شكيب أرسلان أمير البيان
أحد الشخصيات الأدبية الهامة والذي تنوعت مجالات اهتماماته فتمكن من اختراق العديد من المجالات حاصدا قدر غزير من الثقافة والعلوم فعرف كأديب، شاعر، صحفي، مؤرخ، داعية، سياسي ومترجم، وأمير من دروز لبنان، وقد حمل شكيب أرسلان على مدار حياته هموم المسلمين وهموم أمته فعمل على الدفاع عنهم ومناقشة قضاياهم وتعريف العالم بهم، وبحث أرسلان في السياسة الإسلامية قبل انهيار الدولة العثمانية،هذا بالإضافة لدعوته للوحدة الإسلامية والوحدة الثقافية.
لقب "بأمير البيان" نظراً لغزارة إنتاجه الأدبي والشعري، وكان عضواً من أعضاء المجمع العلمي العربي.
النشأة
هو شكيب بن حمود بن حسن بن يونس أرسلان، ولد في ديسمبر عام 1869م، في بلدة التشويفات بالقرب من العاصمة اللبنانية بيروت، يرجع اسم شكيب لأصول فارسية ويعني " الصابر"، قام بتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وقراءة القرءان الكريم في بلدته وهو في الخامسة من عمره، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة الأمريكان ببلدته.
انتقل أرسلان بعد ذلك إلى بيروت عام 1879م فقام بالالتحاق بمدرسة عصرية مارونية، تعلم فيها كل من الفرنسية والعربية على يد متخصصين، ثم قام باستكمال دراسته بمدرسة الحكمة، والتي قام بتأسيسها مسلمون، وتلقى فيها دروساً في اللغة العربية على يد الشيخ عبد الله البستاني، كما قام بتعلم اللغة التركية والفقه، وذلك بعد أن ضمتها الحكومة العثمانية للمدارس الأميرية، تمتع شكيب أرسلان بموهبة أدبية وشعرية مما جعله يكتب الشعر وهو مازال صغيراً.
عمله
شغل أرسلان عدد من المناصب الإدارية فتم تعينه مديراً للشويفات سنتين، ثم قائم مقام " محافظ" على الشوف عام 1902م وظل بهذا العمل ثلاث سنوات، ثم استقال وتم انتخابه نائباً عن منطقة حوران بالجنوب السوري، في مجلس المبعوثان " البرلمان العثماني" ، وسكن دمشق خلال الحرب العالمية الأولى، وقام بالتطوع في حرب البلقان عام 1912م مع الهلال الأحمر وذلك من أجل توزيع الإعلانات المصرية على المسلمين، وقام بالدعوة من أجل إنشاء حلف عربي عام 1923م.
عرف أرسلان باهتمامه بالقضايا العربية والإسلامية، وحضر المؤتمر الإسلامي في القدس عام 1930م، كما شارك عام 1934م في وفد السلام بين كل من السعودية واليمن، وساند المغرب العربي ضد الفرنسيين، كما زار البوسنة والهرسك.
حياته
تنقل أرسلان بين العديد من البلدان العربية والأوربية، وزار أمريكا 1928م، وبلاد الأندلس 1930م، وتعرف على عدد كبير من الشخصيات التي كان لها بالغ التأثير عليه وعلى فكره، وجعله يلم بثقافات وخبرات واسعة هذا بالإضافة لإلمامه بعدد من اللغات مثل التركية والفرنسية والألمانية.
انتقل إلى مصر عام 1890م، وهناك التقى بعدد من الرموز الفكرية في هذه الفترة مثل الشيخ محمد عبده، والشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد، هذه الشخصيات التي أثرت كثيراً في أرسلان.
ومن الدول التي زارها أرسلان أيضاً الأستانة وهناك تعرف على جمال الدين الأفغاني وكان أحد الشخصيات الهامة في حياة أرسلان، ثم سافر إلى فرنسا عام 1892م، وفي باريس تعرف على الشاعر أحمد شوقي وقام أرسلان بتأليف كتاب مشهور عنه ، كما سافر إلى ليبيا، وكانت تخضع للاستعمار الإيطالي فانضم إلى المجاهدين وسعى جاهداً من أجل مساعدة الليبيين في قضيتهم فقام بمخاطبة الجهات الإسلامية من أجل نجدة الليبيين، وعمل على كتابة العديد من المقالات بجريدة المؤيد حول نفس الموضوع.
وسافر إلى المدينة المنورة، وجدة بالمملكة العربية السعودية عام 1914م، وعمل على إنشاء إحدى المدارس هناك، وعمل على تأسيس جمعية " هيئة الشعائر الإسلامية" بألمانيا عام 1924م، وقام بإصدار جريدة " الأمة العربية" La Nation Arabe باللغة الفرنسية بجنيف بسويسرا هذه الدولة التي أقام فيها حوالي 25 عاماً، والتي سعى من خلالها للدفاع عن قضايا أمته.
وعمل أرسلان على تسجيل كل ما صادفه أثناء جولاته في هذه الدول، فقدم سيل غزير من المقالات والرسائل والكتب القيمة.
