مكاسب العدو وخسائرنا من اتفاق أوسلو
بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967 رفعت الأنظمة ونخبها الثقافية شعار (اعرف عدوك)، ونشطت الكتابة لتعرفنا بعدونا وللأسف لم يصاحب ذلك سياسات وممارسة لتحصين مجتمعنا وأجيال أمتنا من الاختراق، وإلا كنا أدركنا طبيعة العدو الصهيوني وتسويفه وجدله ومفهومه للسلام! فالسلام في مفهومه وسيلة لاختراق مجتمعاتنا في جميع المجالات وعلى كل المستويات، وذلك ما كشفه مناحيم بيغن نفسه في الكنيست الصهيوني عام 1979م أثناء دفاعه ضد انتقادات المعارضين لاتفاقيات كامب ديفيد آنذاك. وبعدها أصدر كتاباً له باسم "الاختراق" يؤكد فيه على أن ما فعله من اتفاق مع مصر إنما هو تنفيذاً لأوامر الرب (يهوه)، ويوضح فيه لليهود الدور الذي عليهم القيام به في المرحلة القادمة مرحلة ما نسميه (السلام)! أما وزير الحرب الصهيوني آنذاك (عزرا وايزمان) فقد كشف في دفاعه عام 1979 عن توقيع معاهدة (سلام) مع مصر، أن ذلك كان حلم وهدف الصهاينة من قبل اغتصابهم لوطننا عام 1948، فقال مفاخراً: "لقد حاربنا خلال السنين لنصبح جزءاً من هذه المنطقة، التي نحن متجذرين فيها من الناحية التاريخية، والتي جلبنا الحضارة إليها فهذه حرب سياسية دائمة فقد بحث جميع قادتنا عن الطريق المؤدية للاندماج. وإنه لشرف عظيم لحركة حيروت ولمناحيم بيغن أنهما قادا الشعب إلى هذا الطريق". فالسلام في مفهوم العدو الصهيوني وسيلة للاختراق الذي سيسهل اندماجه في نسيجنا الاجتماعي كجزء أصيل في المنطقة وليس محتل دخيل! وقد اشتدت حاجته لما يسمى (السلام) بعد الانتفاضة الأولى عام 1987م التي شكلت عبئاً ثقيلاً على اقتصاده، وأصبحت الأراضي المحتة كابوس يؤرق قادته الصهاينة في نومهم ويقظتهم، فجاء اتفاق أوسلو منقذاً له، وليحقق من خلاله مكاسب كثيرة ذكر أهمها وأخطرها: كان الخطوة الأولى منذ عام 1948 التي ستمكنه من تصفية القضية المركزية للأمة والتخلص من الضغط السياسي العالمي الذي كان يتمثل في مطالبته بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، والتي كانت تتراوح ما بين تنفيذ قرار التقسيم (181/1947)، مروراً بقرار (194/1949) الذي ينص على حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين الذين شردتهم العصابات اليهودية الصهيونية من وطنهم واغتصبت بيوتهم وأرضهم، وذلك بالتأكيد على أن أساس أي تسوية هو: قراري مجلس الأمن (242/1967 و 338/1973) اللذان ينصان على اعتبارنا مجرد لاجئين بحاجة إلى مساعدات إنسانية اجتماعية واقتصادية! كما أنه حصل بموجبه على اعتراف فلسطيني من الدرجة الأولى، أما اعترافه بالطرف الفلسطيني فليس ملزما اعترافاً له ويمكنه سحبه في أي وقت، وذلك ما فعله أيهود باراك بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، وأعلنها: (لا يوجد شريك فلسطيني)، وذلك معناه انتهاء اتفاق أوسلو! وجاء شارون وبقِ مُصراً على أنه لا يوجد شريك فلسطيني ثمأعلن إلغاء اتفاق أوسلو وغيره، دون أن يقع عليهما أي التزامات في الوقت الذي وقع فيه اللوم على الجانب الفلسطيني وتمت مطالبته بتنفيذ ما تم التوقيع عليه في أوسلو وغيرها من الاتفاقيات! كما أن اتفاق أوسلو حول القضية من قضية عربية وإسلامية ودولية إلى قضية محلية ولم تعد الأمم المتحدة هي المرجعية في حلها، ولكن اللجان المشتركة بينهما التي شُكلت برعاية أمريكية، وذلك ما أدركه الطرف الفلسطيني متأخراً وبدأ يحاول استعادته بعد انتفاضة الأقصى المبارك، ويحاول رفع سقف التفاوض إلى الأمم المتحدة! ومن النتائج الخطيرة لاتفاق أوسلو على مستقبل القضية المركزية للأمة أنه أجهض المشروع العربي الرسمي الوحيد المناهض للوجود اليهودي في فلسطين وهو الثورة الفلسطينية، وحاول احتواءه وتوجيهه لخدمة أمن العدو الصهيوني والحفاظ على وجوده، وذلك من خلال التنسيق الأمني بينهما! كما أنه سيضاعف دخله القومي من خلال مشاريع التعاون الاقتصادي المشتركة التي ستجعله شريكاً في ثرواتنا، ومهيمناً على الصناعات المتطورة واحتكارها وخاصة في المجال التكنولوجي وصناعة السياحة، التي سيتم تنفيذها تحت مظلة (النظام الإقليمي الجديد) أو (السوق الشرق أوسطية)، والتي ستكون بديلاً عن الوحدة العربية والسوق العربية المشتركة التي لم تتحقق منذ ما يزيد على ستة عقود، وسيكون للعدو الصهيوين فيها دوراً فاعلاً حسب مخطط هرتزل قبل نحو 120 سنين، فقد دعا إلى "ضرورة قيام كومنولث شرق أوسطي يكون (لدولة اليهود) فيه شأن فاعل، ودور