مجزرة الحداثة أم مجزرة"الحقيقة"؟! :
و"كلية البترول" و"أرامكو" قرأت مقالة – أو تقريرا!! حسب ما ورد في نصه – بقلم عبد الإله العبد الكريم .. بعنوان (دويلة أرامكو المستقلة!) .. وقد افتتح المقالة بهذه العبارات فقد أكدت التقارير الواردة بأن"مدينة أرامكو"ذات السيادة المستقلة،المحكومة من قِبَلِ عصابة من بعض المدراء المتنفذين الكبار،الذين يحكمون بقوانين الفسق والفساد الأخلاقي،قد أعطوا صلاحيات واسعة للموظفين بنشر مبادئهم وأفكارهم الهدامة،المخالفة للدين والخلق القويم كان سببها محاولات للخروج على ولي الأمر والعزم على اشتعال{هكذا} نار الفتنة بالمظاهرات كان الظاهر لنا منها (ثورة النساء – سأقود سيارتي بنفسي) ....){رابط المقالة}.في هذه الإشارة الأخيرة،إلى حملة (سأقود سيارتي بنفسي) .. يبدو الأمر – بعد تلك الرسالة التي أُرسلت لوزيرة الخارجية الأمريكية،والرسالة التي وصلت للسيدة التي قادت سيارتها من بعض أعضوات الكونجرس الأمريكي أيضا – أكبر من (استقلال أرامكو) بقراراتها ... كما أن وجهة نظري الخاصة أن إلقاء هذه التهم الكبيرة (يحكمون بقوانين الفسق والفساد الأخلاقي،قد أعطوا صلاحيات واسعة للموظفين بنشر مبادئهم وأفكارهم الهدامة،المخالفة للدين والخلق القويم) والتي تبدو عائمة .. وجهة نظري أن الأفضل هو الحديث الذي يركز على قضية محددة،وواقعة أو وقائع ملموسة ... من وجهة النظر هذه .. أنتقل إلى سبب كتابة هذه الأسطر ... فقد ذكرتني المقالة بكتاب للأستاذ علي الدميني .. تذكرت الكتاب مرتين!!! مرة بإلقاء (التهم) .. بل وإخفاء جزء من الحقيقة ... وذلك حين كبت يقول : (خلال "مجزرة الحداثة"التي قادها التيار الديني المتشدد،وساندتها الأجهزة الحكومية،وخاصة وزارة الإعلام،التي قامت بالتضييق على الملحقات الأدبية بينما سمحت بنشر وتوزيع الكتب التي تهاجم التيار الأدبي الحداثي،وتكفير رموزه الأدبية،واستعداء المجتمع ضده،وإقصاء الفاعلين من مواقع عملهم،حيث حرم الدكتور (سعيد السريحي) من نيل شهادة الدكتوراه من جامعة أم القرى،واضطر الدكتور عبد الله الغذامي إلى ترك عمله في جامعة عبد العزيز {هكذا} والانتقال إلى جامعة سعود {هكذا} بالرياض،وتم خلالها تحويل فوزية أبو خالد من العمل كأستاذة جامعية في جامعة الملك سعود إلى كاتبة أرشيف الوارد والصادر){ص 42 – 43 (علي الدميني ) / زمن للسجن .. أزمنة للحرية / بيروت / دار الكنوز / الطبعة الأولى / 30/11/2004}.من حيث المبدأ .. يأسف الإنسان لمضايقة (مثقف) بسبب وجهة نظر طرحها ... هذا مبدأ،ولكن ما يُؤسف له – أيضا - أن الكاتب ألقى الكلام كيف ما اتفق ... متجاهلا – على أقل تقدير – نصف الحقيقة الآخر ... فالذي نعرفه أن صوت (الحداثة) كان عاليا جدا .. في الصحف وفي الملاحق الأدبية .. ومن أبرز – إذا لم يكونا الوحيدين،على مستوى الكتابة الصحفية – من مكان يناهض تغول الحداثة،هما،الأستاذ محمد عبد الله ميلباري – رحم الله والديّ ورحمه – والأستاذة سهيلة زين العابدين حماد ... ثم توالت – لن أقول الفضائح – بعض المواقف .. منها حادثة (تمت) .. تلك العبارة