الحيلة في شرف الوسيلة
قال تعالى: ( وفي السماء رزقكم وماتوعدون . فورب السماء والأرض إنه لحقٌ مثلما أنكم تنطقون )
هناك قول : ( لاحيلة في الرزق ) والعنوان الذي قدمته لذلك الطرح هو ردي على ذلك القول
هناك حيلة في الرزق هي اختيار الوسيلة الشريفة لتحصيله ومراعاة الآداب التي حضنا عليها ديننا الحنيف عند قيامنا بتحصيله
ويتبادر للذهن العديد من الأسئلة حول ذلك الطرح :
أرجو من كلٍ منكم إخواني أن يسأل نفسه إياها
1 ـ هل تؤمن فعلاً قولاً وعملاً أن رزقك في السماء مكتوب قبل أن تكون لن يزيد أو ينقص مهما سلكت الدروب وخضت الحروب لتحصيله ؟
( وعلمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي )
2 ـ هل تؤمن حقاً أن دورك في تحصيل الرزق هو في اختيارك للوسيلة فقط لاأكثر ؟ وذلك يجنبك السعي وراء المطامع التي تشوبها الشوائب
3 ـ إذا كان رزقنا في السماء وماعلى الإنسان إلا اختيار الوسيلة الشريفة لتحصيله إذاً لماذا نجد من يأكلون الحرام وينهبون الأموال ويحملون أنفسهم أوزار ظلمهم للناس ولو صبروا لجاءتهم تلك الأرزاق من حلال بلا وزر
تحضرني هنا قصة كان يقصها علينا مراراً والدي رحمة الله عليه يعلمنا من خلالها معنى ( أن من ترك شيئاً في الحرام عوضه الله به في الحلال )
فيجب علينا أن نسلك فقط المسالك الشرعية لتحصيله لأنه آتٍ آت لامحالة
فقال : كان هناك سارق ضاقت به فعاله الشائنة ويبدو أن الله قد كتب له أن تحين ساعة توبته وعودته إليه فدخل المسجد وتوضأ وجلس بعد الصلاة لجلسة شيخ فقيه يعلم تلاميذه فوجده يقول لهم ( من ترك شيئاً في الحرام أبدله الله إياه في الحلال ) فوعى منه ذلك وخرج من المسجد وفي الليل أحس بالجوع وأراد أن يسرق كعادته ليسد جوعه فتسلق منزل سيدة تقطن فيه بمفردها دون زوج أو ابن فدخل مطبخها بعد أن تحصل على كيس نقودها وذهبها من غرفتها وهي نائمة فوجد قدراً به لحم مطبوخ فتناول لقمة من الخبز ووضع عليها قطعة من اللحم وعندما قرب بها من فمه رن في أذنيه قول الشيخ ( من ترك شيئاً في الحرام أعطاه الله له في الحلال ) فارتدع ورجع وترك اللقمة وبها قطعة اللحم على غطاء القدر وأعاد كيس النقود والذهب لغرفة السيدة و كانت قد أحست بوجود السارق ولكنها أغمضت عينيها وافتعلت استغراقها في النوم خشية انتقامه منها فلم ترى ملامحه وترك السارق المنزل وغادر
في تلك الليلة لم تذق السيدة طعم النوم ودهشت من أن السارق لم يسرق شيئاً وعزمت على شيء إذا أتى الصباح
وعندما أعلن المؤذن من فوق مئذنة المسجد دخول وقت صلاة الفجر كان السارق مؤرقاً جائعاً لم يستطع هو الآخر النوم تنتابه أحاسيس عديدة نحو التوبة والإنابة والاستقامة فتوجه إلى المسجد بعد أن توضأ وبعد الصلاة جلس في مجلس الشيخ كعادته في الأيام الأخيرة وراح يستمع للدرس والوعظ وإذا بسيدة تستدعي الشيخ عند باب المسجد وتسر له بكلمات والتلاميذ ينتظرون شيخهم وذلك السارق في رعب أن تكون تلك السيدة قد عرفته فتكشف للشيخ أمره فيفتضح بين تلاميذه
ولكن عندما عاد الشيخ قال : ياإخواني من منكم من لم يتزوج فتلك السيدة تريد الزواج من رجل صالح يحضر دروس العلم ويحافظ على الصلاة ؟
فكان هو الوحيد في الجلسة الذي لم يتزوج بعد فزوجه الشيخ للسيدة في حضرة الشهود وذهب معها لمنزلها وقد عقد العزم على التوبة والاستقامة وفرحت السيدة بذلك فرحاً شديداً وقبل أن يمسها قالت له ياهذا إنك الآن زوجي ورجلي ومدت يدها في الخزانة وجاءت بكيس النقود إليه وقالت : فخذ هذا الكيس به نقود وذهب فاتجر فيه أو أصلح لك به عمل أو دكان أو ورشة كما تشاء وأنا الآن سأذهب لأعد لك الطعام نتناوله معاً
فقال لها وهو يبتسم ابتسامة من تحقق من صدق مقولة الشيخ : لا بل نذهب لتناول الطعام سوياً في المطبخ . فتعجبت من ذلك ولكنها لم تشأ أن تسأله عن السبب فيظن أن ذلك سوء أدب منها
وعندما ذهبا إلى المطبخ نظر للقمة وقطعة اللحم الموضوعة على غطاء القدر وتناولها بيده ووضعها في فيه وهو يتمتم ( نعم قد صدق الشيخ ) وقد بقيت اللقمة على حالها طوال ليلة البارحة وعقد العزم من داخله ألا يعود للسرقة أبداً مهما طال به العمر .
والآن نختم أعزائي بسؤال هام :
ماذا تقول عزيزي العضو عزيزتي العضوة لمن يستعجلون في تحصيل أرزاقهم فيسلكون طريق الحرام عقيدة منهم بأن الرزق شطارة وتحصيله مهارة ؟
أرجو تفاعلكم إخواني مع تلك القضية الهامة جداً في حياة كل حي
إسماعيل إبراهيم