في القدس، صار البحر الميت زمزماً
د. فايز أبو شمالة
وأنا أقرأ الكلام النظري للمدافعين عن زيارة الشيخ "الجفري" وزيارة مفتي مصر إلى القدس، أفهم لماذا ضاعت فلسطين سنة 1948، فالظروف متشابهة بين الأمس واليوم، والعقل الصهيوني الذي سيطر على القرار السياسي العربي ما زال مسيطراً.لقد تجاوز التعبير عن الرأي إطار الانقسام في الرؤية السياسية، حتى صار للتفريط بالوطن منظرون ودعاه، وصار للتعامل مع الصهاينة، والجلوس معهم مدافعون وحماه، بل صار بيننا من ينادي بحق الجندي الصهيوني في البطش بمن عاداه، وصار بعض الملحدين الذين لا يؤمنون بالله، صاروا يحضون على الصلاة، وزيارة القدس كواجب ديني، وصار بعض السياسيين والإعلاميين المتكسبين، صاروا يدعون أنهم يدافعون عن أراضي فلسطين التي مقدارها 22% فقط، أما باقي فلسطين التي اغتصبها اليهود سنة 48، فهي أرض يهودية، وما أغباه، صار ما أغباه من صدق أكذوبة ملايين اللاجئين الفلسطينيين الطغاة!. لقد تشابكت الألوان فوق أرض فلسطين بفعل فاعل سياسي، فصار الأسود الفاجر أبيض، وصار الدم النازف ماء، وصار الليل الزاحف على العقول انجلاء، حتى صار البعض يفرق بين أسير فلسطيني قبل أوسلو، وأسير فلسطيني بعد أوسلو، وصار من حق العربي أن يزور القدس والدعاء، وليس من حق الفلسطيني أن يقترب من أبوابها للصلاة!.لقد دخل العرب والفلسطينيون في زمن الإفتاء بحق إسرائيل في الوجود، وبحق إسرائيل المقدس في ساحة البراق "حائط المبكى" وفي حق إسرائيل في فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والأمنية على المنطقة، وصار بعض الساسة والكتاب يدافعون عن الحق التاريخي لليهود في الأرض المقدسة أكثر من كتاب اليهود أنفسهم، لقد انهارت القيم، وتسلل الانحطاط والاحتلال والهزيمة إلى العقول، حتى صارت المقاومة لليهود إرهاباً، وعدم الاعتراف بإسرائيل جريمة، وعدم زيارة الأماكن المقدسة وهي تحت نعال اليهود خيانة، وصار عدم التطبيع مع اليهود الذين يدقون رؤوسهم في حائط المبكي، صار تجديفاً وجفاء!.إلى أين أنتم ذاهبون يا أيها المفرطون؟ ماذا نفعل كي نعيدكم إلى الوطن، ونعيد لكم اتزانكم النفسي؟ وكيف نخلص بقاياكم المسحوقة من أذرع الواقعية؟ كيف نقتلع من رؤوسكم قبائل الجن اليهودي التي أقنعتكم بأن مياه البحر الميت قد صارت ماء زمزم، وتقطر نقاء؟!.