التي خُتمت بها إحدى القصائد الحداثية المنشورة .. وقد أبدع أحد نقاد الحداثة في تحليل تلك العبارة .. أو شرح ما فيها من (إبداع)!! .. ثم اتضح أن العبارة ليست من القصيدة .. مجرد خطأ وقع فيه عامل (رص الحروف)!!! .. ثم جاءت بعض الاعترافات بإجبار بعض الشعراء الشباب على كتابة (قصائد حداثية) إن رغبوا في (النشر)!! .. وأخيرا .. يتحدث الأستاذ (الدميني) عن (التكفير) دون أن يميز بين نشر النقاد لـ(نص) ... والقول بأنه يحتوي على عبارات (كفرية) وبين (تكفير) شخص بعينه .. أما المرة الثانية التي تذكرت فيها كتاب الأستاذ (الدميني) .. فذلك عند حديثه عن (كلية البترول) .. أترككم مع (ذكريات) المؤلف .. مع لفت الانتباه إلى أنه يتحدث عن سنة 1968 للميلاد!! وهو يتحدث عن (سجنه) الذي وجد فيه "حسن السنان"الذي يعمل في كلية البترول منذ التحاقي بها في عام 69م {هكذا!!} مع عدد كبير من موظفي الكلية،الذين كان بعضهم ينتمي لحزب البعث،أو جبهة تحرير الحجاز،والبعض الآخر ينتمي (لجبهة التحرر الوطني)واستدعت ذكرى كلية البترول التي لا تنسى.وكما هو معروف،فقد أنشئت الكلية في عام 62م وافتتحها المغفور له الملك فيصل،وحاربتها أرامكو (الأمريكية). وقد أسسها المحروم (صالح أمبه)،لكي تكون أنموذجا لحداثة الصرح الأكاديمي والاجتماعي معا،حيث حرصت على تدرب الطالب على المشاركة في اتخاذ القرار من خلال الأندية العلمية والفنية والثقافية والرياضية،المستقلة عن تدخلات إدارة الكلية،وعملت على تشكيل أول (رابطة للطلاب) في بلادنا،يتم فيها إقرار مبدأ الانتخابات وإسهام الطلاب في تمويل أنشطتها،من رواتبهم باشتراك شهري،ويتم من خلال ذلك تكليف مجلس إدارتها (الطلابي) بتسيير كافة أنشطتها ورحلاتها،ومشاركاتها في الشأن العام.وكنت قد التحقت (بكلية البترول والمعادن) للدراسة في سبتمبر من عام 68م،{هكذا!!} لأجد نفسي في محيط أكاديمي واجتماعي جديد،يشبه الصدمة لطالب قروي قادم من جبال الجنوب. وبالرغم من أنني قضيت في جدة ثلاثة أعوام لإكمال دراسة المرحلة الثانوية في مدارس الفلاح – التي كانت من أوائل المدارس التي مولها الأهالي،وتحولت إلى مدارس حكومية في عام 66م،إلا أنني كنت كمن دخل المدينة في آخر الليل وخرج منها قبل أن يرى نور الصباح من (العزبة) إلى المدرسة ،وأعود ظهرا ولا أغادرها،منكبا على دراستي،حتى تخرجت منها وكأنني لم أغادر قريتي الجنوبية،محافظا، متزمتا،منطويا على ذاتي وقناعاتي،كقنفذ صغير.وفي الكلية وجدتني غريبا في بيئة اجتماعية منفتحة،وضمن محيط عالي التنظيم،والتحضّر،تشكلت فيه الجماعات المختلفة في كافة الحقول المعرفية والفنية والاجتماعية،ومنها (جمعية نساء الكلية) التي ضمت مدرسات اللغة الإنجليزية،وزوجات الأستاذة والموظفين الذين يقطنون سكن الحرم الجامعي. وقد دعت (الجمعية النسائية)،الطلاب والأستاذة والموظفين إلى حفل تعارف،درجت على إقامته مطلع كل عام دراسي. وحين دخلت الصالة الكبيرة،التي اكتظت بهذه الوجوه المختلفة والأزياء المتنوعة،أحسست بالغربة والتناقض،وهزني الخوف من اختراق السائد والمألوف،ووجدتني أتلعثم في الكلام،وأحني رأسي نحو الأرض،عندما تولى بعض الزملاء القدامى في الكلية،من أعضاء الرابطة،تعريفي على النساء.