٢٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣بقلم محمد العناز
أسدلت شعبة اللغات بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان التابعة لجامعة عبد المالك السعدي الستار عن دورة الكتابة النسائية بالمغرب بعدما احتفت بإبداع عدد من الأصوات بصيغة المؤنث جمعتهن تاء التأنيث واختلفت الاهتمامات بين الرواية والقصة والقصيدة والنقد، ولم يكن الختام عبورا نمطيا وإنما باستضافة اسم سامق في ثقافتنا المغربية المعاصرة، القاصة والأكاديمية لطيفة لبصير هي البصمة التي اختتمت بها سلسلة "تجارب إبداعية" رحلتها في الإبداع المغربي.
الحلقة الخامسة والعشرون أداراها سفيان التوابي، وتميزت بمشاركة كل من القاصين حسن اليملاحي، والبشير الأزمي، وبحضور نوعي لعدد من مثقفي ومثقفات المدينة، وباحثين وباحثات من الجامعة، وطلبتها. ركزت مداخلة حسن اليملاحي على المجموعة القصصية"عناق" متوقفا فيها على دلالة العنوان المضلل الذي يرتبط برمزية ذات قيمة جمالية تزاوج بين التواصل والتعبير. ليتوقف بعد ذلك عند تحليل بعض النصوص ك"عيون دمعة" حيث تغادر روح " العالية" منزلها العتيق لتترك لدى السارد فراغا ملحوظا، فيستحضرها من خلال نبضها وطيفها. فصورة المرأة التي احتفظ بها لنفسه بعيدا عن المالك الجديد للبيت زادت من شدة معاناته واحتراقاته. ولكي يبعد عنه هذا الكابوس يجد نفسه ينخرط في رسم "بورتريه" لها كي تعود إلى الحياة، ويمسح من ذاكرته حجم الفراغ الذي ولده لديه رحيل هذه المرأة، زواج السارد بين الحلم والعناق.
معددا بعض السمات الجمالية كسمة الرغبة التي تنزع بحثا عن تحقيق بعض الحاجات التي لا تتحقق بسب الخوف الذي يحضر في بعض فضاءات المجموعة" أخاف أن يراني السيد" أخاف أن تتغير ، وأفكر أن الحروف لا تتغير" معتبرا أن سمة الخوف صارت مركزية في المجتمعات الحديثة جراء الفوضى التي بات يعيشها العالم وانعدام الثقة في الذات الفردية والجماعية. لينتهي إلى أن الكاتبة لطيفة لبصير قاصة متميزة باستثمارها لآليات سردية حديثة تراعي أفق التلقي والشواغل. أما مداخلة البشير الأزمي فقد وسمها ب"ضفائر:الإطلالة على العالم من خلال عيون "تاء التأنيث" فعالية ومنانة وزهرة ونانسي وطامو وليلى ورقية وزينب وحياة وغيتة وأحلام بحسب الأزمي تشكل "الضفائر" التي تؤثث العالم الأنثوي المنظور إليه من شرفة حكي ساردات لطيفة لبصير في مجموعتها "ضفائر". معتبرا أن حكيها ينبش في المسكوت عنه، ويحكي حالات تعيش على هامش الحياة السوية، ويرسم خطى معاناة اكتوين بلظى نارها، رغم اختلاف موقعهن الاجتماعي ومستوى وعيهن وإدراكهن المعرفي. متوقفا عند عالم الجنون والبغاء بوصفه عالما للتسلط والقهر من طرف مجتمع يقتل أنوثتهن ويسيجهن في دائرة الخنوع والاستسلام لسلطة رجولية بل ذكورية. ف"عالية" التي ترمز للجنون انطلاقا من لحظة فرح الأم بزفاف ابنتها، والتي سرعان