صديقة عزيزة، حديثة عهد بالكتابة وفنونها، لكنها تنطوي على مكنون فوجئت به يتفجر دفاقا مؤخرا.
طلبت رأيي في بعض قصصها، وطلبت أن أنشر بعضها طلبا لرأيكم، فلا تبخلوا عليها بالتوجيه والنقد
بينما كانت تسير في أنفاق ذاكرتها المتّشحة بالسّواد ،استوقفتها صورة مابعد الرّحيل وبدأت مشاعر الفقد تتشعّب في فؤادها المكلوم، فتذكّرت حينما جلست بينهم بحذر تتأمّل وجوهاً مكفهرّة كانت قد كشّرت عن أنيابها . من هؤلاء الغرباء وماذا أفعل بينهم؟! شعرت بغربة منفيّ عن تراب وطنه، لكنّ هذا الشّعور لم يأت من فراغ، فأعينهم كانت تطلق شراراً يصدع قلبها ويحطّم كاهلها ولو لم يتفوّهوا بحرف.
طالما تمنّت ألاترى شعاع شمس الصّباح ،فما أصعب أن تعيش غريباً بين من كنت تحسبهم أناسك.
بدأت كلّ يوم تستشعر كميّة الحقد الدّفين المتنكّر وراء كلماتهم الملغومة، وكأنّهم يحمّلونها ذنباً لم تقترفه أو كأنّهم يمتعضون أمر الله بمن أخذ ومن أبقى .
يالها من ليال سوداء شاحبة سُرق منها ضوء القمر المنير، فكلّ ليلة كانت تعانق الدّموع والأشجان ويمرّ بخلدها شريط الذّكريات الورديّة المؤلم وكأنه روتين قهري يومي. تحاول جاهدة إخفاء النّحيب كي لايستشعرون بها وتخرّب سكن ليلهم الهادئ .
لكنّه مالبث أن اقتحمت خلوتها هذه وبدأت الشّتائم تنهال عليها كحجارة من سجّيل ،فتارةً ينعتونها بالجنون، وتارةً أخرى يقذفونها بكلام يذيب كبد الصخر، ظنّاً منهم أنّها تبكي فقد جسدٍ لاأكثر ،كيف لا! وقلوبهم لاتعرف شيئا عن معنى الحب العذري ، ارتمت في حضنها ورقة كان قد كتب عليها اسم طبيب للصّحّة النّفسيّة ،وعرضوا عليها الذّهاب والاستشارة فكان ما أرادوا. فذهبت في الصّباح الى العيادة وسردت عليه حسرة المعاناة ،فلم يكن منه سوى أن أخذ ورقة الوصفة الطّبيّة، وخطّ عليها اسم عقار دون أن ينبس ببنت شفة. اعتقدت أنها نجت من مخالب هذا الحزن وأتى المخلّص، وبدأت بتجرّعه دون أن تعلم أنه سيأتي بأجلها بعد أن تدمنه .
ومرّت بها الّليالي والسّنوات العجاف، وظنّت أنّها أصبحت قويّة واستطاعت النّهوض ولملمة شتات روحها المبعثرة، فقرّرت الاستغناء عن صديقها الذّي لازمها طيلة هذه الفترة. استيقظت ذات صباح شتائي قارس، واستعدّت لمواجهة هذا اليوم بدون مساندة هذا الصّديق (العقار).
مشت تحت المطر في طريقها إلى السّوق، فلم تدر أمن عينيها يهطل المطر أم من السّماء؟! توقّفت لبرهة في منتصف الطّريق تحاول جاهدة تذكّر وجهتها دون جدوى، فقد توقّف بها الزّمن فجأة بل توقّفت ذاكرتها فخانتها . أمسكت بهاتفها الجوّال بغية الاتّصال بأخيها لكنّ شيئاً ما عقد لسانها حتّى تاهت الكلمة عن شفتيها .
رجعت إلى المنزل واعتزلت الجميع وشرعت بالصّراخ والنّحيب : (لم أكن أدري أنّ هذا العقار هو من استطاع النّهوض بي وجعلي قويّة؛ لابل إنّه كان إكسير حياتي وأنّي من دونه لا أقوى على الحراك .أين ذهبت دراستي الجامعيّة أين ذهب حضوري المتميّز وفصاحة لساني في كلّ المحافل؟! أصبحت بكماء عاجزة عن التّفوّه بأيّ حرف ) نعم ، ماذا تفعل بعد أن أصبحت أَمةً بين يدي سيّدها العقار ؟ تهاوت أرضاً بعد أن أنهك صراخها جسدها ، أدركت حينها أنّها مجرّد دمية خشبيّة معقودة الأطراف بخيط يمسكه هذا السّيّد ليلعب بها ويحرّكها كيفما يشاء، وأيقنت أنّها كانت مجرّد هيكل خارجي فارغ كأنّه جذع نخل فتك به السّوس من الدّاخل .
تمّت