كتاب الفكر السياسي الفلسطيني من 1963 – 1988
تأليف د. غازي حسين
أدلة إدانة لمحاكمة نهج التفريط والانحراف
عرض ومناقشة: محمد مباركة*
لماذا هذا الكتاب الآن؟
من بين تلك الكتب النادرة، أو القليلة، يقف كتاب سياسي وعلمي/ تأريخي هام صدر مؤخراً (أواخر عام 1993) في دمشق بعنوان الفكر السياسي الفلسطيني 1963 ـ 1988 وعلى الغلاف الداخلي كان هناك عنوان فرعي لعلّه الأهم، إلا أن ظروفاً تحكمت في اختفائه من صدارة الغلاف الأول، وهو (نظرة في مواقف وممارسات ياسر عرفات) بل إن الباحث والقارئ للكتاب سيكتشف في متن الكتاب، وفي بداية الباب الثاني تحديداً عنواناً ثالثاً، قصده المؤلف وهو (ياسر عرفات البداية والنهاية/ من التوريط إلى التسوية) (ص77).
والمؤلف د. غازي حسين، مناضل وسياسي فلسطيني، عركه الواقع الكفاحي للشعب الفلسطيني، منذ ولادته في بلدة (سلمة) قضاء يافا عام 1938، وسط ذروة الأحداث والمعارك والثورات الفلسطينية، وذاق مرارة اللجوء والتهجير مع أسرته إلى مدينة /نابلس/ في الضفة الغربية خلال العدوان الصهيوني المحتل لفلسطين عام 1948. ودرس في ألمانيا الحقوق بعد أن حصل على الشهادة الثانوية من (كلية النجاح الوطنية) في نابلس، وحصل في ألمانيا على شهادات الماجستير في الحقوق، والدكتوراه في القانون الدولي، والدكتوراه في العلوم الحقوقية...
وقد تسلم عدداً من المناصب الهامة والحساسة، فقد عمل كمستشار في القصر الجمهوري بدمشق، وكممثل لـ م. ت. ف لدى الحكومة النمساوية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووكالة التنمية الصناعية (بونيدو) في فيينا من عام 1977 ـ 1981 وهو حالياً يعمل كمستشار قانوني للدائرة السياسية في م. ت. ف بدمشق منذ عام 1981، ونشر عدداً من الكتب والأبحاث الهامة في القضايا الوطنية والقومية، تناول فيها وفي إطار اختصاصه، قضية فلسطين، والحركة الصهيونية/ العنصرية.
ومن خلال مواقعه ومهامه استطاع المؤلف الحصول على نصيب وافر من المعلومات، كما واكب شخصياً الأحداث السياسية والنضالية، وتابع مجريات القضية الفلسطينية بجميع جوانبها، لكنه كان يصطدم دائماً بموقف قيادة م. ت. ف وبشخص رئيسها (ياسر عرفات) ففي منتصف السبعينات، وكان ممثلاً للمنظمة في فيينا، أُصدر د. غازي حسين بياناً صحفياً استنكر فيه الاتصالات (السرية والعلنية) التي كانت تجريها قيادة (فتح والمنظمة) مع الإسرائيليين والصهاينة، مما أثار عليه غضب تلك القيادة.. وتهديداتها أيضاً...
لقد استطاع المؤلف من خلال عمله ومواقفه، أن يرصد ويتابع ويبوب ملفاً كاملاً عن العلاقات المشبوهة التي كانت قيادة المنظمة تجريها سواء في فيينا، أو بودابست أو براغ أو في القاهرة وتونس والجزائر والمغرب، وحتى في بيروت أثناء الحصار عام 1982، مع رموز في قيادة العدو (إسرائيلية ـ صهيونية ـ يهودية).
