ديمقراطية القطار
رغم أن أساتذة فنون الحوار والخطابة، ينصحون تلاميذهم أن لا يبدءوا حديثهم مع الآخرين بنكتة، لاعتباراتٍ يسوقونها في تبرير نصيحتهم، فإنه ـ وعلى خلاف تلك النصيحة ـ تقفز نكتة أخوة الشهيد السبعة الذين أعطتهم الدولة سيارة (سعة سبعة ركاب) تكريماً لأخوَّتِهم للشهيد، شكوا لخالهم أن ليس هناك مردود ولا ربح من تلك السيارة، فلما أعلن شكوكه بأن السائق يسرقهم، بادروا على القول بأنهم لا يتركوا السيارة لحظة واحدة، فهم (السبعة) يركبون معه باستمرار! فاقترح عليهم تغيير السائق لأنه يجلب النحس!
جاء اقتحام تلك النكتة فسحة التفكير في الديمقراطية والتخلف الذي يصيب بلادنا العربية، من أن تساؤلاتنا لا تتوقف: لماذا لا نتقدم كبقية الشعوب؟
إذا كانت الحرية توحي لمن يسمع لفظها برحابة المكان وامتداد حدوده، فإن ما يعكر اكتمالها وجود القيود الكثيرة والتقنينات التي تسوقها وِفق مسارٍ بعينه يحدده من منح تلك الحرية لشعبه!
وعندما نقول قيود، فإنه لا يُفهم من حديثنا إطلاق الحريات بشكل يتنافى مع قوانين السماء والطبيعة، فترك الحرية لسوَّاق السيارات أن ينطلقوا عندما تكون الإشارة (حمراء) سيؤدي الى إزهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات، وترك الأطفال على (دلالهم) أن لا يذهبوا للمدارس، سيزيد في نسبة الأمية، والتجاوب مع الأطفال إذا صرخوا رافضين جُرعات التلقيح ضد الشلل والجدري سينشر مثل تلك الأمراض الخ.
المواطنون متساوون في فُرصهم بالتسابق على تَبَوُّء مراكزهم في التراتب الهرمي للمراكز الإدارية والسياسية والنقابية والبلدية وغيرها. هذا ما تَنُصُ عليه الدساتير في كل بلدان العالم ومن بينها بلداننا العربية.
لكن أن نرى ديمقراطية في العراق وفلسطين مثلاً، ونريد أن ندرب أنفسنا على التصديق بأنها (ديمقراطية) نكون نضحك على ذقوننا وعلى عقولنا، فالتسابق في ظل الاحتلال لتبوء المراكز القيادية أشبه ما يكون بالضحك على أسماك في حوض (زينة) أنها حرة في حركتها والتجول بين فقاعات الأكسجين والنباتات المصطنعة وحبيبات الطعام المُصنع، فكيفما تذهب السمكة ستصطدم بجدار ـ حتى وإن كان شفاف ـ وشفافيته هنا تفضح قلة عقل تلك الأسماك. نسيَ هؤلاء أنه لا حرية بلا تحرر.
أما في البلدان العربية الأخرى، فالديمقراطية تختلف من أحواض أسماك الى خطوط سكك حديدية، إن خرج عنها المرشح (يتدهور)، و تبدأ بمحطة المواطن وتنتهي بمحطة الحاكم، فهي مفصلة على هذا الأساس بصيغٍ لا تجلب الأكفاء، بل تجلب من يضمنون بقاء الحال على ما هو.. ومع ذلك يتسابق الناس على ممارستها رغم قناعاتهم بعدم جدواها..
ونسأل لماذا لا نتقدم؟