مؤلفاته
قدم أرسلان العديد من الكتب القيمة من كتبه نذكر كتاب " لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟" هذا الكتاب الذي قام فيه ببحث الأسباب التي أدت إلى تأخر المسلمين عن غيرهم بالرغم من أنهم احتلوا قمة الثقافة والعلوم في وقت من الأوقات وكان يتوافد عليهم طلاب العلم من مختلف البلاد لينهلوا من ثقافتهم وعلومهم ويرجعون بها إلى بلادهم لينشروا العلم بها، كما بحث أيضاً الأسباب التي أدت لتقدم الدول الأخرى، وأرجع السبب في تأخر المسلمين إلى الجهل وعدم تطبيق المبادئ الإسلامية والتي تجمع بين كل من العلم والعمل.
كما قدم أرسلان العديد من الكتب الأخرى التي تتناول الإسلام والمسلمين منها : حاضر العالم الإسلامي، تاريخ غزوات العرب، الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية، الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف، بني معروف أهل العروبة والإسلام، عروة الاتحاد بين أهل الجهاد، شوقي أو الصداقة أربعين سنة، هذا بالإضافة للعديد من الكتب والدراسات.
بالإضافة لنظم كثير جيد نشر منه " الباكورة" مما نظمه في صباه، وديوان الأمير شكيب أرسلان.
أرسلان الشاعر
قدم أرسلان العديد من القصائد الشعرية المتميزة ونذكر من أشعاره
هَـوى لِـفَـقدِكَ رُكنَ الشَرقِ iiوَاِحرَبا
يـا كـامِـلَ مَـن يَسلي بَعدَكَ iiالعَرَبا
كُـلُّ الـمَـصـائِبِ يَفنى الدَهرُ iiشِرَّتَها
إِلّا رَداكَ فـيـفـنـيِ الـدَهرِ iiوَالحِقَبا
كُـنّـا نُـرجـيـكَ لِـلـجَـلِيَّ iiتَذَلُّلَها
فَـالـيَـومُ مَن يَنبَري لِلخُطَبِ إِن iiوَثَبا
تَـلَـقّـى الـنَـوازِلَ بِالأَفعالِ iiصادِقَةً
وَالناسُ في الخُطَبِ تُسدي القَولَ وَالخُطَبا
رَدَّت مُـصـيـبَـتَـكَ الأَرزاءُ هـينَةً
مِـن بَـعـدِهـا وَغَـدَت أَكبادُنا iiصُلبا
هَـيـهـاتَ تَـدَّخِـرِ الآمـاقَ iiسائِلَةً
مِـنَ الـمَـدامِـعِ تَـبغي بَعدَكَ الصَبَبا
لَـو كُـنـتَ مَعَ حاتِمِ الطائِيِّ في iiزَمَنٍ
مـا نـالَ فـي الكَرَمِ الإِسمِ الَّذي iiكَسَبا
نَـداكَ بِـالـعَـيـنِ مَـشهودٌ iiوَنائِلُهُ
هَـيـهـاتَ نَـعلَمُ مِنهُ الصِدقَ iiوَالكَذِبا
ومن أشعاره أيضاً
أَسـائَـلُ دَمعي هَل غَدَوتَ مُجيبي
إِذا شِـئـتَ أَطفى حُرقَتي وَلَهيبي
وَهَيهاتَ أَن يَقوى عَلى النارِ صيبِ
وَريـحُ الـرَزايـا آذَنَـت iiبِهُبوبِ
لَـئِـن بَكَتِ الخَنساءُ صَخراً فَإِنَّهُ
لَقَد باتَ يَبكي الصَخرُ طولَ iiنَحيبي
يَـقولونَ لي صَبراً فَقَد ذُبتُ iiلَوعَةً
وَما ذوبَ مِثلي في الأَسى iiبِعَجيبِ
أَأَحـسَبُ قَلبي مِن حَديدٍ وَإِن iiيَكُن
فَـكَـم مِـن شَرارٍ لِلحَديدِ iiمُذيبِ
وَقـالوا أَلا مَهلاً تَأسَ بِمَن iiمَضوا
فَـلَـيـسَ مُصابٌ جازِعٌ iiبِمُصيبِ
فَـقُلتُ ذَروني وَالأَسى لَيسَ iiمُغنِياً
كَـلامَ خَـطـيبٍ مَعَ كَلامِ iiخُطوبِ
أَجَـلَّ مَـقامي في المَحَبَّةِ iiوَالوَفا
عَـنِ الـلَهوِ وَالسَلوانِ بَعدَ iiحَبيبِ
وَرُبَّ مُـحِـبٍّ بـاتَ يَسلو iiحَبيبَهُ
أَلا تِـلـكَ أَجـسـامٌ بِغَيرِ iiقُلوبِ
أَفـي كُـلِّ يَـومٍ لِـلمَنِيَّةِ iiحادِثٌ
يُـسـيـلُ مِنَ الأَجفانِ كُلَّ iiصَبيبِ
تَـعَـمَّـدنا رَيبَ المَنونِ iiبِضَربَةٍ
أَبـى الـدَهرُ أَن يَأتي لَها بِضَريبِ
الوفاة
عاد شكيب أرسلان إلى بيروت فتوفى بها ودفن بالشويفات عام 1946م، بعد أن قدم سيل غزير من الكتب والمقالات القيمة، وبعد أن حمل هموم أمته، وكان هذا النوع من الأشخاص الذين يرفضون أن يتركوا هذه الحياة إلا بعد ترك عظيم الأثر فيها.