منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    مذكرات يوم العيد

    مذكرات يوم العيد
    بعد الاستهلال لعيد الفطر وثبوت الرؤية، وفي صبيحة يوم العيد يقوم بجولة يزور فيها - الأهل - والأقارب – والأصدقاء - وجمعاً من أهل القرية. ينتقل من بيت إلى آخر، يعيد ما انقطع ويخيط ما أنفتق، ويتمنى للكل عيدا مباركاً. ومن مجلس إلى آخر يتصل بالآخرين، يزف لهم البشرى السعيدة، ويتعرف عليهم من جديد. كانت الفرحة لا تسعه والبهجة لا تفارق وجهه، بعمله الطيب ذاك الذي غير به رتابة حياته، وهو يجامل هذا ويلبي دعوة ذاك.

    لقد اتسعت آفاقه وتشعبت مداركه، وفتحت له أبواب مغلقه، كانت ستضل مخفية عنه للأبد لولا تلك الجولة. اطلع فيها على خبايا نفوس بعض الناس المقربين منه والقاصين عنه، والذين بعُد اللقاء بهم، ونسي أنهم موجودين لانشغاله بأسباب دنيوية. ولكن مذكراته هذه ليست لتقديم تفاصيل زياراته تلك، بل للإفصاح عما اطلع عليه من خلالها واستوعبه من مكنوناتها. تلك الخبايا التي يحتاج فيها الآخرين ليمضوا جل حياتهم بل كلها، ليتعلموا شيء بسيط مما عرفه.

    دخل بيوتاً ومجالساً، أقرب شيء توصف به حدائق غناء، فيها أنواعاً مختلفة من الورود والزهور، ذات روائح نفاذة، وألوان زاهية، تدخل على النفس البهجة والسرور. تنتقل وتطير بين أغصانها وأشجارها مختلف أنواع الطيور والحيوانات الأليفة - صغيرها وكبيرها- تغني وتغرد وتزقزق، لتكمل تلك اللوحة الفنية الباهرة. تهفو إليها النفوس، وترتاح إليها الأفئدة.

    وتوصف الأخرى كغابات بالإضافة إلى كونها موحشة مظلمة، تضم أشجار وأعشاب تنفر منها الإنسان، وتدخل الكآبة والخوف على النفوس فضلاً عن القلوب. تنبعث منها روائح كريهة مقيتة، تزكم الأنوف، وتجلب الأمراض الخبيثة إلى الأرواح قبل الأبدان. فيها مختلف أنواع الوحوش المرعبة المخيفة، لا تعرف الرحمة أو الرأفة، نزعت منها الصفات الحسنة والطيبة، وألقيت فيها حجارة صلدة شداد.

    دخل بيوتاً استقبلته قبل أهلها بابتساماتها العريضة، فتحت له أذرعتها لتضمه إليها، تحتضنه برفق وحنان. كأنه واحد من أهلها، أو مسافر غائب عاد بعد أن طال الشوق إلى رؤيته. وما أن وضع قدمه على أعتابها، حتى رأى أهلها في انتظاره على أبوابها، بالترحاب والأحضان والقبلات. وعندها ساوره شعور غريب، وتساءل في نفسه، هل غلط في العنوان؟! أو أن المعني شخص آخر غيره!؟ وأن هناك لبس أو تشابه في الوجوه قبل الأسماء؟! فأخذ يتلفت يمنة ويسرة ليتأكد! عندها ازداد الترحاب والإكرام، والشعور بالدفء والأمان. فلم يود مفارقتها، وتمنى البقاء بين أهلها وطاب له الانتماء إليهم.

    بعدها ولج إلى بيوت رأى الكآبة بادية على جدرانها وأبوابها، كأنما جنازة مرت من أمامها، أو فقد لها عزيز. قبل أن يقابل أهلها ويلتقي بهم، وما أن يواجههم حتى تمنى عدم إقدامه على هذه الخطوة البغيضة. وينتظر بفارغ الصبر اللحظة التي تنتهي فيها الزيارة، ليعود أدراجه نادماً لائماً لنفسه على فعلته تلك. فلقد نسيت هذه الوجوه حلول العيد، وإقبال الفرحة والبهجة والسعادة.