ما تعود لتنزوي في مجاهلها جاعلة عالية تتأمل واقع أمها التي لم تعد قادرة على إدراك ذاتها وإدراك المحيط الذي تعيشه وتعيش فيه، بل وإدراك أطياف الفرح وهي تحلق فوق رأس ابنتها المرتدية لرداء الاحتفاء بعرسها. تتحطم عالية، وهي ترقب أمها غارقة في بحر الضياع، بحر الجنون الذي كبَّل عقلها، وتركها تحت رحمة أب قاس على زوجته وأبنائه. لتنتهي عالية بين نار فراق الأم، ونار جفاء وفظاظة الأب، ونار عدم الاحساس الإيجابي المنتظر من طرف الزوج. لينتقل إلى البحث عن المرأة؛ المظاهر.. الجثة، والضحية..انطلاقا من العالم الذي تؤسسه ساردات نصوص عالم الايمان بالمظاهر الخلابة لضحايا انتهين إلى جثث(أنا جثة من لون آخر)، فهي رغم حصولها على على الإجازة، فإنها تشعر بذاتها تتحول إلى جثة يلهو بها الآخر، ذاك الرجل/الذكر الذي تزوجها زواجاً أبيض، ليلقي بها في عالم بائعات الهوى، حيث تغدو جثة بين يدي رجل تشاطره الفراش، وليس الحياة. فالفتاة "طامو" تسقط ضحية المظاهر، وترغب في تغيير اسمها من طامو إلى "تامي"، وتسعى إلى تغيير سلوكاتها ونظم وطرق عيشها، فترتدي لباساً ضيقاً وتضع على سرتها قرطاً وتدخن، فتلاحقها الأعين وتربت على بطنها العارية، وتسعى إلى التواصل الإباحي مع أجانب. تلتقي ب"جان" الذي سيعاملها بحنو ورفق. وتكتشف أنه مغربي، اكتشفته بعد أن أطفأ نار نزعته الكلبية. أما مداخلة المحتفى بها القاصة والأكاديمية لطيفة لبصير فقد تساءلت في مداخلتها المعنونة ب" من أين يأتي الأدب؟" هل هو شرط ذاتي محض بحيث ينفصل عن التحولات الاجتماعية التي تحدث لهذا الكائن، أم أنه نتاج هذه التفاعلات الثقافية والامتصاصات الغيرية من خلال أعمال سابقة، وتحاور ثقافي تتجاذب فيه العديد من الاصطدامات؟ وما المحاور والاهتمامات التي تشغلها أكثر ضمن مجتمع يعرف العديد من الترسبات والخليط الهجين؟ متوقفة عند قول الأدب: فالداخل إليه -بحسب لبصير-مثل الداخل إلى أرض غير ثابتة، فعلاقتها به، تحدث شيء ما تعرفه تماما. إنه ذلك التفاعل الداخلي مع الأشخاص بحيث يسكنها الآخر وتسمع صوته الداخلي وكأنها تعرف هذا الشخص، لذا كان أول إحساس تولد لديها وهي تشتغل على النص الأدبي هو الانشغال بالداخل الإنساني أكثر. ورغم أنها تنقل العوالم الخارجية كفضاء يتيح الحركة والضجيج إلا أنها عرفت منذ بداية كتابتها بأن ما يهمها أكثر من الأدب هو الصوت الداخلي للأشخاص وأحلامهم وتحولاتهم الداخلية وهم يخضعون للأدب ويريدون قول أشياء قد تكون مخالفة للواقع، لكنها تقول شيئا آخر هو الأدب. -تضيف صاحبة لبصير-منذ البداية بدأت أسرد عن هؤلاء الأشخاص سواء بضمير المتكلم أم ضمير الغائب، إلا أن ضمير المتكلم هو الذي كان يشغلني أكثر وهو بالنسبة لي محطة سردية تقول عن الذات ولا تحيل إلى الكاتب، إنه كما يقول فيليب لوجون: ضمير المتكلم عائلة كبيرة، إنه يختزن الأنا والأنت والهو والهم.