كن كثيرات،ومن هؤلاء أستاذة اللغة الإنجليزية (مسز هل) وعايشة الفاسي،زوجة عميد الكلية الدكتور صالح أمبه،ومليحة البريكي،وسواهن،حتى بلل العرق جبهتي،ووجدتني أخرج من الصالة متسللا بليل إلى السكن،وأنا أستنكر هذا الجو الغريب.كان الطلاب القدامى يتصرفون بشكل طبيعي،وكذلك الكثيرون من الطلاب القادمين من المنطقة الغربية ومن المنطقة الشرقية،أما أنا وبعض القادمين من الوسطى و الشمالية،فقد كنا خارج السرب،ونلوذ ببعضنا أمام هذا الطوفان العجيب. وبالرغم من تحدري من بيئة قروية،شغلت المرأة فيها موقعها الكامل في الحياة،إلا أنني قد انطويت منذ الصغر على خجل مريع ينتابني أمام النساء،وكنت أحسد كبار السن الذين كانوا يشاركون النساء (النقر على الزير) في حفلات الزواج،وأذهب إلى زجر بعض الشباب الذين يطلون من الأبواب والشبابيك على النساء،وهن يرقصن ويغنين في المناسبات السعيدة،وقد بلغ خجلي من النساء،درجة عالية من التشدد أو الهروب،حيث كنت حين أراهن عائدات بقرب الماء أو (حزم) العشب،في طرقات الجبال العالية،أفر إلى طريق مغايرة.هل كنت أكره المرأة إلى هذا الحد أم أخشى سطوتها عليّ بتلك الدرجة من الرهبة؟ {لماذا استبعد احتمال أنه (يشتهيها؟! مع احتمال "الكراهية" و"الخوف"؟!!}في الحقيقة أنني كنت وما زلت،أنطوي على مشاعر لا تحد من الحب للمرأة والاستمتاع بأحاديث النساء،وكنت في طفولتي،اجلس لصق جدتي لأنصت لأحاديثهن وحكاياهن،ولكن فقد الأم المبكر – في الخامسة من عمري – أورثني احتياجا مبكرا وعميقا لحنان المرأة،{مع أنه من المعروف أن "الجدة"قد تغدق من الحنان أكثر مما تفعل الأم!!} حتى دفعني للبحث عنه بكل السبل،ولعل ذلك الخجل الكامن في أعماقي،كان مجرد حجاب يستر افتضاح مشاعري نحو الأنثى،فدفعني إلى الهرب منها،ولعل مصداقية ذلك قد اتضحت لي فيما بعد،حين قالت لي إحدى الشاعرات في القاهرة إنه،بالرغم من ملامح البراءة والطفولة التي تشع من وجهك،إلا أن رغبات دفينة واضحة تتسرب من بين ثنايا تلك الملامح الطفولية! {هذا مصدر من مصادر "التعلم"عجيب!!.. امرأة تريد أن تقول له أن ينظر إليها (بشهوانية) ... }مضت الأشهر العجلى في الكلية،وأنا أقاوم صراع المحافظ القادم من القرية (بكرتونه)،مع مخاض التفتح في (المحيط الجديد)،وأذكر أن الطلاب رتبوا لرحلة سياحة إلى الأحساء،وحين ركبت (الباص) فتح أحد الطلاب الجالسين بجواري حقيبة ملابس وأخرج منها مسجلا،فارتفع صوت الموسيقى الغربية،فلم أتمالك نفسي،فنزلت من الباص عائدا إلى غرفتي.ولكن أسور المحافظ لم تلبث أن تكسرت رويدا رويدا،حتى وجدتني في العالم التالي أنظّم {هكذا بالظاء!!} إلى نادي الموسيقى،وأبدأ تعلم العزف على (الكمان). ورغم فشلي في التعلم إلا أن الخطوة،كانت علامة على كسر جدران الممانعة،والخروج من قوقعة الإلف والاعتياد،{يا لهذا التعليم "الوهابي"كيف عجز .. بعد 12 سنة من التعليم من جعل "التلميذ"يفرق بين أمر "محرم"أو فيه قول بذلك .. وبين الإلف والاعتياد!!!!