قصيدة = كلمات للحب والحرية = لوالدي رحمه الله الشاعر حسن بلو ...
تبكين ويستعر الألق الوحشيُّ
تنوء حنايا الصدر بآلام الحرمانْ
يتواثب شوق الهمساتِ
فيجرح كالسيف القاطعِ
وجه الصمت المخبوءِ
يحطم جدران الصبرِ
يفجر أنات الكتمانْ
فالدمعة لؤلؤة ناصعة اللونِ
تقبل في عينك مثوى الأحزانِ
تودع مهد مآسيها
تترك آسفة دفء لياليها المصلوبةِ
في قاع الأجفانْ
ترحل سراً .. تتدفق من شباك السجنِ
تعانق ومض الرغباتِ
تخالس في الخد ظلال العادة والإدمانْ
الدمعة حائرةٌ .... غادرت اللحظة مكمنها
علقت بالخد فأنبها
تعبت ... ذكرت ... ودت
قضي الأمرُ .. تهاوتْ
منيت بالخذلانْ
لاتبتئسي.. سألملمها وسأطعمها
وسأحويها في جرح القلب النازفِ
خلف الزمن الضائعِ
أحملها فوق جواد الليل المرتاعِ
وأزحم سد الريحِ
وأرسمها في أفق الوجدانْ
لا تبتئسي
فلقد متنا خوفاً فتركنا الأيام تغور كقطرة ماء عذبٍ
في حبات الرملِ
هجرنا كل شواطئنا
أغرقنا مركب متعتنا
ضيعنا الدرب ومثلنا بالربانْ
جعنا وعطشنا صحنا وبكينا
و شكونا حتى عيل الصبرُ
تلاشت أنات الشكوى
في خجل من إلحاح الشاكينَ
تفاقمت البلوى .. ضاقت أرجاء النسيانْ
ثم أقمنا في قاع الوادي المعزولِ
نخاف شعاع الشمسِ
نخاف تلاقينا .. نتخبا في رهبة شيطانْ
وتراشقنا إيماءات اليأس طويلاً
نقضم أطراف أصابعنا غيظاً
نتلهى بأحاديث العفة في ورع الزهادِ
لنحظى بالإعجاب الزائفِ
من أفواه السراقِ
نداري في الأعماقِ
مرارة زيف مصقول التوقيعِ
ونخنق أسمى ما نملك من إحساسٍ
نتوفز في أعصاب الليلِ
ونهوي في هاوية البهتانْ
وبكينا نستجدي شيئاً من صبرٍ
نتوسل بالقيم المنصوبة كالأسوارِ
تقينا عاصفة الشوق وتمنعنا
فكفى
هب الإعصار وضاق السجن بساكنهِ
سئم القفل وخارت قضبان الشباكِ
تبدل رأي السجانْ
فتعالي
ما عدت أطيق صياح النظراتِ
فرار اللونِ ولا طعم الغمزِ
وأوشك ينطفئ القنديلُ
وأحيطي بذراع الهمسة سمعي
أتهالك بالصوت المغناجِ
تعاليْ
ينفجر البركان ويعتنق القاتل والمقتولُ
قولي: أنت حبيبي
تتحرق أشجان الموتى الصادينَ
ويتحد العاقل والمعقولُ
قولي: أنت حبيبي
ينهمر العطر وتمرع قيعان الروحِ
وينمو في شفتيك اللهب المكبولُ
قولي أنت حبيبي
تنسحب الأيام فلولاً من رمضاء الكمد الفاجعِ
يندحر القدر المحتومُ
ويسبح في بسمتك المجهولُ
ألقى أنبه أطفالي
يجلد وجه الليل بسوط الأحلامِ
يطارد في جلد الأبطال ملائكة السخط وآلهة النقمه
يتلقف نبض الشمس بأهداب الحبِّ
يعب رحيق الضوء المتهادي كالنغم الموصولِ
