مقدمة ديوان" بحر الدميرة" لعادل صابر
**************************
الموال
ــــــــــــــــ
الموّال هو تنهيدة المقهور وونَس الفقير .... عريقٌ كنهر النيل والفلاح وغيط القمح ... شامخٌ شموخ النخل فى صعيد مصر .... حزينٌ كصوت الناى ونوح السواقى وشمس المغارب .... مبهج كأبراج الحمام ... مغدقٌ وعطّاء كبحر الدميرة !!
يُعَد الموّال من أهم الفنون الشعبية بل هو مَلِكَها على الإطلاق فهو البداية التى يبدأ بها المطرب الشعبى حين يغنِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِّى وهو النهاية التى ينهى بها اغانيه أى ان الموال هو الألف والياء بالنسبة للأغنية الشعبية وخاصة فى ريف مصر العظيم
************************************
أنواع الموال :-
********
ينقسم الموال الشعبى من الناحية الفنية الى عدة انواع اهمها :-
1- الموال السبعاوى أو السباعى أو المسبّع كما تسميه الجماعة الشعبية ..وهو عبارة عن سبعة أغصان او شطرات من البحر البسيط وهذه السبعة أغصان تتكون كما يلى :- أ أ أ ب ب ب ...ب أ ..أى ان الثلاث اغصان الاولى يكون لهم قافية واحدة والثلاث اغصان الثانية يكون لهم قافية اخرى متشابهة اما الغصن السابع والاخير فينقسم الى نصفين يحمل النصف الاول منه قافية الثلاث اغصان الثانية والنصف الاخير يحمل قافية الثلاث اغصان الاولى وتسمى بالقفلة فى عرف الجماعة الشعبية ويعتبر الموال السبعاوى هو الأشهر فى عالم المواويل وذلك لأهتمام المطربين الشعبين بهذا النوع من الموال فى احتفالاتهم الشعبية ونضرب مثالاً لهذا
انواع من الموال :-
************
اللقمة من إيد بخيل أبداً متاخدهاش...........أ
ونصيحة الرأى من جاهل ماتاخدهاش.......أ
وكلمة الحق من ظالم ماتاخدهاش.............أ
أرض الأسوُد كدبِّت رمحوا الكلاب فيها .....ب
وزرعة خالية السبَخ طلع الهالوك فيها .......ب
وعديمة الأصل لو نفسك تموت فيها.........ب
مادام العيال زغوطوا فيها /ماتخدهاش .....ب أ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- الموال السداسى وهو يتكون من ستة اغصان أ أ أ ب ب .. ب أ أى ان الثلاث اغصان الاولى تحمل قافية واحدة متشابهة والغصنان الأخريان يحملا قافية واحدة اخرى ثم ننصِّف الغصن السادس الى جزئين النصف الاول يحمل القافية الثانية والنصف الأخير يحمل القافية الأولى كما فعلنا مع الموال السبعاوى أو المسبع ومثالاً لذلك :-
رموش عيونك شجر وضحكتك بستان .......أ
والخــــد بدر اكتمل قال للحبيب بستان.........أ
لابس عباية حرير ومطرزة بستان.........أ
قلبى المتيّم رقص مع رن خلخاله...........ب
لو يمشى تمشى معاه الارض يابو خاله......ب
ع الخــد خاله/ بيشبه تينة فى البستان ...... ب/ أ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- الموال الخماسى
**************
ويسمى بالأعرج لانه به قافية البيت الرابع الوحيدة التى تختلف عن بقية الأغصان مع انها اقوى غصن فى الموال الخماسى لانه تمهيد للبيت الاخير الذى هو عصارة الموال وخلاصته وتكمن فيه خبرة القوّال الحياتية ومايحتويه من حكمة او فكرة او طرفة او حالة درامية والعرَج هنا ليس عيبا فى الموال ولكنه ميزة ويزيد الموال قوة وجزالة .. ونضرب مثالاً للموال الخماسى الذى تتكون قافيته من أ أ أ ب أ
يا صاحب العقل مامعاكش تبيع منه !!....أ
قاللى معايا كتير ولكن مكتسب منه .......أ
والبيت اللى كِتِر هرجه قِل الخُطا منه ......أ
لتضيع منه البضاعة يتهموها فيك.......ب
تبقى انت متهوم وغيرك يرتزق منه.....أ
الموال الرباعى أو الربعاوى :-
*********************
وهو من أقوى وأبسط انواع الموال وذلك لسهولة حفظه وتكراره بين افراد الجماعة الشعبية وقد اخترت ان يكون مواويل كتابى هذا كلها من هذا النوع لِما وجدته من اقبال شديد من المتلقى لهذا النوع من الموال الربعاوى وقد جعلته كله من النوع المقفول وقد بذلت فيه جهداً كبيراً حتى يعيش بين افراد الطبقة الكادحة لما به من حكمة ودراما والتلاعب بالقفلات التى تتبارى الجماعة الشعبية فى فكها لما تحمله من متعة لامثيل لها بالنسبة للمتلقى الذى يشحذ ذهنه ليفك هذه القفلات الشديدة الصعوبة احياناً والمباغِتة والتى تصيب المتلقى بحالة من الدهشة .ويتكون الموال الربعاوى من الناحية الفنية من اربعة اغصان عبارة عن أ أ ب أ ... اى ان الغصن الاول والثانى والرابع يحملوا قافية متشابهة اما الغصن الثالث فيحمل قافية مختلفة عن بقية اغصانه وهو فى تقديرى اهم اغصان المربوع لانه يحمل مهارة القوّال ويمهد ويفرش الطريق للبيت الأخير الذى يبيّن خبرةالقوّال الحياتية. والموال الربعاوى يختلف اختلافاً كبيرا بينه وبين المربع وفن الواو من الناحية الفنية والتركيبة فالواو يسير على بحر المجتث اما الموال فإنه يسير على وزن بحر البسيط وذلك لأن هناك الكثير من الناس يخلطون مابين فن المربوع وفن الواو .
