الدكتور سامي نجيب رئيس جمعية "لسان العرب":
حب اللغة العربية هو المفتاح لحب الله والرسول والقرآن
القاهرة: محمود خليل
د.سامي نجيب
الدكتور سامي نجيب أحد النشطين المخلصين في الدفاع عن اللغة العربية، باعتبارها "معركة الهوية" في ساحة التفكيك والتذويب التي تدور رحاها على أمتنا الآن، ومن خلال رئاسته ل"جمعية لسان العرب" إحدى أهم الجمعيات العاملة في هذا المعترك، التقيناه وحاورناه.
بطاقة تعارف شخصية عن د.سامي نجيب أولاً، ماذا تتضمن من معلومات؟
اسمي سامي نجيب محمد علي، من مواليد القاهرة عام 1944م، ولدت ونشأت وسط أسرتي في قرية "طرانيس العرب"، حصلت على الثانوية العامة عام 1963م، ثم التحقت بكلية الطيران، ثم انتقلت إلى الكلية البحرية، وتخرجت في القسم التجاري بها عام 1967م، وظللت ضابطاً بالبحرية إلى عام 1983م، ثم التحقت بمعهد الدراسات الإسلامية، وحصلت على الماجستير، ثم الدكتوراه في مقارنة الأديان، وكانت رسالتي حول "العلمانية"، وفي هذه الطريق أخرجت عشرة كتب حول الإسلام والفقه واللغة العربية والغزو الفكري، وغيرها من قضايا العصر التي تشتبك فيها أمتنا.
إن اللغة غرس، وهذا الغرس يظل دائماً في حاجة إلى تربة صالحة، ترى هل يتوافر ذلك للغتنا العربية الآن؟
يأتي الغراس اللغوي في ظل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".. كذلك فإن اللغة خاصة اللغة العربية لابد أن يتم غرسها أولاً في الحقل الأسري، وإنها لمأساة، أن يفلت منا هذا الحقل الأول، فإن أي غرس لغوي بعد ذلك قد يصح ولكنه يبقى كنباتات "الصُّوب"، ليس لها الخصائص ولا المزايا الأصلية للنبات الطبيعي، فأنا مثلاً رغم أن والدي كان مهندساً، إلا أنه كان شديد التدين، شديد الانضباط، حتى إننا في البيت قد أُشربنا اللغة مع الصيام والصلاة وسائر العبادات، ورغم أننا كنا نحيا حرية فكرية شاملة في الأسرة، إلا أن الأب الواعي الذي يدرك أن القرآن الكريم هو المحضن الأول لاستقامة السلوك، فإنه يهدي أولاده لطريق الاستقامة اللغوية من حيث يدري أو لا يدري، حيث يمثل القرآن الكريم المنهاج الأقوم لاستقامة السلوك واللسان في آن واحد.
لن نتوسع في الظروف المواتية لغرس اللغة وحبها والاعتزاز بها؛ لأن ذلك سيطول شرحه.. وحسبنا في هذا المقام أن نركز على الأسرة من أب وأم وأولاد، باعتبار أن ذلك هو أول المستطاع، ونذكر هنا قول الثعالبي إمام اللغة: "من أحب الله تعالى، أحب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ، ومن أحب الرسول العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية، ولو لم يكن للإحاطة بخصائصها إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن الكريم لكفى"!
باعتبارك أحد الخبراء الإداريين، كيف تنظر إلى حالة "التخبط" التي نعيشها الآن؟
علينا أن نعلم أولاً أن توريث القيم، أهم ألف مرة من مسألة ضبط السلوك، فالقرار الإداري الذي لا يسنده ضمير ووازع لا محل له من الإعراب.
ذلك لأن فوضى المرور، وفوضى التعليم، وفوضى الإنفاق الحكومي، وفوضى الانتماء، إنما هي أعراض وظواهر لفوضى الإدارة العليا، التي لا يرى منها الناس إلا أسوأ الأمثلة، وخذ مثالاً واحداً يراه الملايين، أي ميدان من ميادين القاهرة مثلاً، وعد بذاكرتك ورؤيتك له على مدى عشرين عاماً خلت، ستجد أنه قد تم تخطيطه ثم تحطيمه ثم تخطيطه، ثم تحطيمه أكثر من عشر مرات، كل ذلك دون حساب أو عقاب، بل ستجد أن التخطيط قد تم اعتباره إنجازاً لمن خطط، وأن التحطيم قد تم اعتباره إنجازاً لمن حطم، كيف هذا؟ ومن المسؤول؟ إنها جرائم يتم ارتكابها بحق الشعب والمال العام، وهي جرائم تمت جميعاً "ضد معلوم" ونفذت "من معلوم"، ولا حساب ولا عقاب!، وعلى هذا فقس، وعلى كل المستويات.
