بسم الله الرحمن الرحيم
الرحمن الرحيم والرحم
د.ضياء الدين الجماس
افتتح القرآن الكريم كلماته الخالدة المقدسة باسم الله تعالى ثم تلاهمباشرة باسم الرحمن والرحيم وذلك في البسملة ، فما معنى اسمي الرحمن والرحيم؟ وهل يتجليان حقيقة في خلق الله تعالى؟
ورد في الحديث القدسي : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " أَنَا الرَّحْمَنُ ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ ، وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ
" .
لقد تبادر إلى ذهني أن اسم الرَّحِم مشتق من اسم الرحمن والرحيم حسب الحديث القدسي الشريف، (وهذا من أبلغ التشبيهات)، فما الذي يقدمه هذا العضو ليتجلى فيه هذان الاسمان الكريمان؟ وكيف يكون ذلك ؟ .
عضلة الرحم عضلة قوية متينة غنية بالأوعية الدموية عندما تنغرز فيها البيضة الملقحة إيذاناً ببدء الحمل، فهذه العضلة تستسقر بقرار مكين ضمن الحوض العظمي محمية من جهة وتؤمن الحماية والرعاية للبيضة الملقحة حتى اكتمال جنينها واستعداده للخروج منها إلى الرحم الكونية ليعيش بنشأة أخرى ضمن رحمة أخرى من رحمات الله تعالى عز وجل اللانهاية لها.
فالرحم باستعدادها لتأمين كافة متطلبات حياة الجنين يتجلى فيها اسم الرحمن وذلك بإمدادها الفعلي للجنين بما يحتاجه من متطلبات يتجلى فيها اسم الرحيم سبحانه وتعالى كاسم تصرف وفعل لله تعالى.
فتأمين الحماية بعظام الحوض وجدر الرحم والمشيمة والبطن من أهم تجليات الرحمة في الرحم.
وتأمين الغذاء ومتطلبات الهواء من الأكسجين عبر المجاري الدموية المتجاورة بين أوعية الجنين وأوعية رحم الأم مظهر آخر من تجليات الرحمة الإلهية. ولو نقصت تلبية أيَّة حاجة من حاجات الجنين سيكون أثر ذلك شقاء عليه.
إنَّ إحاطة الجنين بسائل مائي الطبيعة يقيه من صدمات ورضوض البطن ، مظهر آخر لتجليات الرحمة بالجنين..
وعند اكتمال الخلقة تبدأ الرحم بإخراج الجنين بكل يسر ولطف لا يشعر بشيء من الإزعاج ، وهذا شكل آخر من تجليات الرحمة الإلهية...
إن أمثلة تجليات الرحم باسم الرحمن الرحيم لا تختلف عن هذه التجليات في الرحم الكونية ، فبعد الخروج من رحم الأم يقوم الأبوان بما زرعه الله تعالى من حنان الأبوة بالرعاية الكاملة وتلبية حاجات هذا الوليد الجديد ، وهذه أولى تجليات الرحمن الرحيم بعد الولادة.
إن تأمين كون عظيم يوفر للمخلوقات متطلباتها من الغذاء والهواء والدواء والأرزاق المختلفة التي تنمي الجسم والنفس والعقل بإرسال الأرزاق والمعلمين والهداة كلها من أشكال الرحمة اللانهائية .
فسبحان الله الرحمن الرحيم.
أدعوك أخي الكريم أن تتوسع بالتفكير في تجليات هذين الاسمين العظيمين على مستوى الجسم والنفس والمجتمع والمعاملات... ( ورحمتي وسعت كل شيء). وأشكال الرحمة الإلهية مطروحة في القرآن الكريم بشتى صورها ، كخلق الليل والنهار ، وإرسال الأمطار وإنبات الزروع ، كلها من آثار وأنماط رحمة الله تعالى التي لا تنتهي طالما أنك تفكر فيها ... لعلك بهذا التفكير وما تصل إليه من نتائج تحب هذا الرب الرحمن الرحيم ولا تنس فضله عليك، كما أرجوك ألا تنسني من دعائك بظهر الغيب.
الرحمن الرحيم
هوَ الرحيم وبالرحمن رحمته ... ينجو بها مؤمن والحب دانيه
وانظر بخلقك في الأرحام تعرفه ... رحمن في رحمة تدنو دواليه
يؤتى الجنين حمى والرحم تحرسه ... ينمو بلا كدر والله كافيه
رحمن في ذاته والرحمة اتسعت ... رحيم في فعله تدنو دواليه
ربٌّ ودود وفي الدارين يرحمنا ... هو الكريم ولا تـخفى معاطيه
والحمد لله رب العالمين