إنه يعبر عن الذات المتكلمة. وشيئا فشيئا اكتشفت بأنني أنحو نحو عالم التحليل النفسي للشخصية وللسياق العام الذي تنوجد فيه وأدركت بأن الشخصية التي أكتب عنها لا يمكن أن تبتعد عن سياق نشأتها الخاص، لأنها تنحدر من السلالات الخاصة بالشخصية وهذه السلالات رغم أنها تحضر ضئيلة في النص أو في خلفية النص إلا أنها هي التي تحرك البناء العام للنص، وتغير دلالاته ولذا تأثرت بشكل كبير بفكرة الرواية الأسرية ليس كما كتبها فرويد أي أنها رواية ترسم الحالات العصابية للكاتب ولا كما طورتها مارت روبير في كتابها الشهير *رواية الأصول وأصول الرواية*، ولكن كما بدأ يشتغل بها النقد أي أنها صارت صنعا حقيقيا في الأدب. لتنتقل بعد ذلك إلى الحديث عن قلق الشكل أم قلق المضمون مؤكدة تبعا لهذا السياق أن القصة القصيرة من أصعب الأجناس الأدبية؛ لأنها ليست الحكاية، فالحكاية تنسج عالما يمنح كل شيء متوقفة عند تصورها للكتابة في هذا الجنس الأدبي فقول أكثر الأشياء بأقل الجمل والكلمات، والاشتغال الدائم يجعلها تتغير من فكرة إلى أخرى بحيث تغيرت كتابتي من قلق البحث عن المضمون إلى قلق البحث عن الشكل الذي نقول من خلاله القصة، لأن كل الجارات يعرفن الحكي والنسج والحكاية وما يجعل الأدب مغامرا ومختلفا هو أنه يرتع من أراضي مختلفة تمنحه وجهة نظر، الزاوية التي يطل من خلالها على الأشياء، والحبكة التي يراها هو أساسية للنص، التقديم والتأخير، الحذف أو الاطالة، وكيف لا نصيب نصنا بالترهل بحيث تصبح الزوائد كثيرة في النص، وتفيض أكثر على القارىء. ولذا وجب عدم بيع السر في القصة القصيرة، لأننا كمن يعدم النص. فالقصة القصيرة منشغلة بالقول بتفاصيل صغيرة وجمل قصيرة، وأزمنة تتداخل فيما بينها، لذا فهي تترك الأثر أو تنتجه لكي تدفع القارىء للبحث عن سر آخر للنص. لذا فالأنا كما يقول فرويد ليست سيدة بيتها الخاص، إنها تضمر مراتب عديدة من الهو، وهو ما يجعلها تتساءل حينما يكون ساردها مذكرا: من أين أتيت بهذا العالم الرجولي؟
وكيف أتحدث عن العديد من التفاصيل وكأنني عشتها أنا الأنثى، في حين هي تخص ساردا مذكرا؟ ولماذا ألون طبيعة السارد، فمرة أنا أتحدث باسم ضمير متكلم أنثوي، ومرة أخرى من خلال ضمير متكلم ذكوري، الشيء الذي يجعلني أعترف بأن الكتابة هي عالم آخر ربما يتجاوز كل نظريات الكتابة والفهم والقواعد. متسائلة أيضا من أين تأتي الشخوص؟ من الواقع؟ من المتخيل؟ من اللاوعي الذي لا أفهمه لحد الآن ولا أعرف أين يكمن؟ شخوص لا تنتمي لمكان: معتبرة أن ما يميز العصر الحالي الشكل الأدبي الذي يريد أن يحدث القطيعة مع أبوة الأدب، غير أنه يعود ليختلق لذاته انتسابا جديدا ومحكيا خاصا، فكيف نبتعد عن الآخرين لنقترب من الذات، مادام أن الذات في نهاية الأمر تتحدث عن آخر؟ فالنظر إلى البناء العائلي بحسب لبصير يجعلها تتساءل:هل نعيش هذا البناء العائلي كما في القدم، أم أننا نبني بناء عائليا جديدا ننسلخ فيه من الأسرة ذات النظام العتيق إلى أسرة ديمقراطية، ولذا نحن نرغب بواسطة أفكار كبيرة إلى إحداث تلك الثورة على نظام يبني دعائمه ويبثها في الفرد. مؤكدة أن هذا الأخير شكل محورا لمجموعتها الأخيرة "عناق" فقد كان همها هو "أن العناق حالة إنسانية تحيا غالبا في الظل. إنه ظمأ للآخر وبحث عنه. وهو دعوة ضد الفردية التي بدأت تتفشى في الزمن الحديث حيث لا آباء ديمقراطيين ولا أسرة تهمنا بالدرجة الأولى ولا مجتمع يتآزر. والعناق هو عاطفة إنسانية تعيشها شخوص المجموعة في الظل لأنهم لا يستطيعون الافصاح عنها، فبطلة قصة *الدعسوقة* نراها في القصة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج وهي تعيش في ذلك البناء العائلي الثري والذي ترفض ثراءه لأنه يخضعها لنظام العادات والانضباط وتوقف الساعة والحياة بعد الساعة الثامنة ليلا، كما أن كل شيء يمر في هدوء وصمت بدون عاطفة تستفيض في النص، والعاطفة الوحيدة التي تعيشها بطلة القصة هي علاقتها بهذه الحشرة الجميلة التي ألهمت الأدب والفكر بالعديد من القصائد والأغاني والأساطير، هي هي ملاك الرحمة كما تقول الأسطورة؟ هي هي منقذة الطفلة من الوحدة، إذ صارت صديقة للبطلة وتقيم معها في المنزل وترسمها الفتاة في رسوماتها، لكن الأب يرفض هذه الحشرة ويبعدها عن المنزل، وهنا تعيش تلك الطفلة ذلك المنع، ويتكرر إلى أن يصير منعا في النضج، بعيش عواطف منظمة هي تكرهها، لأنها في حاجة إلى فوضى تزعزع نظامها الأسري وبناءه الأولي، هنا تبدأ بطلة الدعسوقة بتدوين لحظة خاصة في عشق رجل بعيد عن طبقتها وعناقه في الظل، إنها تبتعد عن النظام الغني لعيش بناء ديمقراطي في الظل، لأن النور تعيش فيه قوانين أخرى. إن كل أبطالي يبحثون عن هذا الانتساب العائلي من جديد وكأنهم بصدد تغيير هوياتهم الموروثة والثورة عليها. لماذا الألم باق في أدبي؟ تجيب لطيفة لبصير انطلاقا من افتراض مفاده أنه لا يوجد تفسير حقيقي للألم؛ لأنها تكتب من خلال شخصيات كثيرة متنوعة ومختلفة، وهي تتنوع بين مذكر ومؤنث، إذ لا يحضر لديها الصراع بين الرجل والمرأة إلا كنتاج لهذه الوضعية، وفي بعض الأحيان يأتي المذكر حزينا منكسرا في نصوصي وأحس من خلال ذلك أنني لا أحقد على هذا المختلف عني رغم أن العديد من الأوضاع التي تعيشها المرأة هي نابعة من عدم تفهمه المجتمعي، لكنها تتصور أن المجتمع هو أيضا سليل متاعب أسطورية وثقافية ومحكيات شعبية وثقافة قديمة ما زالت تحكم الفرد وتعيش من خلال الاستعارات التي نحيا بها دون أن ندري وهي في بعض الأحيان تكون هامة على المستوى الثقافي.