يسد بقاع الليلِ
ويردم ينبوع الظلمه
يستوعب سحر الخلجاتِ
يحس سعار اللحظات المسفوحة في السفحِ
ويستعذب طعم الموتِ
يهيج ويصمد يصحو
يتلمس أطراف القمه
يتدفق في لين الثنياتِ
أشعة فجر مشتاقٍ
يتسلل من قلب الليلِ
ويبسط في كل ثناياك مروءتهُ
ويناديك أتيتُ
توسدني الوجد .. علوت جياد التذكارِ
طويت سهوب الأرض العذراءِ
هضاب النشوة في مملكة الصفوِ
رعيت حشائشك الخضراءَ
رميت ردائي فوق شجيرات أساكِ
مررت بغدران صباكِ
سبحت وغنيت أناشيدي .. وبكيتُ
أتيت نمت في عينيّ تهاويم الحلم السكرانِ
وأزهر في رئتي الآهُ
وداعب حلقيَ عطر الزيتونِ
وضعضعني الحبُّ
غفوت على شفة الكلماتِ
وفي فجوات الصوت حبوتُ
أقبل فيك ينابيع الإيماضِ
وأركع في خلجات الصوت المتمارضِ
أستسلم لللاشيءِ
خذيني عبر سراديب الفتنة والتعذيبِ
فلقد غبت عن الوعيِ
وعيتُ ..
مضيت فلن ترجعني الأيامُ
ولا كل أحابيل العقل المعتدِّ
ولن يرجعني الموتُ
أنا لا أعلم يا سيدتي كيف أخذت أسيراً
كيف اجتمعت كل مزاياكِ
فراشت سهم الأجفان وريقات الوردِ
كيف انعكس الضوء فعاد أميراً
من أمراء البحر فتياً
يتأبط مملكة الفتنة يهزأ بالنقدِ
كيف أشار بإصبعه
فتوقف نبض القلب كسيراً
أذعنت الأحناء وخرت جدران السدِّ
أنا لا أعلم يا سيدتي
كيف أخذت أسيراً
لكني أذكر وجه الملاح وجدران السورِ
وساحات مدينتك المسحورةِ
قاعات القصر الملكيِّ
ستار المهدِ
أذكر أدوات التعذيب الوحشيِّ
وصيحات الرغبة في كل زوايا السجن المهجورِ
ورائحة الحمى
وجدائل شيء يتلوى
ويداً تتشبث بالقيدِ
أحسب أنك سوداءَ
لا بل بيضاءَ
صفراء ملونةً
لن أعبأ باللونِ .. ولن أحفل ثانية بتواقيع المغتصبينَ
وآثار أظافرهم
لن أحفل بالطين الممزوج بترياق النهدِ
أحلم بالنبل تمرغ في وحل الطرقات شهيداً
بغبار الخيبةِ
بالرمد اللاهث في قاع العينينِ
ندامات المخذولينَ
قناعتهم بالعيش الخاملِ
صبر المحرومينَ
توسلهم بالزهدِ
أعشق تصميم الموتى المصلوبين إلى كل خلاياكِ
أحلم بالرغبة في العودةِ
بالشمس تطهر سيل هيولاكِ
أحلم أن ألقى خلّص عشاقكِ
من فجر الأرض إلى بحر الزيفِ
إلى عصر الهدنة والتوفيقِ
وعاشقك الجلاد الساديُّ
وحوذي القصرِ
وتجار السوقِ
صار الكل سواءً
وتسلح نخاسك بالعلَمِ
وبدل أنشوطته بسياجٍ
فكر بالوصل المسكين وقال سترضى
جعلوك بغياً فتراجع سحر الكلمات .. كبى الألق الوحشيُّ
فمدوا فوق تراب الشبح الميت وشاحكِ
من بحر الظلمات إلى الطلل الشرقيِّ
اقترعوا أيهموا يكتب صك الغفران لزانية تابتْ
وشموس شربت نظريات الأشباهِ