على ذكر "العلمانية" وأنت أحد المتخصصين بدراستها أكاديمياً، ترى هل لها من نصيب في حصار اللغة العربية أو مطاردتها؟
إن الذي أضاع العربية في بلادنا وأزاحها من مرتبة الصدارة، هو خذلان السياسة لها، ومعظم الساسة لدينا قد عششت العلمانية في رؤوسهم، بل باضت وفرَّخت، والمعادلة واضحة وضوح الشمس؛ ذلك لأن الصهيونية العالمية تعلم علم اليقين أن الارتباط الوثيق باللغة العربية، ينبع من الارتباط الوثيق بالله والقرآن، ووجود القرآن في المعركة هو الخطر المفزع لكل المخططات الصهيونية، ومن ثم فقد انتبهوا جيداً لمحاولات إخراج القرآن من المعركة، وبالتالي إخراج اللغة العربية في ركابه، وانظر إلى كل "مؤسسات الاستثمار التعليمي" الحالية، أقصد مدارس اللغات التي تضع اللغة العربية على الأرفف، وتنشّئ التلاميذ على أن لغتهم هي لغة القوم المتخلفين، وأن لغات أعدائهم هي لغات الرقي والتقدم والحضارة، فتنشأ الأجيال الغنية، وأبناء الطبقات الراقية وقد مات حب اللغة في نفوسهم وضاع ولاؤهم لها، حتى ولو نطقتها ألسنتهم، فهم يتعلمونها كمقررات دراسية، ولا يعيشونها كشخصية وهوية، وهذا هو أهم مكامن الخطر العلماني في ميادين اللغة العربية.
وبالمناسبة، أنبه بشدة إلى أنه يتم الآن جرّ الأزهر لهذا المستنقع بحجة استنقاذه من الاختطاف الديني وتنظيفه من الإرهاب!
لعل إنتاجكم العلمي كله يأتي على طريق الرباط في هذا المعترك؟
لي بحمد الله تعالى 17 بحثاً، نوقشت جميعاً في مؤتمرات علمية محترمة، وقد نشر لي حتى الآن 8 كتب أهمها "أفاعي العلمانية" و"طريق الجنة في ترك البدعة وإحياء السنة"، و"مماليك وصعاليك"، و"أوراق مبعثرة"، و"سبل السلام في استنباط الأحكام"، و"مزاعم المستشار"، في الرد على أحد رؤوس العلمانية في بلادنا.. وغيرها من الكتب في الطريق.
ترى ماذا في جعبتكم لجمعية "لسان العرب" باعتبار أن إنقاذ اللغة إنقاذ للهوية؟
أنا من المؤمنين بنظرية المؤامرة على اللغة العربية، وإنكار هذه المؤامرة أو التقليل من خطورتها هو التعامي عن الحق، وهو التغافل عن مكر شياطين الإنس والجن الذي يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، لذلك كانت "لسان العرب" حين انضممت إليها، تقصر نشاطها على رعاية اللغة العربية فحسب، إلا أنني أضفت إليها بعداً مهماً وأساسياً، ألا وهو التصدي لمن يهاجم العربية، في ميادين التعليم والإعلام والبحث العلمي والتعريب والعولمة والتخطيط والمناهج، وهذا بُعد غاية في الأهمية، والمعركة أكبر وأخطر مما يتصوره البعض.. فاليهود قد تجمعوا وتحوصلوا واستنبتوا لهم هوية حول لغة ميتة، هي اللغة العبرية. واليابان، تقصر التعليم حتى سن السابعة عشرة بدون منافس من لغة أخرى.
والصين، لغتها الأم هي اللغة الصينية، ومثل هذا موجود في معظم الدول المتقدمة، ولسنا هنا ضد تعلم اللغات الأجنبية، ولكن بعد أن تأخذ اللغة الأم نصيبها من أرضها الأم، ولسانها الأم.
وبماذا تحب أن توصي في معركة إثبات الهوية في ظل حماية اللغة العربية؟
1 لابد أولاً من ربط تعليم اللغة بالدين الإسلامي، خاصة في المدارس والجامعات ورياض الأطفال، ولا داعي للكلام التافه العميل الذي يقول أصحابه: إن ذلك يقتل براءة الأطفال. فاليهود يدرسون العبرية عن طريق التلمود، ولم يقتل ذلك براءة أطفالهم، بل جعلهم يقتلون أطفالنا نحن!
2 ضرورة تيسير مناهج تدريس النحو العربي في مؤسسات التعليم، بتقريبه وتهذيبه وتحبيبه للطلاب والدارسين.
3 على وسائل الإعلام أن تحمل اللغة العربية كهدف تنموي في ميدان العولمة خاصة في الدراما المتلفزة والإعلانات.
4 ابتكار تقييس اللغة العربية واستخداماتها في مجال الحاسوب.
5 تفعيل القرار السياسي الساند للغة العربية في مجال التعريب.
6 ضرورة التزام الساسة ورجال الدولة في جميع المراسلات والمكاتبات الرسمية باللغة العربية الفصحى، باعتبارها جزءاً أساسياً من سيادة الدولة لا يجوز لهم التنازل عنه أو التفريط فيه.
7 كشف الشبهات والمؤامرات حول هويتنا ولغتنا، فإن ديننا كما يقوم على إثبات الحجة، يقوم على دحض الشبهة، وإقامة البيِّنة.