لو أكلت هوا لسمنت!! الشاعر أحمد الجندي من ظرفاء دمشق
2015-11-09
أنس تللو :
رجل ضخم مكتنز تحاصر الدهون والشحوم خصره بشكل لافت للنظر، وتتسلق إلى صدره بشكل عجيب… وتصل إلى وجنتيه فتجعلهما زاهيتين لامعتين حمراوين.
رجل جامد ثابت بارد لا يخطر في بال أحد أن كلامه الظريف ينافي شكله العجيب، وأن مبسمه الزاهي يطغى على منظره القبيح.
كان الشاعر أحمد الجندي كثير التردد على دار المرحوم فخري البارودي؛ الذي كان من أوائل الظرفاء في دمشق… وقد التقاه في هذه الدار الشاعر أحمد الصافي النجفي، والفرق بينهما في الوزن يزيد على خمسة أضعاف، فالنجفي كان نحيلاً جداً، فقال أحمد الصافي النجفي لأحمد الجندي:
ـــ إن الذي يراك من بعيد يحسبك غليظاً.
فسأله أحمد الجندي بلهفة:
والآن، بعد أن رأيتني عن قرب ماذا وجدت.
فأجابه الصافي ساخراً:
ـــــ أغلظ بكثير.
أحمد الجندي أديب وباحث وناقد ومؤرخ، له مؤلفات عديدة، وهو موسيقي، وعازف عود ممتاز… هو من مواليد السلمية، وقضى معظم سنوات عمره في دمشق، ورافق أحداثها وسامر ظرفاءها، وكان غاية في الظرف، وأشد ما كان يتميز بحضور البديهة والجواب اللاذع.
وقد سأله أحدهم يوماً:
ــــ يا أستاذ أحمد لو خففت طعامك قليلاً، ألا يخف وزنك؟ .
فأجاب: والله لو أكلت هوا فقط لسمنت.
وسئل يوماً عن صلة القربى بينه وبين علي الجندي، فأظهر امتعاضاً في وجهه، وعض على شفتيه عضة المتحسر النادم، وقال:
ــــ هو ابن أخي.. ولكن.. على مضض.
ويُذكر أن حسني تللو ( وهو الظريف الثاني في دمشق بعد البارودي)، قد دُعيَ مرة إلى الغداء لدى أحد أصدقائه، وفي المساء التقى أحمد الجندي فراح يعدد ألوان اللحم الذي تناوله: كان الغداء عشرين كيلو غراماً من اللحم، وعشرين زوجاً من الكلاوي، وعشرين زوجاً من بيض الغنم، وعشرة كيلو غرامات كبدة، فقال له الأستاذ الجندي:
ـــ الظاهر يا حسني… كنت معزوماً بالمسلخ.
ومن أطرف ما حصل بين أحمد الجندي وحسني تللو، أن تللو قد أصابه المرض فأراد الجندي زيارته…
كانت زوجة حسني أم عدنان ( أقصد عدنان تللو الرحالة الذي طاف العالم على دراجة نارية والذي توفي عام 2009، وهو الذي روى لي تلك المسامرات) إذا ما طبخت الطعام تحار أين تخفي جزءاً منه لزوجها، ذلك لأن أولاد حسني تللو كانوا إذا هاجم معدتهم الجوع يجدون في أنفسهم الجرأة لمهاجمة أعتى الخزائن والتهام ما فيها من أطعمة تقودهم إليها حاسة الشم…
وقد تصادف في اليوم الذي أراد فيه الجندي زيارة تللو أن أم عدنان قد أعدت الأكلة المفضلة لحسني وهي الكبة والصفيحة، وخطرت لها فكرة مناسبة لإخفاء الطعام، وهي أن تضعه في الصيدلية الموجودة على باب غرفة حسني، إذ لا يمكن أن يخطر في بال الأولاد أن الصيدلية يمكن أن تكون مخبأً لتلك الأطعمة الفاخرة.
في هذا اليوم جاء الشاعر الظريف أحمد الجندي لزيارة حسني تللو، ومن تصاريف القدر العجيبة أن الشاعر قبل أن يدخل إلى غرفة حسني خطر في باله لسبب لا يعرفه أحد أن يفتح باب الصيدلية، فوجد فيها أقراص الصفيحة وأقراص الكبة، فما كان منه حين رأى هذا المنظر إلا أن فغر فاه وصرخ بأعلى صوته: اللـه الله، ما أعظمكم يا آل تللو، لقد باتت أمور الصحة والمرض عندكم أمراً محلولاً ممتعاً، فإذا وجع أحدكم رأسه فإنه يتناول ( قرص كبة)، وإذا شعر أحدكم بألم في معدته فإنه يتناول ( قرص صفيحة)… وهكذا تستطيعون إضافة ما تريدونه من المآكل كأدوية طبية تعالجون بها أوجاعكم… وأخذ يضحك ضحكة مجلجلة أحس بها أهل الحي الذين هرعوا إلى دار حسني تللو لرؤية ما يحدث فوجدوا أحمد الجندي قد وضع يده على صدره وهو يصرخ آخ آخ وكأنه يتألم، ثم مدَّ يده إلى الصيدلية فتناول قرص كبة، وأخذ يأكله وهو يتأوه، ويقول: انظروا يا عالم يا ناس، هذا دواء من بيت تللو، إن شاء اللـه فيه الشفاء والعافية.