القدس
سلام مراد
أورشليم، يبوس، المدينة، إيلياكابيتولينا، إيليا، بيت المقدس، القدس الشريف، دار السلام، القدس.
كل ما تقدم هو أسماء لمدينة القدس عبر عصور مختلفة، فلقد ورد اسم أورو شاليم في نصوص مراسلات تل العمارنة التي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، كما وردت لدى العبرانيين باسم YERUSOLIM وعند اليونان والرومان وردت باسم هيروسوليما Hirosolyma وسماها الغرب، Jerusalem، وفي فترة من الفترات (70م) كان الرومان يسمونها (سوليموس) وفي عام (175م) كانوا ينادونها (سوليما).
وبيت اسحق موسى الحسيني إنها وردت عند المؤرخين والجغرافيين العرب بأسماء متعددة منها: يروسالم، يروشالايم، شلَّم، شلّم سلم، يبوس، صهيون موريا، ايليا، بيت المقدس، القدس، القدس الشريف.
وفي العهد الإسلامي عرف البيت المقدس عدة أسماء منها البيت المقدس، بيت القدس، والقدس الشريف، والمدينة المقدسة وإيلياء.
ومن أسماء القدس أيضاً المسجد الأقصى «والزيتون» فقد ورد الاسم الأول في الآية الكريمة ﴿{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الإسراء-1]. ووردت في الآية ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ*لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ*فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾(سورة التين)
قال ابن عساكر نقلاً عن ابن عباس: «إن التين بلاد الشام، والزيتون بلاد القدس، وطور سنين الجبل الذي كلم الله موسى عليه وهذا البلد الأمين مكة»
معنى الاسم:
يعتقد أن الاسم مركب من عنصرين لغويين يعودان إلى آسيا الغربية slm و yrw وربما تفسر بمعنى مؤسسة ا لرب وشاليم معروف في نصوص أوغاريت كأحد ربين جميلين وكريمين هما شاليم shalim وشاهار hnhar وهما يشيران إلى الشفق والفجر، ويميل البعض إلى تفسير الاسم أورشاليم بمعنى مدينة السلام أو أرض السلام وذهب بعضهم إلى إعطاء معنى مجازياً للاسم بمعنى مدينة الله،مدينة العدل، مدينة الحق وتميزها من المعاني.
مدينة القدس ـ الأهمية التاريخية:
تقع مدينة القدس على خط عرض 52 و31 شمالاً وعلى خط طول 13 و35 شرقاً فوق أربعة جبال هي: جبل موريا وجبل اكراد وجبل بزيتا وجبل صهيون وترتفع عند سطح البحر بمقدار /2598/قدماً (820-830). تبعد عن البحر الأبيض المتوسط بمسافة 52كم (خط طيران) وتبعد عن البحر الميت بمسافة /22/ كم وعند البحر الأحمر بمسافة /250/كم، وهي تبعد عن عمان وبيروت ودمشق والقاهرة على التوالي بالكيلومترات 88 و890 و528 وتبعد عن بغداد جواً بنحو 865 كم.
تاريخ مدينة القدس في العصور الإسلامية:
فتح العرب المسلمون مدينة القدس في خلافة الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب عام 15هـ/638م وقد حافظ رضي الله عنه على الأماكن المقدسة المسيحية واليهودية وبقيت تلك الأماكن في يد أصحابها يمارسون فيها عباداتهم وفقاً لأصول ممارسة شعائرهم، ومع الفتح العربي الإسلامي وفد عدد كبير من العرب المسلمين فأخذ بذلك العنصر العربي الإسلامي ينمو وعاد إلى المدينة طابعها العربي الإسلامي.
انتهى الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان إلى مبايعة معاوية بن أبي سفيان عام 40 هـ/660م في بيت المقدس بعد أن تنازل الحسن بن علي عنها.
لقد أولى خلفاء بني أمية المدينة المقدسة اهتماماً كبيراً وبويع فيها منهم معاوية وسليمان بن عبد الملك عام 96 هـ/714م وأقاموا نحول الحرم قصوراً لهم طبقاً لما أثارت به نتائج التنقيبات الأثرية الحديثة. ومن مظاهر اهتمام بني أمية بالمدينة المقدسة بناء قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى. وهما من أعظم آثار بني أمية في فلسطين.
ولتسليط الضوء على أهمية القدس واهتمام المسلمين بها واحترامهم لأهلها من غير المسلمين نرى ضرورة قراءة العهدة العمرية «هذا ما أعطى عبد الله عمرأمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها. أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من خيرها، ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم،ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى مافي هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية».