} وبداية دخول إلى العالم الجديد بكل تفاصيله الممتعة والجارحة أيضا.انكسرت حواجز الخجل تجاه المرأة وإزاء الآخرين،وعملت موظف استقبال في سكن الطلاب،حيث كانت الكلية قد انتهجت سياسة تدريب الطلاب على العمل في أوقات فراغهم،لتهيئتهم للحياة العملية،ولإتاحة الفرصة أماهمم لتحسين الدخل الشهري. وكنت أستقبل الزوار والمكالمات،الخاصة بالطلاب،ومن خلال تلك الاتصالات تعرفت على فتاة أمريكية من أرامكو،واستفدت من العلاقة معها في تطوير لغتي الإنجليزية {تهانينا}وتوقفت معها أمام كلمة (Twin)،حتى فهمت أنها تعني توأم.لقد كانت (كاثي) توأما لأخت أخرى،فتخيلتها ناحلة الجسد،قصيرة في مثل طولي،ولكنني حين واعدتها للالتقاء أمام سينما أرامكو في الظهران،رأيت تمثالا ضخما،لفتاة تشبه المصارعين،وتذكرت المتنبي حين قال:ربحلّة،أسمر مقبلها سبحلّة،أبيض مجردها (وربحلّة،وسبحلّة،هي الجسيمة الطويلة العظيمة) ضحكنا لهول المفاجأة،فهي الأخرى كانت تتخيلني شابا عملاقا تضع رأسها على صدره،وأدركت حينها سر تهرب زميلي منها،ومع ذلك استمرت العلاقة الهاتفية. وفي اللقاء الثاني طلبت مني مرافقتها للمشي في فناء يقع خلف مبنى السينما،وحين جلسنا على كرسي خشبي قديم،أحنت وجهها إلي لتقبلني،ولكنني لمحت عددا من عمال الصيانة السعوديين يقتربون من مكاننا فابتعدت من شفتيها.خسرت حلم حرارة أول قبلة في حياتي،وحين وصل العمال إلى موقعنا عرفت اثنين منهم كانا من جماعتنا. تلعثمت وسلمت عليهما،وسألني أحدهم {هكذا} بخبث : لعلك تذاكر دروسك مع الأمريكية!وقال الآخر : انتبه لدراستك،ولا تغريك هذه (الشمروخة)،التي ما تركت شابا إلا تعقلت به!لم أستطع النظر إليهما،وغادرت المكان دون أن أودع (كاثي)،وقررت أن أقطع علاقتي بها.وفي فصل الصيف،لم أغادر مع الطلاب إلى قريتي،وإنما عملت في (سنترال) الكلية،وهنا تكسرت حواجز الخجل،وهطلت أمطار المهاتفات مع بدء تشغيل شبكة الهاتف السعودي،وتنقلت المشاعر من مدينة إلى أخرى،واستقرت على حب خرافي محروم،أشعل القلب بالشعر،ودوّن حروف العشق والسهر،وأدمن أغاني (فيروز)،وطال تأثيره قدرات التحصيل الدراسي،وعشت فيه أول تجربة حب حقيقية مع (نهاد)،تجاوزت حاجات الرغبات الجسدية،إلى مسارح الروح والتصوف ولذة الألم والدموع.طوانا الزمن في رحلته الطويلة،واحتفظنا منه بالذكريات الدفينة،التي لا تكف عن الحركة،كلما عبرنا الأبواب القديمة،وشممنا روائح الأحباب،أو فاجأتنا الوجوه القديمة،ولكن ما الذي جاء بـ(حسن سنان) هنا وقد اعتقل في عام 69 وأمضى مع آخرين عدة سنوات في سجن جدة؟ ){ص 44 - 48}. لا يحتاج الأمر إلى تعليق .. إنها نفس الصورة المكررة .... تجاهل وجود (مقياس) يقاس به الحق والباطل .. غير (واقع الناس) ... أو (شهوات النفس) إضافة إلى ... (عباءة) ضخمة تغطي (واقعا) يخالف .. بل يناقض أحيانا .. ما يقال في العلن .. وما تنص عليه (القوانين) أو (الأنظمة)!!!! أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 18/7/1432هـ Mahmood-1380@hotmail.com --
╣☼╠ قــــــ magd ـــــــروب ابـــــــ abu ــــــــوماجد ╣☼╠