انواع الموال من الناحية الفنية :-
*************************
ينقسم الموال من الناحية الفنية الى نوعين ....
1- الموال المقفول وهو من اصعب انواع الموال وتحمل قافيته جناساً تاماً ويسمى القفلة اى ان المفردات فى نهاية الأغصان تتفق فى الشكل وتختلف فى المعنى والمضمون ويستطيع القوال الماهر ان يصنع القفلة إما بتطويع المفردة الواحدة الى اشكال مختلفة تتساوى فى الشكل وتختلف فى المعنى أو بدمج مفردتين معاً لتكوين مفردة واحدة وهنا يتبارى الجماهير لفك غموض القفلة بشئ من المتعة وشحذ الذهن والمباغتة المدهشة .
2- النوع الثانى هو الموّال المفتوح الذى يعتمد فيه القوال على القافية فقط أو حروف الروي التى تنتهى بها اغصان الموّال وهناك الكثير من الجماعة الشعبية تفضل هذا النوع من الموال لأنه سهل الحفظ والتكرار ولايرهق ذهن المتلقى ولكن فى تقديرى ان الموال المقفول اكثر إثارة وخلوداً فى الذاكرة الشعبية من الموال المفتوح .
أما من ناحية انواع الموال الغرضية فيتكون الموال من ثلاث انواع هم :-
**********************************************
1- الموال الأحمر ....وهو مايعبر عن تقلبات الدهر والدنيا واحوالها ومعاناة الإنسان منها وطبائع البشر الخالدة والشر الذى يعترى النفس الإنسانية من مكر وطمع وخيانة وتنكر الصاحب وغدر الصديق والنذل وخائن العيش والمتنكر لأصله والأصيل وقهره الذى لايفتر دائماً فى هذه الحياة .
2- الموال الأخضر .... وهذا النوع يتناول العشق والغزل بكل انواعه وطبيعة المحبوب وخصاله من حب وهيام ولوعة وجوى وعشق وهجر ووصال ووصف محاسن المحبوب والتغزل فى سجاياه .
3- الموال الأبيض .... وهو الذى يعبر عن وصف الطبيعة وابداع خلق الله كما انه يتناول صفات الود والمحبة السامية بين البشر .
لماذا اخترت المربوع أو الموال الربعاوى المقفول :-
*********************************
لقد اخترت ان يكون ديوانى هذا فى الموال المربوع لأسباب عديدة اهمها :-
1- قِلّة عدد اغصانه .. فالموال الربعاوى هو الأقل عدداً فى عدد الاغصان فهو يتكون كما قلنا سالفا من اربعة اغصان فقط يحمل الغصن الاول والثانى والرابع قافية واحدة أما الغصن الثالث فيحمل قافية مختلفة عن بقية أغصانه وسترَون الكثير من المربوع فى كتابى هذا الذى اتعشم وارجو من الله سبحانه وتعالى ان يحوذ اعجابكم .
2- بساطة مفردات الموال الربعاوى مما يجعل الكثير من افراد الجماعة الشعبية قادرة على حفظه وترديده فى مناحى الحياة المختلفة فهو غالباً مايرسخ فى ذاكرة المتلقى ولايمكن نسيانه بسرعة لذلك قد يكتب الله الخلود لمثل هذه الانواع من المواويل البسيطة القوية فى التركيب والتى تحمل حكمة تأتى على وجع مختلف افراد الجماعة الشعبية فالكبار يتأثروا دائماً مع الموال الذى يعبر عن الزمن وتقلباته والدنيا واحوالها ... والاصيل يروق له سماع موال عن النذل والخسيس .. أما الشاب فينسجم دائماً وهو يستمع الى الموال الأخضر ومابه من غزل وحب ووصف للمحبوب وهكذا نجد اننا نخاطب جميع طبقات الجماهير بموال بسيط سهل الحفظ ويحيا بقوة فى الذاكرة الشعبية البسيطة .