فالحكايات التي تعيش معنا هي حكايات لقيطة لأننا في كثير من الأحيان نجهل مصدرها، لكنها مع ذلك هي مسيرة لآرائنا العامة دون أن ندري وأحيانا تتحكم من خلال اللاوعي في تسيير الزمن الحالي عبر أنساق غريبة. وهذه الثقافة بقدر ما تلهم الأدب، لأننا نشأنا في حضنها، بقدر ما نحاول في بعض الأحيان أن نثور على مكوناتها ، لكنها تصير لذيذة ضمن الحكايات المسائية التي كانت تحكيها جدتي مثل أسطورة عائشة قنديشة أو حكاية "هاينة". إننا ونحن نعيش هذه الحكايات اللقيطة نعيش أيضا الأمثال التي لا مصدر لها والتي تصبح كحكم غير قابلة للافتضاض أو كأنها قانون يملي المنطق. الأدب يملي الشك الذي يعيد ترتيب كل هذه المحاور ويمنح للساحرة موقع الجمال، ولذا فأنا أغير مواقع الشخصيات التي أستلهمها، فقد تكون شخصية شريرة لتتحول إلى شخصية أتصالح معها على أرض الأدب أو تكون شخصية رحيمة مثل شخصية *رحمة* وهي شخصية وهمية يخيفون بها الأطفال، ويعتبرونها ملاكا للرحمة وهي تأتي لتقبض الأرواح مثلما هو موجود في نص"ملاك لا يحبني" ضمن مجموعتها القصصية "أخاف من..." وهذا التحول هو في تغيير هذا الكائن إلى ملاك يعيش النقيضين، ففي المنظور العام، فنحن نشبه الإنسان الذي يحمل أخلاقا عالية بالملاك، لأنه غير موجود على سطح الأرض، لكن الأدب يحمل منظورا آخر، إنه بالنسبة لي لا يتصالح مع هذا الملاك الذي لا يحب، إنه يضمر البراءة والقتل، فكيف يلتقيان في الأدب، فأجدني أعيد بناء هذا الموضوع، إذ كيف نسمي ملاكا للرحمة من يأتي ليقبض أرواحنا؟ في الأدب هو ليس ملاكا، إنه حتما شيء آخر. رغبات فقط: مبرزة بعد ذلك مسارها القصصي الذي اعتبر جريئا على مستوى الطرح من خلال المجموعة القصصية"رغبة فقط" التي اعتبرها الكثيرون بمثابة نص يضم مقاطع جنسية فاحشة، وكانت هذه المجموعة بمثابة سؤال لجميع الأشخاص وعدم تصالح رغبتهم مع الواقع، سواء المرأة التي تعشق رجلا خارج المؤسسة في قصة "رغبة فقط" أو"البارميطة" التي تحب أحد الزبائن في حين يعتبر ذلك خارجا عن قانون البارميطة بوصفها فتاة هوى، أو الرجل المثقف الذي يترك زوجته نائمة لينزوي ويمارس عاداته السرية كما يحب لأن لا أحد يستطيع أن يشبعه جنسيا كما يريد في قصة "الكية" أو الاكتواء بنار الحب. وحين صدرت مجموعتي ضفائر، وهي مجموعة قصصية تحمل عناوين نسائية، فكل القصص لها عناوين أنثوية ولكل أنثى مساحات لا تنتهي من القول عن مصيرها الشخصي واختلافها عن الأخريات، فنجد عالية، منانة، طامو، غيثة، ليلى، حياة، رقية، زينب، إلى آخره، وهي كلها قصص كتبت وكأنها تحكي محكيا سير ذاتي وترسم بطاقات للشخصيات. لتنتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أطروحتها "السيرة الذاتية النسائية في العالم العربي" لنيل دكتوراه الدولة التي ستصدر قريبا في عمل نقدي تناولت فيها إشكالا محوريا: هل هناك سيرة ذاتية نسائية؟