من هنا، فإن كتاب د. غازي حسين الذي يتابع فيه مهمته الوطنية والقومية في فضح آلية العمل السياسي والعسكري الفلسطيني داخل أطر م. ت. ف منذ مراحل تشكلها ولغاية إعلانها قيام (الدولة الفلسطينية) في المجلس الوطني التاسع عشر الذي عقد عام 1988 في الجزائر، هو سجل تأريخي، ووثيقة قانونية، صيغا بأسلوب علمي واضح، وسهل ومشوق، ففيه يكشف عن الأسباب التي أدت إلى الهزائم والنكبات، ويوضح عوامل الضعف والانحلال، ويفضح رموز التفريط والانحراف، مشيراً إلى أن كل ذلك كان يؤدي إلى ما تم مؤخراً بين قيادة م. ت. ف. ممثلة بشخص رئيسها ياسر عرفات والعدو الصهيوني المحتل، حيث تم «الاعتراف بإسرائيل» وخرج أول اتفاق معها (اتفاق أوسلو 13/9/1993) وقعه طرف فلسطيني في السر وبعيداً عن الجماهير والمؤسسات والأطر القيادية الفلسطينية، مما شكَّل خروجاً عن الثوابت الوطنية والقومية، وانتهاكاً فاضحاً وخطيراً للميثاق الوطني الفلسطيني، وللبرنامج السياسي للمنظمة، فاتفاق (أوسلو) التفريطي الذي وقعته (قيادة عرفات) أضر بقضية فلسطين، وشكل تنازلاً عن الحقوق الشرعية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وهي حقوق أكدتها قرارات ومواثيق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بل إن هذا الاتفاق الصفقة، اعتبر انتهاكاً للمحرمات الوطنية والقومية، فهو أعطى للمحتلين الصهاينة صك الاعتراف باحتلالهم لفلسطين، وهي جوهر ومركز النضال الوطني والقومي في الوطن العربي فهل كانت صفقة (أوسلو) منعزلة عن أسبابها، أم أنها جاءت كنتيجة طبيعية للممارسات التي سادت طوال ربع قرن من العمل السياسي الفلسطيني، والعربي، أيضاً؟!
هذا ما يحاول هذا الكتاب ومن خلال صفحاته الـ (493) أن يجيب عليه، ومن هنا قيمته وأهميته، بل وحتى ضروريته لكل فلسطيني وعربي، قارئ وباحث ومؤرخ، وفي مواقع الكفاح والعمل كافة.
كيف عرض المؤلف كل هذا؟
بطبيعة الأمر، فإن القضايا التي تناولها المؤلف، على أهميتها وكبرها، كان يصعب الإحاطة بها من كل جوانبها، تفصيلياً، لكن براعة المؤلف/ الحقوقي، إنه استطاع أن يصيغ مرافعة سياسية هامة، ليحاكم بها، ليس فرداً واحداً، كما قد يظن البعض، بل ليحاكم نهجاً كاملاً، له رموزه، وشخصياته، وآليات عمله، أنه يحاكم هنا، نهج التفريط والانحراف، نهج التسلط والتفرد واستئثار القرار، أنه يحاكم في النهاية مرحلة تاريخية هامة من حياة وكفاح شعبنا العربي الفلسطيني حين يدين رموزها، ويفضح علاقاتها، فكيف عرض المؤلف مرافعته؟.
لعل قراءة كتاب، أو حتى التفكير بتأليفه، على هذا النحو، وبهذه الضخامة، حوالي خمسمائة صفحة، يلزمها كثير من الصبر، والتأني، وإعادة النظر، والتفكير ملياً، فما يطالعنا هنا، ليس كلمات وجملاً، أو عناوين برَّاقة لمواضيع شيقة، بل يطالعنا، فكر نضالي وطني شريف ونقي، مقابل نقيضه، وتطالعنا قضايا شائكة يجري تمييعها على حساب قضية مقدسة ستحرق بنارها من يتلاعب بها، إنها قضية فلسطين شعباً وأرضاً ومصيراً.
هذه القضية التي رهنت لها أمتنا العربية، وطوال القرن الماضي كل طاقاتها وإمكانياتها، وسط ظروف إقليمية ودولية صعبة وشائكة ودائمة التغير والتحول، وبالتالي فإن قضية فلسطين، كونها شكلت الماضي النضالي لحركة النضال العربي، فهي ستحدد أيضاً حاضر ومستقبل هذا النضال...
في إطار هذا الفهم، استطاع المؤلف أن ينسج خيوط كتابه الذي جاء في ثمانية أبواب، وحوالي أحد عشر فصلاً، طال بعضها حتى استغرق حوالي (78 صفحة) الباب الثالث وقصر بعضها واستغرق (21 صفحة) الباب الرابع، في حين تراوحت بقية أبواب الكتاب ما بين الثلاثين صفحة حتى الستين صفحة.
