الصين التي يرقص لها الجميع هي أوضح نموذج للكارثة الاقتصادية القادمة، وللثورة الاجتماعية غير المسبوقة
| 2013/05/15[COLOR=#030303]
منذ ما قبل الأزمة المالية التي عصفت بالعالم ذات يوم من أيام جُمَع صيف عام 2008، وخبراء الاقتصاد في كل مكان يروجون لمقولة غريبة مفادها أن الصين هي "حصان طروادة" الحالي والقادم في اقتصادات "الكوكب الأزرق"، باعتبارها ثاني أكبر الاقتصادات، وباعتبارها تمتلك أكبر احتياطات نقدية في العالم، وباعتبارها عرفت كيف تنتقل إلى اقتصاد السوق تحت سيطرة حزب شيوعي ما يزال يدير البلاد بدكتاتورية بعيدة عن كل أشكال الديمقراطية.. إلخ.
ومع أن هذه الإشاعة بشكلها الأولي المُمَهِّد لشكلها الراهن، كانت قد بدأت تروج بعد وقت قصير من الانقلاب على "الماوية" عقب وفاة الزعيم التاريخي للصين "ماو تسي تونغ" في بلد المليار نسمة آنذاك، والمليار وثلاث مائة مليون نسمة حاليا، عبر عشرات الكتب المهمة لمؤلفين مهمين غربيين وخاصة أميركيين صدرت في الحقبة الممتدة من منتصف عقد السبعينيات وحتى منتصف عقد التسعينيات، تتنبأ بالمستقبل الزاهر للاقتصاد الصيني، ولتمتعه بآفاقٍ واعدة للتربُّع على عرش اقتصاديات العالم، إذا هو خفف فقط من مركزيته واشتراكيته، وأفسح المجال لآليات السوق لأن تأخذ دورها في تفعيل القوى الكامنة في الاقتصاد الصيني، إلا أنها – أي هذه الإشاعة الدعاية – تفاقمت منذ الأزمة الأخيرة.
ويحق لنا أن نتساءل عن "الحقيقي" و"المزيف" في هذه الدعاية غير المسبوقة.
لن نخوض في نقاش أيديولوجي يُقحمنا في متاهات لها أول وليس لها آخر حول "طروادية الحصان الصيني"، وسوف نكتفي بإيراد بعض المؤشرات الرقمية التي تنطوي في ذاتها على السبب الحقيقي الكامن وراء تلك الدعاية التي سنكتشف أنها مغرضة وألا أساس لها من الصحة، وأنها مجرد وهم يتم استدراج العالم إليه عبر استدراج الصين إليه ابتداء بصفتها الكتلة السكانية الأضخم في هذا العالم، دون أن يفوتنا التذكير في هذا السياق بأن "الهند" بدأت منذ أكثر من عقد تأخذ هي الأخرى مكانتها في الترويج لمثل هذا الزعم القاتل باعتبارها الغول الثاني الأهم بعد الصين من مكونات غيلان اقتصاد المستقبل، فيما لا يمكنه أن يكون دالة ومؤشرا إلا على حرص مراكز رأس المال العالمي في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة على جعل العالم الثالث ينظر صوب أكبر كتلتين بشريتين فيه تمثلان نصف عدد سكانه، بصفتهما الكتلتين القدوة اللتين نجحتا في تجاوز أزماتهما الاقتصادية بعدم التمسك ببقايا مثاليات الاشتراكية والتأميم ومحاربة الحرية الاقتصادية "ملكية" و"استهلاكا" و"استثمارا".
فلنتابع المؤشرات الاقتصادية الصينية التالية..
1 – بحسب تقارير اقتصادية عالمية موثوقة، فإنه وخلال ثلاث سنوات من الآن، أي في عام 2016 سيكون عدد المليونيرات في الصين، مليون مليونيرا دولاريا.. و"المليونير الدولاري" هو من يمتلك أموالا منقولة وغير منقولة لا تقل عن مليون دولار.. وسوف يكون إجمالي ما يملكه هؤلاء المليونيرات من ثروة، حوالي "9" تريليونات دولار أميركي، أي بمعدل "9" ملايين دولار لكل مليونير، وهو ما يعني قطعا أن هناك من سيملكون عشرات الملايين من الدولارات، أو ربما مئات الملايين منها، على اعتبار أن عشرات الآلاف من هؤلاء المليونيرات سيملكون أقل من ذلك المتوسط الحسابي.
2 – تشير الإحصائيات الصينية الرسمية إلى أن أكثر من "900" مليون مواطن صيني معظمهم من سكان الأرياف والقرى ما يزالون يرزحون تحت خط الفقر، وهم في أحسن الأحوال "فقراء" بمقاييس الفقر في الصين ذاتها، وليس بمقاييس الفقر المعتمدة من الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة، وهي المقاييس التي لو اعتمدت لغدا أكثر من مليار صيني يعيشون فعلا تحت خط الفقر.
3 – تكشف مؤشرات البطالة في الصين بناء على تصريحات الحكومة الصينية نفسها، إلى أن ما لا يقل عن 10% ممن هم في سن العمل والبالغ عددهم الإجمالي 500 مليون نسمة، يعانون من عدم القدرة على الحصول على عمل. أي أن "50" مليون صيني لا يعملون، ويتركزون في المدن، لأن المؤشرات الصينية لا تعتبر الفقير الذي يعمل في أرضه في الريف حتى لو يكاد يكون معدما بمثابة عاطل عن العمل. ولا تحتسب نسب البطالة إلا ممن هم مسجلين في الدوائر الحكومية المختصة من حملة الشهادات ومن الفنيين المهرة وغير المهرة.. إلخ.. وهؤلاء يتركزون في المدن الكبرى.. وبالتالي فهؤلاء العاطلين إنما هم في واقع الأمر المعدمون ومن يعولونهم من سكان المدن. وهؤلاء يعانون هم ومن يعيلونهم من كل المشكلات الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها نظراؤهم في أيِّ مكان في العالم.
[FONT=inherit][FONT=inherit]4 – لو تم تقسيم ثروة مليونيرات عام 2016 على كلِّ أفراد الشعب الصيني المليار والثلاث مائة مليون نسمة، لكانت حصة كل واحد منهم "7" آلاف دولار، أي لأصبحوا جميعهم بلا استثناء أغنياء بمقياس الغنى الصيني، ولو تم توجيه هذه الثروات الرأسمالية إلى الاستثمار المنتج محليا بهدف القضاء على البطالة والفقر بعيدا عن القداسة الممنوحة لأيديولوجية اقتصاد السوق بكل كوارثها على بُنية المجتمع، لتحققت في الصين تنمية حقيقية من شأنها أن تقضي على الفقر والبطالة بنسبة 100% خلال مدة أقصاها عقد ونصف من ال