3- أما اختيارى للمربوع المقفول بالذات ففى تقديرى ان هذا النوع من الموال يُدخِل على المتلقى الدهشة والأنبهار وفى نفس الوقت يفرز مهارة القوّال وصنعته فى فن الموال مما يجعل الجمهور يتبارى لفك القفلات التى قد يعجز البعض احيانا عن فكها مما يصيبنا بالمباغتة الممتعة التى تعطى للموال نوعاً من الخلود والإستمرارية .
4- الحفاظ على المفردات التراثية خلال الموال خوفاً عليها من الإنقراض تحت وطأة اقدام ثورة المفردات الدخيلة التى يحفظها الشباب هذه الايام والتى تزحف علينا من كل فج عميق وذلك بغرض القضاء على موروثنا الشعبى العظيم وزخَم المفردات التراثية التى تمثل لنا الهوية الشامخة التى تسكن فى ذاكرة الجماعة الشعبية .
أغراض الموال الشعبى :-
*****************
كان للموال الشعبى القديم أغراضه المعروفة لدى الكثير والتى كانت تنحصر فى اغراض الفخر والهجاء والغزل وسب الدنيا والتخوف من غدرها والتحذير من تلاعب الدهر بالإنسان وذلك من خلال العظة مما حدث للغابرين .وقد كان الموال فى بادئ الأمر يتكون من " فرش وغطا " أى انه يقولاه اثنان من المنشدين أو القوّالين احدههما يفرش والثانى يغطّى وتكون مهمة المغطِّى اكثر صعوبة من مهمة الفارش وذلك لأنه ينبغى عليه ان يرد على الفارش بنفس الموال من ناحية الغرض والمضمون وكان بينهما شخص ثالث يسمى " الصيرفى " ووظيفة الصيرفى هذا هى فك القفلات التى يعصى فكها على الجمهور وحين يصعب عليهم الأمر يطلبوا من الصيرفى ان يفكها ...
أما فى ايامنا هذه فقد تطورت اغراض الموال الى كثير من الاغراض التى أُضيفت الى الاغراض القديمة مثل حب الأوطان والثورات والحروب والحديث عن وسائل المدنية الحديثة التى طرأت على الناس والتى لم تكن موجودة فى عصر القوالين الغابرين .
ماالفرق بين الموال الجنوبى وموال الوجه البحرى :-
فى تقديرى وبدون تحيّز ان الموال الجنوبى اكثر قوة وجزالة من موال الدلتا وذلك لان موال الجنوب يتوفر له المناخ الخصب والثروة اللغوية الهائلة وعبقرية المكان بكل زخَمه اكثر من موال الدلتا المترهل الذى لايعيش طويلا فى الذاكرة الشعبية ولايحمل الدهشة والمباغتة للمتلقى ولهذا اسباب عديدة منها ان القوّال الجنوبى اكثر معاناة من قوّال الوجه البحرى المترف الى حد ما حتى على الأقل فإن قوال الدلتا لم يقف طويلا تحت صهج شمس الجنوب اللافحة .
بحر الدميرة :-
***************
***************
قد يجهل الكثير من الشباب والجيل الصاعد معنى هذا العنوان الذى اخترته ليكون عنواناً لهذا الديوان "بحر الدميرة " لذا كان لزاماً علىّ توضيح الإسم ..
فى العهد السابق قبل بناء السد العالى كان نهر النيل العظيم يفيض على مصر فيغمر الأرض بالطمى الجنوبى ويحييها بعد الموات ويذكر أن لفظ الدميرة " لفظة هيروغليفية الأصل من "تا ... مري" ومعناها " وقت الفيضان" وكان نهر النيل ومازال يُسمَى عند الجماعة الشعبية بالبحر وكأنهم يستصغروا مفردة النهر على النيل العظيم ... وكان الناس تنتظر بحر الدميرة بفارغ الصبر ليرووا عطشهم وعطش ارضهم التى هى فى شوق دائم الى الحبّل من بحر الدميرة العظيم لتلد لنا الزروع والاشجار بعدما يضاجعها ويمضى تاركها فى انتظاره فى المرات القادمة .... وقد ربطْت بين بحر الدميرة وبين الموال الشعبى التى تفتقده الجماعة الشعبية زمناً طويلاً حتى يأتى أحد الشعراء أو القوّالين ليروي عطشهم الوجدانى بمواويله التى تشبه بحر الدميرة فى وقت فيضانه فيروى شوقهم ويبل ريقهم الناشف منذ أمد بعيد بعد أن كانوا يتحرّقون شوقاً للموال الذى غاب عنهم طويلاً .
كان بحر الدميرة يفيض على أرض مصر وخاصة الصعيد حاملا بين شطيه الكثير من الطمى والاسماك وسعف النخيل الجنوبية فيبعث النبْت من جديد وكان هو الأمل المرتجى للكادحين لما به من رزق وخير وفير .... فأرجو ان يكون فى ديوانى هذا " بحر الدميرة " الكثير مما تطمحون اليه موجود بين ضفتيه .
والله ولي التوفيق
عادل صابر