    وتتواصل رحلته لزيارة أناس آخرين، شعر عند رؤيته لانكماش بيوتهم وانزواء أبوابها، إنهم لا يرغبون في رؤيته فضلاً عن استقباله. رآهم يهربون من ممرات خلفية، و يبلغون ذويهم بعدم وجودهم، كل ذلك تفادياً لمواجهته. ورأى أطفالهم تتقافز أمامه، يحاولون لمسه أو شمه والقفز عليه، وهو يحاول أن يلوذ بالفرار خوفاً. كأنهم قرود تنتقل وتتمايل بين الأغصان والأشجار، تصرخ وتزعق أما خوفا وهلعاً، أو فرحاً وابتهاجاً. شعر حينها أنه وسط غابة عذرية لم تنفتح بعد على بني البشر، ولم تختلط بأي إنسان قط. ولكن لم يكن له بداً ولا مهرب من مقابلتهم، أما لقرابة قريبة أو صداقة قديمة.

    وينتقل من تلك البيوت إلى أخرى، يتصرف أهلها بشكل طبيعي جداً. فلا هناك اشتياق، ولا توجد نفرة وفراق. ولم يشعر حين مغادرتهم بفقدان عزيز، ولم يشعر بسوء خلق واضح البرهان. بل يقومون بالواجب كأحسن ما يكون ولا يزيدون، فلا هم من هؤلاء ولا من أولئك.

    بعدها يمر ببيوت لم يتمكن من طيهم تحت عنوان معين، ولم يتمكن من تصنيفهم ضمن نوعية خاصة من الناس. لأن الأرواح لم تكن لتأتلف، والنفوس لم تكن لتقترب، فلم يتمكن من زيارتهم بسبب مشاكل عالقة قديمة. بدا تأثير تلك القطيعة على بيوتهم المبتعدة النافرة عن استقباله، رغم الشوق الذي يحاول إبدائه إليها. ولم يكن لينساهم لقوة اللحمة التي بينهم مبينه، فتركهم وتجاوز عنهم، على مضض وفي الذات شيء لا ينطفئ. مع إن العيد فرصة لتجديد العهد، وتوثيق الصلات، وإصلاح ما فسد.

    عندها اعتراه ألم مدمجاً باستغراب لتلك الأسر المتخلفة أخلاقيا واجتماعيا، ينظر إليها في المستقبل عندما تتغير أو يتغير وضعها، لتكون في وضع سوي كالآخرين أو مقارباً لهم. ويشيد بتلك الأسر التي تقاوم الألم والمحن، لتتغلب عليها وتتطلع إلى الخير والسعادة، لتمنحها لنفسها ولمن حولها و إلى من يتصل بها.
    بقلم: حسين نوح مشامع

  2. #2
    نسيج جميل لامر واقعي حقيقي
    ورغم ان البناء القصصي جاء على النمط القديم ولم يعطينا الصدمه النهايئه
    الا اننا نشكر همتك في الطرح
    تحيه وتقدير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

المواضيع المتشابهه

  1. مذكرات صائم
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-29-2015, 11:21 PM
  2. صباح الخير (247) كيف سيأتي العيد وهناك من لايعرف طعم العيد!
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى سلسلة صباح الخير(للأديبة ريمه الخاني)
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 10-24-2013, 08:50 AM
  3. مذكرات بحر
    بواسطة أحمد العربي في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-04-2010, 06:14 AM
  4. من مذكرات القضاء
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان القانوني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-23-2009, 04:55 PM
  5. مذكرات مزواج
    بواسطة الشربينى خطاب في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-14-2009, 09:03 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •