اسمح لي أن أتغلب عليك!
في الألعاب الرياضية، تضع الهيئات القائمة على تنظيمها، قواعد ولوائح لضبط سير اللعبة. فبالملاكمة مثلاً، يمنع الضرب تحت مستوى الحزام، وفي كرة القدم يمنع التسلل من وراء خطوط الدفاع، وفي المصارعة يمنع أن يتصارع من كان وزنه 90كغم مع من يزن 50 كغم، وهكذا وكل ذلك معروف لدى الجميع.
في ألعاب الأولاد في الحارات، تتفاوت أعمار اللاعبين، ويضعون لوائح شفوية لا يتم تطبيقها على (صاحب الكرة) كي لا يأخذ الكرة ويعود لبيته مفسداً الأجواء على أترابه، ويُغض النظر عن كل ولدٍ شرير، وإن طُبقت اللوائح على بعض المستضعفين من الأولاد، فإنهم يقبلون بها على مضض، ولكنهم يتمتمون بكلمات تدل على عدم الرضا.
في لعبة السياسة في بلادنا، يُخلق المرء وقد وجد دولة تلفها هالات من عدم الشرعية، فمن وضع الدستور؟ ومن كلف من وضعه بوضعه؟ ومن اختار الحاكم؟ ومن الذي يعاونه؟ ومن يضع القوانين؟ وهل من وضعها يتمتع بالأهلية والنزاهة؟ أسئلة كثيرة يطرحها الفتى بأول وعيه وتأخذ بالهبوط أولاً بأول، كأنها كرة قُذِفت للأعلى وأخذ ارتفاعها يهبط بعد كل مرة تصطدم في الأرض حتى تسكن..
ترتفع الأصوات، أطلقوا الحريات، اسمحوا للمواطن أن يقول ما يحلو له بعد أن يتربى بقناعة على حب الوطن. ثم تهبط قليلاً، اتركوا للصحافة والإعلام أن تؤشر على بؤر الفساد، فهذا لصالح الدولة والوطن والمواطن، ثم تهبط أفرجوا عن الصحافي فلان، ثم يتم الإفراج عنه ولكنه لن يلقى صحيفة للعمل بها!
تفسر الدولة المطالبة بإطلاق الحريات وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات فكرية وأدبية وخيرية، أن ذلك سيجعل الدولة أمام مشرحة المواطنين، وبالتالي فإن عوامل الجذب للمواطنين كي يلتفوا حول تلك المؤسسات ستكون واردة، وهذا سيجعل من الصعب التغلب عليها مستقبلاً.
تعتقد الدولة (المجتمع السياسي الحاكم) أن الأرض ملعباً لها، وأن مقدرات الوطن هي ملكها كملكية صاحب الكرة، ومن أراد أن يلعب وِفق لوائح الدولة وتحكيمها (هي) فمرحباً به، ومن لا يريد ذلك فعليه أن يعلم أنه لا يجوز أن يطلب من خصمه أن يسمح له بالتغلب عليه!