لا تتكلم في حضرة البحر



كانت أشعة الشمس ترتق آخر ثقب في الأفق,وكان لامتزاج اللون هناك,في تلك العين الحمئة,أثر السحر...
صوت النوارس يعلو خلف قارب صغير يزحف نحو المرفأ,حيث بيوت الصيادين القصبية, ذات الأبواب الصدئة, تقبع وراء كثبان رملية كستها نباتات شوكية...
كنا نمشي كعادتنا.يطول مشينا وكثيرا ما يطول صمتنا........
تأخرت في اللحاق بها لأنزع حذائي حين أغوتني قدماها الحافيتان بالمشي على أثرهما.تذكرت قولة فرنسية شهيرة
Il ne faut jamais marcher sur les pas des autres
وقلت هي ليست هذا الآخر بل هي قطعة مني تخبئ أسرار عشقي ...ثم وضعت قدمي اليمنى على أثر قدمها وقرأت دعاء ولوج الروح...
التفتت تعيرني بالهرم ,والحقيقة...أتعبني المشي خلفها على رمال نصف مبللة...
مدت يدها,جذبتني...كنا وحيدين والماء...نرقب النوارس التي خبا صوتها وتراصت على حافة بقايا سفينة ناتئة وسط الزرقة...
غابت الشمس,لكن الاحمرار لازال يزفها ببطء...
" للأزرق يا أحمد سحر خاص.كنت كلما اختلفنا أتيته منكسرة...كنت أكتب على هذا الرمل,كما نفعل الآن على حواسبنا وهواتفنا النقالة,رسائل قصيرة وكانت ألسنة المويجات الكسيرة تمسح بعض الكلمات أو بعض الأحرف فتتراجع تاركة لي مساحة التأويل إلى أن استرد صفاء ما جمعنا...."
فأعود إليك,لأجد وجهك قطعة من الليل,منكبا تكتب حزنا أسميته فيما بعد" قصائد بلون الماء" أمرر كفي المرتعشة على خصلات شعرك بلمسة حانية تفتت الحجر ـ كما كنت تصف لمسات أمك التي رحلت مبكرا ـ فتشرع في قراءة مقاطعك الشعرية

الجديدة...دون التردد الذي الفته فيك,كنت توافق على أول تصويب يصدر مني كطريقة ذكية لمصالحتي...
أو كنت ,عندما يأخذني حديث الموج,وأفشل في استعادة صفاء الروح ,كنت تلحق بي حاملا معطفي والكوفية الفلسطينية التي أهديتني ونحن بساحة الجامعة نخلد يوم الأرض...الأرض التي تنأى الآن في طرق وخرائط...
تعانقني دون أن نتكلم..........
نمشي كما نمشي الآن.........
نستلذ دفئ أجسادنا,دفئ الشمس أو غروبها,صوت النوارس أو سكونها على بقايا تلك الباخرة الراسية إلى الأبد...
كنت أدرك غيرتك من هذا الأزرق...من هذا الذي يجمعني به...كيف يعيدني إليك في صورتي الأولى,صافية كانبلاج الصبح...
أردت أن أتكلم فكانت يدها كمامة ناعمة على فمي " لا تتكلم في حضرة البحر" كانت هذه طريقتها الأذكى في الصفح عما بدر منى...
كان الشاطئ لنا وحدنا ,بدأ الضباب يلفنا,التصقت بي أكثر وخرج صوتها "لولا البحر يا أحمد لكنت غزلت من قصائدك ضفائر اشنق بها رغبتي واعبر بها صوب النسيان "
وتابعت بعد توقف...."هيا ندخل ...أشعر بالبرد".