الاستعمار المباشر والاستعمار المستتر (!!)
"الاحتلال" و"النظام الوظيفي"..
في رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي السوداني "الطيب صالح"، يقول "ريتشارد" – الشخصية الاستعمارية الإنجليزية – وهو يناقش "مصطفى سعيد" بطل الرواية:
"إنكم لا تستطيعون الحياة بدوننا. كنتم تَشْكون من الاستعمار، ولما خرجنا خلقتم أسطورة الاستعمار المستتر. يبدو أن وجودنا بشكل واضح أو مستتر ضروري لكم، كالماء والهواء"..
ما نود توضيحه تعقيبا على قول ريتشارد ذاك:
"إن من يتخذ من فكرة "الاستعمار المستتر" – وهو ما نطلق عليه "النظام الوظيفي" الذي هو ظاهرة حقيقية لا يعبر القول بها عن حاجة إلى الاستعمار بل عن وعي بأنماط الاستعمار – مبررا لعدم مواجهته، ولتقاعسه عن الفعل الجاد والمنتج للتغيير في بلده، انطلاقا من القوة والرهبة والغموض واللايقين الكامنة في "الاستتار"، لا يختلف إطلاقا عن ذلك الذي وقف من المستعمر غير المستتر موقفا سلبيا مستسلما له دون مقاومة أو اعتراض، إن لم يكن أخطر وأشد إضرارا بالوطن منه..
لأن سلبية هذا الأخير - صاحب الموقف السلبي من الاستعمار المباشر / الاحتلال - لن تشكِّك أحدا في أن الاستعمار حالة قائمة فعلا، أما سلبية الآخر - وهو صاحب الموقف السلبي من الاستعمار المستتر / النظام الوظيفي - فإنها قد تشكِّك المترددين والمرتبكين والجاهلين..
فالنظام الوظيفي "الاستعمار المستتر"، قد يجد من يدافعون عنه، بل هو يجد هؤلاء فعلا، حتى من بين المتضررين من وظيفيته، بسبب الارتباك والغموض واللاوضوح اللتي تثيرها ظاهرة "النظام الوظيفي"..
أما "الاستعمار غير المستتر" الذي تجسِّده حالة الاحتلال المباشر، فلا يجد أمثال هؤلاء إلا في "العملاء والخونة" الذين لا يختلف على عمالتهم وخيانتهم اثنان، حتى من غير المتضررين من ظاهرة "الاستعمار المباشر"..
فتكون سلبية التعامل مع الاستعمار المستتر "النظام الوظيفي" بالتالي أرضية خصبة للتضليل والتغييب والانقسام المجتمعي ولكل أنواع "الفتن" (!!)