وماذا عن اختلافها عن السيرة الذاتية الرجالية؟ وماذا عن النظريات التي تطورت والتي أصبحت تنظر إلى السيرة الذاتية وكأنها تخييل ذاتي وقلب جمالي للأحداث. خلصت فيها من خلال اشتغالها على متن أساسي يخص كاتبات العالم العربي(الكاتبة المصرية نوال السعداوي في ثلاثيتها "أوراقي...حياتي"، والكاتبة الفلسطينية في سيرتيها "رحلة جبيلة..رحلة صعبة" و"الرحلة الأصعب" والكاتبتين المغربيتين ربيعة السالمي في سيرتها "الجلادون"، و"فاطنة البيه" في سيرتها حديث العتمة..) إلى أن الكاتبات يصنعن تاريخا جديدا للكتابة عبر اختلاق روايتهن الأسرية التي لا تمت إلى الواقع بأية صلة، ولذا كانت العلاقة التي تربط بين الكاتبة والساردة هي علاقة لا تتطابق ولكنها تختلف؛ إذ أن ساردة هذه السير الذاتية النسائية هي ساردة ثرثارة كما تقول دوريت كوهين في كتابها "خصوصية التخييل"، إنها تلعب دورا مزدوجا، سرد محكي سير ذاتي روائي وابتعاد كلي عن الذات الكاتبة التي تنسج أكثر مما تقول. إنها تكذب بصدق، ولذا فإن ذلك الكذب يجعلها تكتب بواسطة لغة تضمر دوما ثنائية في الأسلوب والتركيب، ذلك أن هناك الأنا والأنا الأعلى داخل الأسلوب وهو ما يؤثر على هيجان اللغة ويعيد توزيعها إلى استعارات وقلب وحذف وتهوين وتلطيف بشكل يضفي جمالية على الأسلوب لكنه يبعد الذات الكاتبة من الظهور ويجعلها تمر بعيدا عن السرد المباشر. إننا أمام كتابة من نوع خاص، ما زالت تهذب اللغة وتدخلها في الخجل رغم جرأة بعض الكاتبات، إلا أن هناك لغة ما زالت تخفي حضور الجنسي من مساحات البوح السير ذاتي. إننا أمام عالم يصعب استجماعه ذلك أن الذاكرة مليئة بالهفوات والثقوب وكيف إذا كان الأمر يتعلق بذاكرة نسائية تنوي الاختفاء أكثر من البوح؟ تتابع لطيفة لبصير"إننا نصنع هذه الرواية الأسرية كي نحيا في عالم خاص. ولذا وجب صنع رواية أسرية للشخصية، فهي لا يمكن أن تقتات وجودها اليومي دون علاقتها بالسلالة الشجرية التي نشأت فيها. لتنتهي بالحديث عن جديدها"محكيات نسائية، لها طعم النارنج" التي ستصدر قريبا، وتعود فيها للكتابة عن النساء، معترفة في هذا السياق أن قصص النساء لها هذا الطعم المر للنارنج رغم ما يبدو على السطح من منظره الجميل، معتبرة أن هذه المحكيات تمثل تجربة خاصة خاضتها، وهي تجربة سرد النساء لحيواتهن، بحيث محكي الحياة يصبح محكيا سرديا من دون إضافات كثيرة لأنه يراعى فيه الترتيب الزمني، من الألف إلى الياء، إنها "حيوات غريبة جدا عاشتها نساء، كأن تنتقل من سيدة محترمة إلى عاهرة فيتغير مصيرها جراء البناء الاجتماعي، أو تتحول من فتاة صغيرة إلى ممارسة لزنا المحارم فتنجب من الأب، ويصبح إبنها أخا لها في نفس الآن، إنها محكيات مثيرة مسرودة من واقع القصص النسائي المغربي، وهي تظهر وضع المرأة الآن في زمن يتطور فيه المغرب ويغير شروطه الاجتماعية، وتوجد لديه مدونة للأسرة. هناك أسئلة كثيرة يطرحها هذا العمل وذلك بغية تحويل أوضاع النساء التي ما زالت تعاني الكثير من الانهيارات.