في المقدمة والتمهيد (حوالي8 صفحات) يؤكد المؤلف أنه كان بصدد نشر كتابه عام 1987 لكن ظروفاً حالت دون ذلك، مشيراً إلى أن هدفه هو «تنبيه المواطن الفلسطيني والعربي إلى النتائج المدمرة التي تسير فيها قيادة ياسر عرفات وتعرية انحرافها» ويعتبر المؤلف أن كتابه هذا هو «الأول من نوعه الذي يلقي الأضواء والوثائق والحقائق والأرقام على بداية الانحراف في الساحة الفلسطينية» مؤكداً أن «أزمة الثورة الفلسطينية تكمن في قيادتها المنحرفة»(ص11)..
وبحس المسؤولية الوطنية والقومية، يمهّد المؤلف لكتابه للأعراض للتاريخ السياسي لقضية فلسطين فمن يجهل ويتناسى جذورها وعدالتها «لن يعرف الحل الصحيح أو الموقف الصحيح»(ص15) فيتناول في التمهيد (5 صفحات) أبرز الأحداث السياسية والعوامل التي أدت إلى نكبة فلسطين، كبروز الحركة الصهيونية، وانكشاف مخططها الاستيطاني الاستعماري لفلسطين وتهجير يهود العالم إليها، وكمساعدة الغرب الاستعماري للصهاينة في تحقيق أهدافهم، وعرض لاتفاقية سايكس ـ بيكو، ووعد بلفور، والمراحل التي أدت سياسياً إلى بلورة قضية فلسطين، كقضية حق في مواجهة باطل وكقضية شعب في مواجهة محتليه، فعرض بشكل موجز للثورات الوطنية الفلسطينية ضد الأطماع الصهيونية وحكومة الانتداب البريطاني، كما رصد حركة النضال العربي في فلسطين، وعرض لملامح الهزائم التي حلت بالأمة في مواجهة عدوها الاستيطاني التوسعي مؤكداً «أن التخلف العربي هو السبب الأهم في النكبة» (ص19) منبهاً إلى أن الخطر الصهيوني المحتل لفلسطين، لن يوقف مخططه الاستعماري التوسعي، فهو يسعى لتحقيق الغزو الثقافي والاقتصادي لكافة الأقطار العربية «مما يجعل التحدي الإسرائيلي القادم أفدح وأخطر من المراحل الماضية»(ص19).
في الباب الأول للكتاب (حوالي 51 صفحة) عرض د. غازي حسين قضية فلسطين من خلال تناوله للنضال الفلسطيني قبل تأسيس م. ت. ف (عام 1964) وهو بذلك وفي لتمهيده، لأنه بالأساس هو معني بالمرحلة التاريخية التي بدأت بتشكيل م. ت. ف وحتى عام 1988، وهنا نرى أن المؤلف يحاول إحاطة القارئ بالظروف التي أدت إلى تشكيل م. ت. ف مذكراً بأن النضال الفلسطيني لم يبدأ بها، بل كان سابقاً عليها، ويعرض المؤلف للحياة السياسية العربية في فترة ما قبل تأسيس المنظمة، فيقف عند مواقف (حزب البعث العربي الاشتراكي وقضية فلسطين) مشيراً إلى أن الحزب أولى قضية فلسطين اهتمامه الأول منذ تأسيسه «حيث أخذت حركة البعث التي ظهرت في سورية في بداية الأربعينات تتصدى للهجرة اليهودية والأطماع الصهيونية في فلسطين كأول حركة سياسية في الوطن العربي»(ص39).