فعافت نزق الصبيانِ
وعت تجربة الثوريين الفضلاء وآبتْ
صفق من أجلك جمهور الروادِ
فلاسفة التبريرِ
وحطوا فوق جبينك رايتهمْ
وتغنوا باللحن المسروقِ
هل صرت بغياً
تتقرط أعناق الأطفالِ
وترسم في ملل المخمورين شعار التجار صليباً
هل صرت مرابيةً
تمتص الورع الكاذب من أرصدة الزعماءِ
وتصنع من أوغاد الأرض فلاسفة حكماءَ
تصوغ رنين الدرهم لحناً
وحفيف الدولار وجيبا
أنا لا أعلم يا سيدتي
لكن الزمن العاهر قارب مخ العظمِ
وصار الوحش الضاري يتسرب في الشريانِ
يدب دبيبا
يتوغل في قنوات الجوعِ
يحيل سعار الكلمات جليداً
يتمطى كالسوط رتيبا
تفقد آلام العشاق عذوبتها
ينقلب الحرف الساكن تابوتاً منحوتاً من صخر الخلدِ
ويبتعد الفجر كئيبا
أدعوك يحاصرني الليلُ
تناضل كل أمانيَّ
تموت عياءَ
يتقهقر أسطول الصبرِ
يلوذ بمرفئهِ
تتقوض أشرعة الخذلانِ
وينزف وجه أمير البحر حياءَ
يسألني محتسب أين مضت؟
فأغض .. وأدفن رأسي في الجوف الأسودِ
أستمطره الرحمى
أتجرع جرع الذل غباءَ
فلقد عشت جباناً
وتلوت كتاب الخوف سنيناً
صيرت اللهب الجامح حرفاً مسكيناً
وجعلت الحرف فداءَ
وتوسلت إلى الله الخبز طريقاً مأموناً
هادنت المفترسينَ
لعلي بالخبز أفوزُ
ولكن الأمل المشنوقَ
تخلق في القبر وجاء شقاءَ
ضيعت الأمن الكاذبَ
ضعت وراء الزمن المطويِّ
ولم افهم شيئاً
من كل التاريخ المكتوبِ
صلبت إلى يوم لن يأتي في الزمن المنظورِ
فكنت ومازلت حذاءَ
أتمنى أن أخلق ثانيةً
بركاناً أو زلزالاً
أو جسداً صلباً
لكني لا أتمنى أن أرجع إنسانا
فلقد أصبح هضم الخبز عسيراً
أضحى السعي لطفلين جهاداً
يتطلب وجهين صبوحينِ
وخافية سوداءَ
وسكيناً مسموماً
ودهاء وبيانا
أصبح للحب شروط تتعلق بالدخلِ
تقيم فيها الأدوات ويبقى الإنسان مهانا
ولذا فأنا أترك أيامي خلفي
أتخلص من ذاتي
وأقبل عينيك طويلاً وأسافرْ
أبحث عنكِ
أفتش كل الطرقاتِ
شعاب الجبل المجروحِ
وأرتال الصفصافِ
وأسأل أشتات الخاطرْ
أسأل عنك الينبوع العذبَ
فتأسف ساقية لم تشرب من سلسال الدمعِ
تعربد كالطفل غمامات الأحلامِ
وتستلقي في ظل العينين الفاترْ
ترتعد الشفة اللمياءُ
ويزهر في ثغرك رجع الأيامِ
فأسمع تاريخ الكون أهازيجَ
وأركع في فلوات الصوت الآمرْ
فأنا ضيعت لياليَّ جميعاً
وتساقط كبدي
في العاصفة الهوجاءِ
وصرت أسيراً يتخبط في أغلال صدودكِ
يقنع بالصمت الجائرْ
من قبلك ضاعت صلواتي
باءت بالخيبة آمالي
خنقتني أحزاني
أتشبث بالموت القادم في أحضان اللحظاتِ
وأرجع منسحقاً منهزم الوجدانِ
