حول المشاركة الفلسطينية في مؤتمر هرتسيليا/ مصطفى ابراهيم
23/6/2017
في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الفلسطينية صراعاً على كسر الإرادات باتخاذ قرارات غير مسبوقة وقاسية، وتتشدد القيادة الفلسطينية بفرض عقاباً جماعياً ضد قطاع غزة وتقدمت بطلب للحكومة الاسرائيلية بتقليص كمية الكهرباء الى القطاع، يعقد في اسرائيل مؤتمر هرتسيليا الـ ١٧ بعنوان فرص إسرائيل.
يبحث المؤتمر في الفرص والمخاطر التي تواجه إسرائيل في عامها الـ ٧٠، ويعتبر أحد أهم المؤتمرات في إسرائيل، والتي تحدد فيها السياسة الإسرائيلية والإستراتيجيات المختلفة، وبه أيضًا تقاس نجاعة السياسات السابقة والخطوات التي أخذت.
ومن أهداف هذا المؤتمر أنه يحدد جدول الأعمال الإستراتيجي للدولة العبرية، ويشكل المؤتمر مرجعية للبحث في السياسات العملية وتحديد الأولويات للمشروع الوطني الصهيوني. ويشارك فيه مختلف الوزراء، مثل وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ووزير المالية، وقادة الأجهزة الأمنية ونخبة من الأكاديميين.
وكان المؤتمر الـ ١٦ عقد بعنوان هوية إسرائيلية، وسعى مؤتمر هرتسليا عام ٢٠١٦ إلى تعزيز الهوية الإسرائيلية الجامعة وتسويقها عالمياً، وحشد لذلك نخبة من المسؤولين الأمنيين والسياسيين وعلى رأسهم رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، الذي قال خلال خطابه إن على إسرائيل تكوين هوية إسرائيلية عالمية مشتركة، ودمج العناصر الأربعة في المجتمع، العلمانيون، اليهودية الحديثة، اليهودية المتشددة والعرب، بحيث تتكون شراكة مجتمعية، قائمة على بناء الهوية الإسرائيلية، لدعم مفهوم الوطن القومي.
وكان ولا يزال المؤتمر منصة إطلاق مشروع وطن بديل للفلسطينيين وعلى مدار أعوام، سخّر مؤتمر هرتسليا منصة لإطلاق ودفع مشروع سيناء، وطن بديل للفلسطينيين. إذ تكررت الأوراق البحثية والتوصيات التي تشدد على نجاعة خيار نقل الفلسطينيين إلى سيناء ومنحهم دولة مستقلة، وضم الضفة الغربية المحتلة للسيادة الإسرائيلية.
وتصر القيادة الفلسطينية على المشاركة في المؤتمر الأكثر تخصصا في رسم السياسات الصهيونية لاستكمال بناء المشروع الصهيوني، وكأنها تمنح اسرائيل شرعية سياساتها وخططتها وتحقيق أهدافها الاستعمارية في حضور المؤتمر الذي يشرعن احتلال فلسطين. المشروع الوطني الفلسطيني يمر بأسوأ مراحله ومرور ١٠٠ عام على وعد بلفور و٧٠ عاما على النكبة و٥٠ عاما على استكمال احتلال ما تبقى من فلسطين القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، و١٠ أعوام على الانقسام الفلسطيني وحصار قطاع غزة المستمر.
والحال الفلسطيني في تدهور مستمر وبدل من البحث في مستقبل المشروع الوطني وعقد مؤتمرات وطنية وجلسات حوار ونقاش وطني لمواجهة التدهور وآفاق المستقبل ومخاطر تصفية القضية الفلسطينية، والاستفادة من تجربتهم التاريخية، وما وصلوا اليه من أحوال كارثية وفحص نجاعة سياسة التيه الذي يعيشون فيه، ومواجهة الاحتلال والعنصرية وعملية التزييف التاريخي الذي تقوم به اسرائيل. يستمر الفلسطينيون في تعميق الانقسام، وحضور مؤتمر هرتسيليا الذي يبحث في الشأن الداخلي والخارجي والتحديات التي تواجه المشروع الصهيوني ويرسم سياسات ويضع خطط لاستمرار المشروع الصهيوني وديمومته والسيطرة على ما تبقى من فلسطين.
وصل الامر درجة الانهيار والانحطاط الوطني والاخلاقي، بأن تكون فلسطين شاهدة على ذبحها، وتحضر فلسطين المحتلة كملف أمني إسرائيلي داخلي يناقش من قبل المسؤولين السياسيين الاسرائيليين، والضحية تبحث، وتشاهد ذبحها وسلخها، وتكون قيد البحث في توزيع ما تبقى منها.
المشاركة في مؤتمر هرتسيليا كأنه إعلان إعتذار لدولة الاحتلال عن إحتلالها وجرائمها وحصارها، ويمنح إسرائيل صك البراءة عن إحتلالها، ويمنحها شرعية لذبح الفلسطينيين، وايضاً شرعية دولية تخلصها من كونها دولة إحتلال والتنكر لدماء الشهداء، ونبذ المقاومة والعمليات الفدائية وشرعنة التنسيق الأمني والإضفاء عليه بعداً وطنياً.
نحن أمام اختبار الجدارة الوطنية، وهذا الإنهيار الوطني غير المبرر الذي يتزامن مع التشدد في عقاب غزة بذريعة استعادة الوحدة الوطنية، ويفقد منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها الوطنية والأخلاقية، ومبرر وجودها كحركة تحرر وطني ممثل للفلسطينيين، وتتماهى قيادتها مع الإحتلال من خلال مصالحها بادعاء مد اليد للسلام والتعايش مع الجيران بدونية لا تعبر عن شعب يسعى للحرية ويناضل من أجل تقرير المصير.