دراسات:
كما عرض المؤلف في فصله الأول من هذا الباب لموقف حزب البعث من الكيان الفلسطيني حيث «حث لإخراج الكيان الفلسطيني إلى حيز الوجود» رافضاً «مشاريع التوطين» مطالباً باختيار قيادة فلسطينية واعية ثورية معتبراً في بيان صدر عام 1959 أن «فلسطين جزائرنا الثانية.. وأن حل قضية فلسطين لا يمكن أن يكون إلا ثورياً شاملاً» (ص46) وفي مؤتمرات الحزب، وفي المؤتمرات العربية كان موضوع «الكيان الفلسطيني» أبرز القضايا المطروحة، وفي عامي 1963 ـ 1964 بدأت الجامعة العربية النظر بشكل جدي لإبراز الكيان الفلسطيني، وكان حزب البعث قدم (مشروع كيان فلسطيني) للمجلس الفلسطيني الأول الذي انعقد في أيار 1964 في القدس (ص48) وتحت عنوان (الناصريون والكيان الفلسطيني) يرى المؤلف أن الحديث عن الكيان الفلسطيني ازداد مع بروز دولة الوحدة بين مصر وسورية عام 1958، وتمت محاولات لتوحيد (الاتحاد القومي الفلسطيني) في قطاع غزة ومصر وسورية بترحيب من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. وقبيل تأسيس م. ت. ف تبلورت ثلاثة تيارات سياسية شكلت قضية فلسطين محور نضالها وهي: «اتجاه قومي قاده حزب البعث.. وتيار قومي بزعامة القوميين العرب.. واتجاهات وطنية ومستقلة أبرزها حركة (فتح)» (ص51)...
في الفصل الثاني من الباب الأول يعرض المؤلف في (16 صفحة) لتأسيس م. ت. ف. والمؤتمرات والمجالس الوطنية التي عقدت بشأن ذلك في القدس وغزة ودمشق، وكذلك لتأسيس جيش التحرير الفلسطيني عارضاً الميثاق القومي والنظام الأساسي للمنظمة، وشارحاً للأطر القيادية والمؤسسات التابعة للمنظمة، وهذا الفصل رغم أهميته، إلا أن مصادر أخرى أكثر توثيقاً يمكن الرجوع إليها بهذا الشأن وفي الحقيقة يمكن اعتبار الباب الثاني (36 صفحة) من هذا الكتاب هو البداية الفعلية لما يريد المؤلف عرضه من قضايا، وما سبق هذا الباب ربما اعتبر مدخلاً لفهم ما سوف يعرض لاحقاً، ولوضع القارئ في جو الأحداث، والسير به في تسلسل تاريخي حتى تتوفر لديه المعلومات ويصبح على يقين من أن أدلة المؤلف التي سيعرضها هي «أدلة إدانة» لهذا النهج في قيادة العمل النضالي الفلسطيني، لذلك لم نستغرب أن يكون العنوان الثالث لهذا الكتاب قد تصدر هذا الباب الذي حمل العنوان التالي: (ياسر عرفات، البداية والنهاية ـ من التوريط إلى التسوية) وهي لعمري طريقة ذكية وبارعة في عرض الحقائق وتسلسلها، حيث ينبهنا المؤلف هنا بأن فصول كتابه لا زالت متسلسلة، فيبدأ الفصل الثالث مع بداية هذا الباب، وفي حوالي (28 صفحة) يعرض المؤلف (لحركة فتح) كيف تأسست وممن وما هي الأهداف من تأسيسها كحركة تحرير وطني فلسطيني، عارضاً لبداية الأزمة في هذه الحركة ما بين فرع الكويت ودمشق، منبهاً لقضية اشتباه بعض القيادات في فتح وفي وقت مبكر بشخص ياسر عرفات، وطلبها الاستفسار عن سفره إلى قبرص بشكل سري. ويقف المؤلف عند وضوح «الخطر» التآمريوالتصفوي من خلال تصفية عرفات للضابط الفلسطيني (يوسف عرابي) مؤكداً أن أزمة قيادة فتح دفعت ثمنها دائماً قواعد الحركة من أبناء شعبنا الفلسطيني التي كانت تساق إلى «اقتتال الأخوة» وفي الفصل الرابع (8 صفحات) يعرض المؤلف للقواعد السياسية والتنظيمية والأهداف من تشكيل العمل الفدائي الفلسطيني الذي بدأت إرهاصاته مع بداية العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وفي عام 1967 تصاعدت المقاومة الفلسطينية، وتشكلت معظم فصائل الثورة الفلسطينية المسلحة، التي وجدت صدى واسعاً في الوطن العربي وبين الجماهير الشعبية التي كانت حاضنتها الصحية والصحيحة، وقد عرض المؤلف لتأثير العمل الفدائي وصداه في (إسرائيل) التي رأت فيه (خطراً يهددها بالزوال) فكانت اعتداءاتها المتكررة على الأراضي العربية المجاورة لفلسطين بهدف ضرب «قواعد الفدائيين والمقاومة العربية» فقد اعتبرت إسرائيل أن الدول العربية (المجاورة لفلسطين) مسؤولة عن العمليات الفدائية التي تنطلق من أراضيها واعتبرت تلك العمليات «أسلوباً جديداً في الحرب ضد إسرائيل» (ص112 واعتبرها اسحق رابين (رئيس الأركان آنذاك) تشكل «خطورة مباشرة» تجعل الجيش الإسرائيلي في حالة حرب فعلية تستنزف خسائر وجهوداً هائلة وبدأت إسرائيل بتنفيذ مخططات العدوان و«الحرب الوقائية» و«شنت العمليات الانتقامية التي شملت السكان»(ص113).
