بداية نقف ولو سريعا على مصطلح القصة القصيرة، هذا المصطلح الغامض المتعدد الاشكال والاستعمالات، والذي نقل ترجمة عن الانجليزية ولم نعرفه في العربية من قبل STORY SHORT بهذا الاسم مما دعا البعض من النقاد إلى استعمال مصطلح الاقصوصة بدلا منه ومنهم صبري حافظ، وعبدالرحيم محمد الذي اقترح في مقالة نشرها بمجلة فصول (العددان الثالث والرابع) عام 1987 تحت عنوان ازمة المصطلح في النقد القصصي. بضرورة العمل على معجم لمصطلحات النقد القصصي دون المصطلح النقدي عامة وذلك لاسباب عديدة منها ظهور السرديات كعلم مستقل له ادواته ومفاهيمه ومصطلحاته، وعودة إلى مصطلح "القصة" ومن خلال ما نقله د. احمد السماوي عن دائرة المعارف الاسلامية لشارل بلا، وشارل فيال نجد نوعا من التدقيق في معرفة التطور الذي عرفته دلالة اللفظ منذ القديم وحتى اليوم، فقد تقاسم الباحثان النظر في المرونة السردية العربية القديمة والحديثة وخلص شارل بلا إلى ان القرآن الكريم "لم يستعمل لفظة القصة" واعتاض عنه بلفظ القصص الذي اتخذ له دلالة موحدة مع ثلاثة الفاظ اخرى استعملها هي "الخبر" وخاصة الجمع "الاخبار" و"النبأ" والحكاية متجاوزا بذلك الفويرقات التي تفترضها اصولها" (ويجب ان نولي هذا الامر اهتمامنا اذ ستكون لنا عنده وقفة مستقبلا ونحن نتناول قضية القصة القصيرة جدا).
ولقد استعمل الفعل "قص" في القرآن الكريم للدلالة" على اقتفاء الاثر كما ورد في (سورة القصص 28/الآية) في قوله تعالى "وقالت لاخته: قصيه فبصرت به" وفي بعض السور الاخرى كما استعمل للدلالة على المعنى المشتق من (حكى نقل).
وايضا استعمل الحديث الشريف هذا المصطلح "القصة" بمعنى "الأمر" و"الشأن".
وتطور هذا اللفظ "القصة" ليأخذ بعدا آخر زمان الوعاظ الشعبيين، والجاحظ الذي اعتبر القصة سردا معروفا مضافا اليه نسبيا القصة الهجائية.. واصبح للفظ القصة في البعد غير الديني مرادفات هي الحكاية والحديث والخبر وتشترك في كونها ممثلة للسرد او للجنس السردي من الحكاية.
وعندما نبتعد نحو الامام نجد ان هذا المصطلح "القصة" قد شابه الاضطراب في الثقافات المختلفة بتعدد الدراسات الأدبية منذ الشكلانية الروسية وصولا إلى السيمائية الفرنسية والالسنية.. وغيرها وتعددت المصطلحات المترادفة لمصطلح القصة ومنها "الحكاية" "الخزانة" "الخطاب السردي" "الاقصوصة" وظهر العديد من الدراسات النقدية التي تتناول هذه المصطلحات وترجم منها إلى العربية الكثير. من تقرير مباشر لامكان فيه للأسلوب او التفصيل، ومن المقطوعة ذات الشفافية إلى الحكاية الجادة.. ومهما كان السبب فقد تمنتعت القصة القصيرة دائما على أي تعريف ما عدا التعريف المتكرر وهو ان القصة القصيرة هي قصة قصيرة.
ان استخدام راحة اليد كقدح للإمساك بالقصة أمر صعب.
لقد اتفق الجميع على ان القصة القصيرة هي شكل فني حديث نسبيا ولد من شكل قديم، وان قص القصص مثل الحلم كان دائما وسيبقى ابدا جزءا من الحياة.
في كتابها "الاعتراف بالقصة القصيرة، تتناول سوزان لوهافر العديد من التعريفات والمفاهيم ليس هناك متسع لطرحها ولكنها جميعا تؤكد على ان القصة القصيرة شكل فني منفصل بذاته عن القصيدة وعن الرواية". وقبل ان نغوص في غاية الرؤى والتعريفات ننزع إلى الخروج بتعريف الدكتور محمد يوسف نجم للقصة القصيرة اورده في كتابه "فن القصة" يقول نجم ان القصة مجموعة من الاحداث يرويها الكاتب وهي تتناول حادثة واحدة. أو حوادث عدة تتعلق بشخصيات انسانية متباينة (..) وتختلف عن الأقصوصة في انها تصور فترة كاملة من حياة خاصة او مجموعة من الحيوات.. بينما الأقصوصة تتناول قطاعات او شريحة، أو موقفا من الحياة..".
اعتقد ان تعريفا كهذا رغم الاتفاق عليه ضمنيا يكون مربكا كونه يفرق بين القصة والاقصوصة من منطلق التناول الفني ومن ثم الطول والقصر والشكل.. فهل يمكن لنا ان نتغاضى عن مصطلح الاقصوصة الذي ترجمة صبري حافظ ونحن في محاولة لعرض بعض المصطلحات انما نؤكد الخلط والتعقيد الذي شاب مصطلح القصة لنخلص إلى الرؤية الفنية التي يرى منها النص هي التي ستحدد كنهة. روبرت شولز مؤلف البنيوية في الأدب يعرف القصة في كتابة "عناصر القصة" كونها Fictionm هي حكاية مختلفة وهذا التعريف يشمل مساحة تتضمن الأكاذيب الشخصية والنكات العرضية التي تسرد بوصفها حديثا بالاضافة إلى اعمال الرؤيا الابداعية كالفردوس والمفقود لميلتون وغيرهما. ومن تحليله لكنه المصطلح يقول ان الواقع Fact والخيال (أو القصة) Faction من المعارف القديمة والكلمتان مشتقتان من اللاتينية الأولى بمعنى الصنع او العمل، والثانية بمعنى الصنع والتشكيل. وفي الاستعمال العام تعبر الأولى عن الواقع والحقيقة والثانية عن الوهم والكذب.
ويقول شولز ان المكان الذي نجد فيه علاقة بين Faction, Fact هو التاريخ وكلمة التاريخ History نفسها تخفي معنين هما: الأحداث التي حدثت، والرواية المدونة عن الأشياء التي يفترض انها حدثت أي حوادث الماضي وحكاية هذ ه الحوادث أي الواقعة Fact والقصة Story التي تكمن في كلمة H.sory ويخلص شولز في النهاية إلى اننا نفكر بالقصة بوصفها مختلفة كل الاختلاف عن المدونات التاريخية نفكر في كونها اختلفت بوصفها نتاجا غير طبيعي وغير حقيقي للخيال البشري.
ومن شولز إلى (هـ بيتس) الذي يقول: "يمكن للقصة القصيرة ان تكون أي شيء يقرره الكاتب ابتداء من موت حصان إلى أول علاقة غرامية في حياة فتاة شابة. ومن صورة وصفية ادبية جامدة وخالية من الحبكة إلى نظام يتكون من حدث ودره، وعن قصيدة نثرية مرسومة إلى نموذج عن مصطلح Short story اما الفترة في محورنا باعتباره مصطلحا يدل على القصة القصيرة جدا: Shor – Short – story هذا ما سنتناوله قريبا انشاء الله
احمد سماحه