اقتصادي قائد". وهكذا يستعيد ما اعتبره (بنحاس سابير) وزير المالية الصهيوني عام 1979م أنها أموال اليهود التي يعبث بها العرب الهمج في كازينوهات ومنتجعات الغرب ويجب أن تعود إليهم! كما أن العدو الصهيوني يجني المزيد من المكاسب المالية والعسكرية بعد توقيعه لكل معاهدة سلام، فهناك علاقة وثيقة بين مفهومه لـ(لسلام) وزيادة قوته العسكرية. قال شيمون بيريز: "لتصنع السلام كن مستعداً للحرب". وقال إسحاق رابين: "علينا أن نكون مستعدين لحرب شاملة متوسطة وطويلة المدى". وهذه التصريحات جاءت بعد توقيع اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، ووادي عربة مع الأردن. فمبدأ السلام في مفهومه قائم على الردع والقوة العسكرية وليس على العدل وإعادة الحقوق لأصحابها! لذلك تحول كيان العدو الصهيوني بعد مؤتمر مدريد عام 1990 إلى مستودعاً لأسلحة حرب الخليج الثانية، إضافة لسلاحه النووي! كما سيتمكن العدو الصهيوني من اختراق مجتمعنا وتحقيق هدفه السياسي الاستراتيجي بمنع قيام وحدة عربية أو إسلامية من خلال تأجيج الصراعات الداخلية العرقية والطائفية والمذهبية والسياسية والفكرية وعدم تحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي على صعيد القطر الواحد، ثم الاندماج وقيادة النظام الإقليمي الجديد! لذلك منذ أن تم توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 اندفع العدو الصهيوني بمشاركة عالمية نحو إنشاء نظام إقليمي جديد، تجاوبت معه دول عربية على الرغم من القرار الذي صدر عن خبراء المجالس القومية المتخصصة في جامعة الدول العربية بالاشتراك مع خبراء من الخارجية ونشرته صحيفة الأهرام بتاريخ 24/1/1995، وجاء فيه: "لا مصلحة للبلاد العربية في إنشاء سوق شرق أوسطية. ويجب التركيز على ضرورة عدم إنهاء المقاطعة العربية قبل الوصول إلى تسوية مقبولة لكل القضايا المطروحة"!مصطفى إنشاصيانتهى اتفاق وسلو باندلاع انتفاضة الأقصى وفشل محادثات كامب ديفيد في الاتفاق على تسوية وإعلان الدولة الفلسطينية. وقد كان من ثمار انتفاضة الأقصى أنها أوقفت اندفاع بعض الأنظمة العربية نحو النظام الإقليمي الجديد وكادت تجهضه، ما دفع العدو الصهيو - أمريكي للبحث عن مخرج يتخلص فيه من أعباء الانتفاضة ويحافظ على ما بقي من مكاسب ويستعيد ما فقده. فطرح بوش فكرة الدولة الفلسطينية في حدود مؤقت عام 2002، وحاول استثمار احتلاله للعراق والبدء بتنفيذ خارطة الطريق وإعادة رسم خارطة وطننا. فتم عقد قمتي شرم الشيخ والعقبة يومي 3، 4 حزيران/يونيو 2003، وعلى الرغم من أنهما كشفتا عدم جدية أمريكا في التوصل لتسوية عادلة إلا أنه تمت العودة لعقد المنتديات الاقتصادية العالمية "منتدى دافوس" في منتجعات البحر الميت الأردنية عام 2003، وتوقيع معاهدة "الكويز" الاقتصادية بين مصر وكيان العدو الصهيوني، والإعداد لتنفيذ مشروع بوش لـ(لشرق الأوسط الجديد)! تلا ذلك في نهاية عام 2003 إعلان شارون عن خطته الأمنية لفك الارتباط مع غزة من طرف واحد التفف بها على المقاومة وخارطة الطريق، في محاولة لتصفية القضية تصفية نهائية بــ(دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة) في قطاع غزة! وذلك ما عبر عنه الكاتب الصهيوني (إتساف بارئيل) في تعليقه على نتائج حوارات تفاهمات القاهرة في آذار/مارس 2005م، وموافقة حماس على المشاركة في الانتخابات التشريعية ودخول منظمة التحرير، والموافقة على تهدئة لمدة عام كامل تمنح العدو الصهيوني خروجاً مشرفاً من غزة، لأن شارون اشترط ألا يخرج تحت إطلاق النار حتى لا يظهر ذلك وكأنه خرج هارباً! حيث كتب: "إن إنجاز هذه المرحلة يعني حدوث تحرر جديد، أي تحرر النزاع (الإسرائيلي)- الفلسطيني من النزاع العربي- (الإسرائيلي) ويعيد مشكلة فلسطين إلى الفلسطينيين"! لذلك جاء فك الارتباط مع غزة كجزء من الهجمة الصهيونية - الغربية على الأمة والوطن التي تستهدف المقاومة، ليسهل له ممارسة الضغوط على الأنظمة العربية لإحداث نقلة أكبر على طريق الانفتاح والتطبيع ودمج العدو في نسيج الأمة والوطن وإعطائه دور القيادة والمركز. وذلك ما أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بعد الاتفاق على فتح معبر رفح عام 2005، عن توجه الإدارة الأمريكية لإشراك كيان العدو الصهيوني في لعب دور في جهود الولايات المتحدة لنشر الفوضى (الديمقراطية) في وطننا، كوسيلة للقضاء على مقاومة الأمة لكل مشاريع الهيمنة اليهودية- الغربية عليها. التاريخ: 19/9/2018ما بعد أوسلو