في الباب الثالث (78 صفحة) وهو أكبر أبواب الكتاب عرض المؤلف في فصلين (الخامس والسادس) لقضية هامة وتعتبر من أبرز المحطات السياسية في تاريخ شعبنا وتطور كيانه السياسي م. ت. ف. حين استقالت قيادة المنظمة السياسية ممثلة بشخص زعيمها السياسي (أحمد الشقيري) وصعود «منظمات المقاومة الفلسطينية المسلحة» لتسلم قيادة المنظمة تحت شعار «الشرعية للبندقية المقاتلة» وهنا يعرض المؤلف أسباب استقالة الشقيري مؤسس م. ت. ف وتعديل «الميثاق القومي الفلسطيني» ليصبح «الميثاق الوطني الفلسطيني» الذي اعتمد «منهج الكفاح المسلح طريقاً وحيداً لتحرير فلسطين» كما عرض للدورات الشرعية للمجلس الوطني الفلسطيني، وتطورات الأحداث السياسية منذ السبعينات مع بروز مشاريع التسوية السياسية لقضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة وخاصة الموقف من قرار مجلس الأمن الدولي 242 الخاص بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967. كما يعرض لمبادرة (روجرز) في السبعينات وموقف كل من المنظمة والأردن وأقطار المواجهة العربية من هذه المبادرة التي دفعت للتناقض الحاد الذي أدى إلى خروج المقاومة الفلسطينية بفصائلها وقياداتها من الأردن إلى لبنان.. وفي الفصل السادس من هذا الباب (42 صفحة) يعرض المؤلف للفكر التسووي الفلسطيني وخاصة في (حركة فتح) كبرى منظمات م. ت. ف. كما يعرض بنود البرنامج المرحلي للمنظمة الذي ظهر عقب حرب تشرين، والخلافات بشأنه على الساحة الفلسطينية، وكيف دفعت قيادة عرفات لمزيد من التناحرات والانقسامات في الفصائل الفلسطينية، وأسباب تصعيد الأزمة في لبنان على إثر مجزرة (عين الرمانة) عام 1975، وبداية الانخراط الفلسطيني في التسوية الأمريكية ـ الإسرائيلية على إثر اتفاق القاهرة بين السادات وإسرائيل.
في الباب الرابع (21 صفحة) تناول المؤلف لمسألة هامة هي بداية الاهتمام الأمريكي بتسوية الصراع في المنظمة، فعرض لبداية الاتصالات بين حكام واشنطن وم. ت. ف. واتصالات كيسنجر مع مندوبي عرفات وبداية المراهنة الأمريكية على عرفات مع بداية المراهنة على إخراج مصر من دول المواجهة العربية لإسرائيل..
وفي الباب الخامس (34 صفحة) وهذا الباب كسابقه لم تتسلسل فيه الفصول، فهما غير مرتبطين بما قبلهما أو بعدهما، إلا إذا اعتبرناهما فصولاً، وهو ما لم يشر إليه المؤلف. في يهذا الباب الخامس وهو هام ويشكل حلقة رئيسية في فهم مسار التسوية وفكرها عربياً وفلسطينياً يعرض المؤلف لدعوات (الحبيب بورقيبه) الرئيس التونسي السابق للاعتراف العربي بإسرائيل، وكذلك لدعوة ملك المغرب الحسن الثاني (ص223) ولكن أهم فقرات وصفحات هذا الباب تكمن في متابعة المؤلف الدقيقة للاتصالات الإسرائيلية مع قيادة عرفات ( في فتح وم. ت. ف.) والتي تطورت من تبادل وجهات النظر والرسائل عبر المبعوثين الخاصين لكلا الطرفين إلى الاتصالات العلنية والسرية والتي كان رموزها (سعيد حمامي وعصام سرطاوي وأبو مازن وأبو إياد وعرفات وعبد الله حوراني) ويشير المؤلف بهذا الصدد إلى لقاءات عرفات بالصهاينة أثناء حصار بيروت عام 1982.
