عمليات الدهم والاعتقال الأمريكية تتواصل داخل المدن العراقية

الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري


***
نصت الاتفاقية الأمنية بين الحكومة العراقية والقوات الأمريكية المحتلة أن تنسحب هذه القوات من المدن العراقية في الثلاثين من حزيران الماضي ولا تتدخل في الشأن العراقي إلا لأغراض ( أمنية ) وبموافقة الحكومة العراقية و بمرافقة قطعات عسكرية عراقية .. ويعني هذا عمليا استمرار عمل القوات الأمريكية كقوات محتلة كالسابق ولم يتغير من الأمر شــيء إلا ما يتعلق بتقليل الحركة داخل المدن مع بقاء منهجية الاحتلال قائمة على ما هي عليه ..
في اليوم المذكور حدث انسحاب جزئي لإيهام العالم والعراقيين بان الإدارة الأمريكية ملتزمة بوعودها ومواثيقها من اجل تحسين صورتها أمام الشعب الأمريكي وأصدقائها في المنطقة بعد الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب العراقي خلال الغزو وبعده وما نتج عنه من إفرازات مأساوية - لا نريد التحدث عنها هنا فقد باتت معروفة للقاصي والداني - لكن الأحداث التي تلت ذلك أكدت ما سبق أن قلناه بان الانسحاب وهمي لان القوات الأمريكية لا زالت تحتفظ بحق التدخل ومهاجمة المواطنين ودورهم وممتلكاتهم ، وهذا يكشف حقيقة أهداف الاتفاقية الأمينة المذكورة التي ستكبل العراق إلى أمد غير منظور بعقد احتلال دائم وتدخل متى وأنى شاءت هذه القوات حتى وان تجاهلت الحكومة العراقية وقواتها المسلحة طالما أن الأمر يخضع لمصالح هذه القوات ومحاولاتها القضاء على الحس الوطني والعربي والديني لشعب العراق العظيم وعلى كل القيم والمبادئ التي اتصف بها منذ أن أسس أولى الحضارات في العالم ، ولكن المحتلين سيخسئون بعون الله ..
فقد استمرت القوات الأمريكية بعمليات الدهم والاعتقال والقتل ضد المواطنين العراقيين دون مشاركة القوات العراقية – وربما دون علم الحكومة العراقية ونحن نميل إلى ترجيح هذا الاحتمال لان أهالي المعتقلين والشهداء والمتضررين والمسجونين لا يجدون الإجابات المطلوبة والشافية عند مراجعتهم السلطات العراقية للبحث عن مصير أبنائهم المعتقلين - وهذا ما حصل في أكثر من مدينة عراقية ومنها الرمادي والفلوجة ( محافظة الانبار ) وبعقوبة ( محافظة ديالى ) وتكريت ( محافظة صلاح الدين ) وكركوك ( محافظة التأميم ) وغيرها من مدن العراق واقضينه ونواحيه .. وآخر عمليات الدهم الأمريكية هو ما جرى في مدينة الموصل ( كبرى مدن محافظة نينوى ) حيث شهدت الفترة الأخيرة عمليات مداهمة وحشية مروعة جرى خلالها اعتقال وقتل أعداد من المواطنين وأساتذة الجامعات وضباط الجيش العراقي السابق ومواطنين في مناطق مختلفة من المحافظة وجرى خلال عمليات الدهم هذه إغلاق إحياء كاملة ومنع الدخول والخروج منها صاحبتها عمليات قصف بالطائرات السمية والأسلحة المختلفة وحملات تفتيش واسعة للمنازل والمحلات والدوائر مما تسببت في زيادة الرعب الذي لازال المواطنون يعانون منه منذ أيام الاحتلال الأولى نتيجة فقدان الأمن والاستقرار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وضعف الخدمات والانقطاع المستمر في الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وما صاحب ذلك من عمليات تدمير وخراب ونهب وسلب وفساد إداري وسياسي واجتماعي وثقافي وقتل على الهوية والتهجــــير إلى خارج العراق وداخله إلى مناطق توهم المهجّرون إليها أنها أكثر أمانا ولكنها كانت الاسوا والأكثر خطرا على حياتهم ..
إن هذه الأحداث المأساوية الجديدة تكشف حقيقة مهمة وهي أن مشاريع المحتل وخططه لم تنته في العراق بعد ، لمجرد التوقيع على اتفاقية أمنية هدفها الحقيقي تكبيل العراق بقيود وشروط جديدة على حساب مصالحه وسيادته واستقلاله ووحدة أراضيه ونهب ثرواته ، وان المرحلة القادمة ستكشف حقائق مخيفة لإكمال حلقات السيطرة والهيمنة على مقدرات الشعب وخياراته وسلب حرياته وإرادته ومحاولة تقسيمه وزرع القيم والمظاهر والثقافات المسمومة والدخيلة والتي تتعارض مع طبيعة المجتمع العراقي وقيمه ومبادئه العربية والإسلامية ..
كل هذا يحصل والأعراب صامتون مسكونون باللعنة واللامبالاة ، بل أن البعض منهم يشارك في تنفيذ وتسهيل هذه المخططات بعلم وتواطيء قوى محلية ودول جوار شاركت في احتلال العراق وتقبض من دم العراقيين وثرواتهم وحياة أبنائهم ثمن مشاركتها كاستحقاقات سياسية واقتصادية وأمنية متفق عليها مع المحتلين الأمريكان
أما عن السؤال الذي يتبادر في أذهان الكثيرين عن الحل والخلاص فنقول إن إيجاد ضوء في نهاية النفق لمحنة العراقيين يكمن في مشروع وطني للإنقاذ تحدثنا عنه كثيرا وان الشعب العراقي ومقاومته الوطنية الباسلة وكل القوى الوطنية لابد أن يضطلعوا بمسؤولياتهم الوطنية والتاريخية طال الوقت أم قصر وان الله ناصر المؤمنين ووعده الحق بإذن الله ..
للباطل جولة وللحق جولات ..