كُتب وحُضّر سنة 15 هـ.
شهد على ذلك: خالد بن الوليد، عمر بن العاص، عبد الرحمن بن عوف، معاوية بن أبي سفيان، عمر بن الخطاب.
بينما نرى كيف عامل الصليبيون السكان، وذلك بشهادة مؤرخ صليبي وهورنسيمان واصف احتلال القدس بالقول: «حاصر الإفرنج مدينة القدس في 7 يونية 1099 مدة تزيد عن الشهر وتمكنوا ليلة 13/14 يوليو من العام نفسه من دخول المدينة وقد زاد جنونهم ما أحرزوه من نصر بعد شقاء وعناد شديدين فانطلقوا في شوارع المدينة وإلى الدور والمساجد يقتلون كل من يصادفهم من الرجال والنساء والأطفال دون تمييز.».
ويتحدث ابن الأثير في كتابه الكامل (ج 10 ص 213) واصفاً حصار الصليبيين للقدس والمذبحة التي أوقعوها بأهلها من المسلمين فيقول: (لما وصل الإفرنج إلى بيت المقدس حصروه نيفاً وأربعين يوماً ونصبوا عليه برجين... وركب الناس السيف ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين) وقد قتل في هذه المذبحة عدد كبير من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف.
ويقارن غوستاف لوبون سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس بسلوك الخليفة عمر بن الخطاب نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون على نحو ماهو معروف.
اجتمع الإفرنج في 17 يوليو عام 1099 بعد أن استتب الأمر لهم ليناقشوا مستقبل المدينة المقدسة فقرروا إقامة الدولة اللاتينية بزعامة نحو دفري دو بوبون الذي اتخذ لنفسه لقب «حامي القبر المقدس» وظل في هذا المنصب حتى وفاته في يونيو عام 1100م مريضاً بالتيفويد في يافا.
خلفه أخوه بلدوين الأول أمير الرها (أورفة) واتَّخذ لنفسه لقب ملك القدس فكان بذلك أول ملك من ملوك مملكة بيت المقدس الصليبية التي امتدت من عام 1100م حتى عام 1187م.
خلف بلدوين الأول بلدوين الثاني ثم خلف بلدوين الثاني فولك أوف أنجد ثم خلفه بلدوين الثالث، وجاء بعده عموري الأول ثم بلدوين الرابع فبلدوين الخامس وأخيراً جاء جاي لوزجنان (1186 – 1187م).
الذي أسر بموقعة حطين (583هـ/1187م). وظل في الأسر حتى أطلق سراحه عام 1188م بذلك يكون جاي لوزجنان آخر ملك إفرنجي بالقدس حتى موقعة حطين وتحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي في الثاني من أكتوبر عام 1187م بعد أن امتد حكم الإفرنج للقدس إلى ما يقارب الثماني والثمانين سنة، وعندما دخل صلاح الدين القدس سمح للفرنج بمغادرتها بعد دفع جزية بسيطة عند كل شخص قادر أما الفقراء فقد فكَّ أسر الكثير منهم دون مقابل مقدماً بذلك أروع مثل من المعاملات الإنسانية الإسلامية.
يصف رنسيمان مؤلف (تاريخ الحروب الصليبية) حالة القدس عندما استردها صلاح الدين الأيوبي ويصف معاملة المسلمين للمسيحيين في ذلك الوقت (752- 753) بقوله: (الواقع إن المسلمين اشتهروا بالاستقامة والإنسانية، فبينما الفرنج منذ ثمان وثمانين سنة يخوضون دماء ضحاياهم، لم تتعرض دار من الدور للنهب، لم يحلَّ بأحد من الأشخاص مكروه، إذ صار رجال الشرطة بناء على أوامر صلاح الدين يطوفون بالشوارع والأبواب يمنعون كل اعتداء يقع على المسيحيين...).
شهدت القدس في عهد صلاح الدين رخاءً وتطوراً كبيراً فأقيمت فيها المدارس والمعاهد والأربطة والمستشفيان والملاهي وانتعشت الحركة التجارية فكثرت المواد التي كانت تصدرها إلى الخارج ومنها الجبن والقطن والزبيب والزيتون والتفاح وخضم قرش والمرايا وقدور القناديل ومن العمائر التي أقامها صلاح الدين بالقدس الشريف البيمارستان والخانقاه والصلاحية وقبة يوسف والمدرسة الخشينية والمدرسة الصلاحية والمدرسة الميمونية وغيرها وظلت القدس أثيرة عند صلاح الدين حتى وفاته بدمشق عام (589هـ ـ 1193م) ووافته المنية فيها.»