كما يشير إلى أدوار خطيرة قامت بها أنظمة عربية وأوربية والاشتراكية الدولية، وكذلك تمويل المخابرات الأمريكية لتكاليف هذه الاتصالات ويستشهد المؤلف بهذا الصدد بكلام (أبو الزعيم) رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، والمقرب من عرفات بقوله: «إذا كانت هناك لقاءات أعلن عنها، فإن هناك لقاءات سرية تمت بعيداً عن العيون.. إن عرفات يعشق الجواسيس وأعمال الجاسوسية ويقضي ساعات طويلة يسمع للجواسيس ويحاورهم» (ص238).
في الباب السادس (68 صفحة) يعرض المؤلف في ثلاثة فصول السابع والثامن والتاسع للدور الأمريكي في الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 ومواقف عرفات أثناء حصار بيروت ووثيقة (ماكلوسكي) إلى أن يصل إلى خروج عرفات وتوزيع قواته على عدد من العواصم العربية. منهياً بذلك مرحلة (الكفاح المسلح) لصالح انخراطه في (التسوية الأمريكية) مع إسرائيل وبشروطهما، كما يعرض المؤلف لانتفاضة (فتح) في عام 1983 وأسبابها وعواملها ومواقف كافة الأطراف منها عربياً وفلسطينياً.
وفي الفصل التاسع يعرض لمحاولة الولايات المتحدة وإسرائيل استثمار نتائج غزو لبنان بفرض اتفاق 17 أيار عام 1983 على اللبنانيين، ويشير المؤلف إلى الموقف العربي السوري الذي كان سبباً في سقوط هذا الاتفاق ورموزه، وبالتالي سقوط نهج الانعزال والتفريط (لبنانياً وفلسطينياً).
في الباب السابع (66 صفحة) عرض المؤلف لمسلسل التنازلات التفريطية التي قام بها عرفات وشقه للساحة الفلسطينية والاستئثار بقيادة م. ت. ف. وتحويلها من تكتل جبهوي عنوانه الوحدة الوطنية إلى تكتل من (لون واحد) وذلك بعقده مجلس عمان اللا شرعي عام 1984، كما عرض المؤلف وثائق تثبت لا شرعية المجلس الوطني الذي انعقد والذي كان تمهيد لإعلان الاتفاق الأردني ـ الفلسطيني في 11/2/1985 ولإعلان القاهرة الذي أدان فيه عرفات (الكفاح المسلح ومقاومة إسرائيل) في 7/11/1985، كما مهدت هذه الخطوات كلها لبداية العلاقات بين نهج عرفات ونهج (كامب ديفيد) في مصر وفتحت له أبواب واشنطن، حيث قام بأبشع استغلال سياسي للانتفاضة الفلسطينية داخل الوطن المحتل باستثمار دماء شهدائها في بنوك التسوية التفريطية في واشنطن وتل أبيب.
في الباب الثامن وهو آخر أبواب الكتاب (45 صفحة) يضع المؤلف كافة أدلة الإدانة لعرفات ونهجه التفريطي أمام القارئ، فعرفات مسؤول عن الاقتتال الفلسطيني، وعن شق الاتحادات والمنظمات الشعبية، وله دور مشبوه خلال الأزمة اللبنانية، وكانت خطواته وتحركاته لصالح الاعتراف (بإسرائيل) والانخراط في التسوية الأمريكية، وهو المسؤول عن انتهاك مبادئ وقرارات م. ت. ف وكل هذا سببه الشك والريبة في أصل عرفات الذي «تعتبره بعض المصادر من يهود المغرب».. في ملاحق الكتاب (16 ملحقاً يعزز المؤلف أدلة إدانته فهل ثمة من يستطيع إصدار الحكم وتنفيذه ضد فرد ونهج خان قضية فلسطين؟