما» في اقتياد سفينة العالم إلى مرحلة ما بعد إذلال الروس.
أذل الغرب الروس (أوكرانيا) فانتقموا منه بقتل الآلاف من السوريين الأبرياء بذريعة الاقتصاص من «الإرهاب». في حلب انتصر القيصر، ومعه النظام السوري وحلفاؤه، وحده الشعب السوري دفع الثمن. سقط «الخط الأحمر» التركي، ضحّت أنقرة بحلب، ضحّت موسكو بالأكراد، إنه التمرين الأول على الصفقة الكبرى الآتية على مراحل في العام 2017.
ولكن، على رغم تفاؤل «الخبراء» الروس، وانكفاء الحضور العربي عما يبدو تمهيداً لاتفاق بوتين - ترامب... لكارثة ما بعد الحرب الوحشية في سورية، وجوه أخرى، ولا ضمان ببقائها موحدة.
«أمراء» دويلات متناحرة ربما، وبعض مما يفسر «عقلانية» التريث والامتناع عن تصديق «بطولات» السلام الروسية، أن مآسي السوريين تكمل ما يشهده العراق من تفتت على أيدي «الحشود» العابرة للحدود. مجزرة هنا وإبادة هناك، لا تبديل في المسرح، سيظهر قاسم سليماني كلما بات الميدان جاهزاً لـ «انتصار» إيراني آخر، على حساب دماء العرب.
أي «حزام» بري يريده «الحشد الشعبي» إذا اندفع إلى الحدود السورية؟ «الحزام الشيعي» بعد «الهلال الشيعي»؟ أي موصل بعد اقتلاع «داعش»، وأي دولة ستبنى في العراق بدماء ضحايا الإرهاب الجوّال؟
مصير سورية والعراق بين أيدي القيصر و «بطل» الصفقات، مصير نظام الرئيس بشار الأسد هاجس الإيراني، وليس عقدة لدى الكرملين إذا حانت ساعة التسوية «النهائية». لذلك، سنرى «توترات» كثيرة في استعادة النظام حضوراً يريده لمقاومة دفعه الثمن الأخير.
* * *
ضجيج القيصر وترسانته من قاعدة حميميم إلى البوسفور والبحر الأسود. فلنصغِ إلى «شريكه» ترامب يحض الحليف الإسرائيلي على عدم الرضوخ لطعنة أوباما (رفض الاستيطان)، رغم كل ما فعله الأخير لتسليح إسرائيل وضمان «أمنها» ربما لخمسين سنة مقبلة.
القيصر يريد تسوية في سورية على حساب السوريين، إذ تشطب كل تضحياتهم وما تكبّدوه دفاعاً عن الثورة وللخلاص من الاستبداد. ترامب الصاخب، أولويته أن يعيد تحصين إسرائيل في مواجهة العزلة والأمم المتحدة، وربما ليحوّل الأنظار عن تراجعه وطي تهديده بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران، ما إن يتسلّم سلطاته على رأس أكبر قوة في العالم.
يحصن الكرملين تسوية بنظام كسيح في سورية، سيحتاج إذا صمد الحل الروسي، إلى وصاية و «حماية» شبه دائمة. يحصن السيد الجديد في البيت الأبيض الآتي من عالم المال والصفقات السرية، الحليف الإسرائيلي، فيما موسكو ترعى طهران بترسانة عسكرية ومحطات نووية، ومظلة حماية من الخليج إلى المتوسط.
إنه عالم العرب في العام 2017، مسارح حلول وتسويات بعضها أهدافه مشبوهة، وبعضها للاختبار. وما دامت مظلة الحماية روسية، ما الذي سيقنع إيران بالكف عن التلاعب بمصير اليمن، وعن مد أصابعها إلى باب المندب؟
ما الذي سيقف في وجه رغباتها المحمومة في تطويق دول الخليج وإنهاكها؟... والسعي إلى تمديد أزمات مفتعلة، لا لشيء إلا للإيحاء بتردد الجيران عن مواكبة التغيرات في المنطقة، خصوصاً تحول إيران «قوة كبرى» إقليمياً؟
عالم العرب عام 2017 قد يكون أكثر خطورة من عام المجازر والدمار وطوفان النازحين والمهجرين. شعوب تحولت لاجئة في مخيمات، وميليشيات تكتب فصلاً آخر من محو الخرائط، وتفتيت الكيانات.
بعد دخول ترامب البيت الأبيض، سيقترب العرب من صخب الصفقات الجائرة.
جريدة الحياة