فإذا أحببتك صرت إلهاً
يستوعب سر الكونِ
ويفهم آلام الإنسانِ
أعرف أنك يا روح القلبِ
ملاك يتعذب في صحبة شيطانِ
أعرف أنك أطهر من مثلي
وخيالاتي
وأرق شفافية حتى من أشجاني
أعرف أنك آهات تتمرد في ظلمات الليلِ
وتخمد كالأمواج على شط النسيانِ
أعرف أنك خائفة مني
من أيامك من حبي إياك
وأعرف أنك نافذة الصبر من الحرمانِ
أعلم أنك قاتلتي بالتسويف وبالصدِّ
وبالنسيانِ
أعلم أني سوف تدمرني أشواقي
ويفجرني بركاني
لكني يا سيدتي
لا أعلم كيف أتوبُ
ولا أقدر أن أنسى أني أحببتكِ من أعماقي
من أعمق أعماقي
من قلبي المجروح ومن كل شراييني
من حرقة أحداقي
من أقدس غاياتي
أحببتك يا روح القلبِ
حويتك في جفنيَّ عذاباً مراً
وحملتك في رفة أشواقي
يا من قتلت ساعة صحوي
حين توسد في أرجائي
الزمن الصعبْ
يا من لا تقدر أن تفصل ما بين الجنسِ
وما بين الحبْ
أيتها القاسية اللحظ المتجلدة القلبْ
أيتها الناسكة الولهى
أولن تتقضى ليلة هجري
أولن تتجسد معجزة الربْ
جئتك منطفئ الأحلامِ
أجرجر خطوي فوق لهاث مخيلتي
أتدفق من جوف الصخرِ
وأمضي في أنفاس الرعبْ
جئتك ينفجر الهاجس في عينيَّ
يطاردني صوت الجند وكابوس الاسمنتْ
أهرب نحو الشاطئِ
يجذبني صوت الموجِ
تناديني أشرعة الغربةِ
من أعماق الصوتْ
لكني واأسفي لا ألقى
غير الرمل المنكوب استلقى
في إعياء الإعصارِ
ولا أسمع غير تراتيل الصمتْ
ماذا
ماذا طاف بكعبتنا
فانهارت في طرفة عينٍ
غاض البحرُ
تراجع واستخذى الإعصارُ
تلاشى العالم في الظلمةِ
مات الموتْ
أنت جهنم أيامي
يا ليلة هجري
يا سرمد هجري
أنت العدم المصلوبُ
إلى قاع الذاتِ
أنت مشانق صبري المعقودة في أعناق الأعصابِ
الموؤودة في رمل الخيباتِ
أنت الألم المحبوبُ
الفجر الخائف أن يطلعَ
من طيات الآتي
أنت طفولة قلبي الطعونِ
قناديل اليأس الواقف كالسدِّ
أناشيد القاع الساخر من أحلام الربانِ
وثرثرة الموجاتِ
ما أقسى أن ترفض خالقتي
أن تنسى فتمزقني ثم تعودُ
فتجمع في ظلمة وحدتها متناثر أشلائي
ما أقسى أن تطردني
أن تشتمني قدام الناسِ
وتعبد في السر تهاويمي
وتصلي للتكوين النازف من مرآتي
ألأني لست جديراً بمعاناة قضاياها
وتمزقها
ألأني أصغر في عينيها من حجم المأساةِ
من علمك الحرف الأول من أغنية الميلادِ
ومن ألهمك الخلق المبدعَ
من وقع في أوتارك ألحان المغناةِ
من أنبت في الظلمات أساطير الإغريقِ
وجمع في بابل إغراب اللذاتِ
من غناك نشيد الإنشادِ
وسافر يحمل أشواقكِ
مزموراً أعذب من بسمة طفلٍ
من بادلك الحب علانيةً
فوق سطور التوراةِ