أدب الخيانة
في كل منحى من مناحي الحياة، يطفو على السطح من يعبر عن ذلك المنحى بشعر أو قصة قصيرة أو مقالة أو مسرحية أو رواية الخ، ويحمل نوع الأدب المعبر عنه بتلك الأعمال بأدب (كذا)، فهذا أدب الطفل وهذا أدب المهجر وهذا أدب المقاومة.
لكن، أن يظهر للخيانة أدب يعبر عنه أدباء، فهذا ما هو شاذ ومستهجن، فالأدب يقترن بالخلق والوفاء للمبادئ والقيم، وكما ورد على لسان رسولنا الكريم صلوات الله عليه (أدبني ربي فأحسن تأديبي). وكان كل ملك أو أمير من مختلف ملوك وأمراء الأرض يستخدمون مؤدبين لأبنائهم يعلمونهم كيفية التعامل مع الناس وكيف يعبرون عن إرادتهم التي تعكس مظاهر القوة والأنفة للأسرة الحاكمة الممثلة للبلاد.
تعج صفحات الجرائد كما هي شاشات التلفاز، بكتاب يهللون ويبشرون بحياة تستند على إرادة غير وطنية، إنهم يظهرون مهاراتهم في المحاججة والجدال وسوق البراهين دون (ثأثأة) أو أسف، فتبدو وجوههم كالواثقين مما يقولون ويؤمنون به، ويتصورون أنهم بتفوقهم بعض الأحيان عمن يجلس مقابلهم أنهم يصلون الى نفوس من يستمع لهم أو يقرأ لهم.
لا تكفي اللغة المتينة الخالية من أي خطأ نحوي، ولا تكفي الفقرات المطولة المدعومة بأمثلة قد تكون حقيقية أو مفبركة التي يسوقها أمثال هؤلاء الكتاب، لتنبئ بأن قائليها وكاتبيها صادقون، وواجب إتباعهم، فمواطننا إن كان لا يستطيع التعبير عما يجول في نفسه، كما يعبر الأدباء عما يفكرون به، لكنه يستطيع معرفة من يتكلم لصالحه ومن يبشر لمزيد من الأذى له.
الإمبريالية والليبرالية تترنح، ويصرح دهاقنتها أنها كذلك، ونجد من يسمون أنفسهم (محللين سياسيين واقتصاديين) يطمئنوا المواطن العربي أنها ستتعافى قريبا و هذه سحابة صيف! أمريكا تهزم في العراق وأفغانستان، وهناك من يخرج مستهزئا ممن يقول مثل ذلك القول.
كان أجدادنا، ينهرون أبنائهم الذين يمتدحون أخوالهم قبل أعمامهم، وان اكتملت صفات الولد، وامتدحه من يمتدحه رادا ذلك الى والده وجده من أبيه ويذكر أعمامه بالخير، يتكرم الوالد ويتلطف بعد أن تُذكر مناقب عمومته ويقول أن أخواله هم فلان وفلان.
قال الأحنف بن قيس: تعلمت الحلم من قيس بن عاصم المنقري. إني لجالس معه في فناء بيته وهو يحدثنا إذ جاءت جماعة يحملون قتيلاً، ومعهم رجل مأسور فقيل له: هذا ابنك قتله أخوك! فوالله ما قطع حديثه ولا حل حبوته حتى فرغ من منطقته، ثم أنشد:
أقول لنفسي تصبيراً وتعـزية:..... إحدى يدي أصابتني، ولم تـرد
كلاهما خلف من فقد صاحبـه ...هذا أخي حين أدعوه، وذا ولدي
ثم التفت إلى بعض ولده وقال: قم أطلق عمك ووار أخاك التراب، وسق إلى أمه مائة من الإبل فإنها غريبة.
هؤلاء هم من نفتخر بالانتساب لهم، وهؤلاء من يحترم عمومته ويعطف على خئولته، ولكن من يستعين بالأجنبي و يتعهد بمناصرته على أبناء عمومته، فعرقه مشكوك به، وأدبه وفكره لا يصنف إلا مع (أدب الخيانة).