تطور الفكر الجغرافي عند العرب والمسلمين
(عرض كتاب)
• عنوان الكتاب: تطور الفكر الجغرافي عند العرب والمسلمين.
• المؤلف: عبد الرحمن صالح مزوري.
• الناشر: دار السويدي للنشر، أبو ظبي، طبعة أولى، 2009.
• عدد الصفحات: 335 صفحة.
تندرج الدراسات التاريخية الكاشفة لمدى تطور العلوم والفنون والآداب عند العرب والمسلمين، ضمن سياق التعريف بتاريخ عريق، كانت فيه الريادة للحضارة العربية الإسلامية، وتبيِّن مدى براعة أسلافنا في مجالاتٍ كان البحث والتطوير فيها يعدُّ حكرًا عليهم، فيما تمارس الحضارة الغربية الراهنة شتى أنواع التعتيم والتكتم على حصيلة تطويرها للعلوم، حرصًا منها على الحفاظ على تفوقها الراهن، بصرف النظر عن مدى أخلاقية تلك الوسائل ومشروعيتها.
ويهدف كتاب "تطور الفكر الجغرافي عند العرب والمسلمين"، لمؤلفه عبدالرحمن صالح مزوري - إلى تعريف الجيل الناشئ بالإنجازات الجغرافية العديدة التي حققها الجغرافيون العرب والمسلمون، في عصر ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، فضلاً عن الكشف عن الأفكار والمعلومات الجغرافية التي وردت في الكتب، والتي لا يمكن اعتبارها من المصادر الجغرافية المتخصصة، كالمعلومات الواردة في ثنايا نصوص القرآن الكريم أو في النصوص الشعرية، وتنبيه الباحثين إلى مدى إهمالهم لما ورد في كتب المغازي والتاريخ والأخبار، وما ذكر من معلومات جغرافية هامة في مدونات الأموال والخراج؛ بهدف بيان المساهمة الهامة التي قدمها الجغرافيون المسلمون، والتي أسهمت في إثراء الفكر الجغرافي الأوربي في القرون الوسطى.
يشير المؤلف أنه في الوقت الذي يهمل فيه الجغرافيون العرب المعاصرون تلك المنجزات العلمية الهامة؛ لاعتقادهم أن قدماء الجغرافيين لم يقدموا مساهمة جادة في تطوير الفكر الجغرافي، يزداد اهتمام المستشرقين بتلك الإنجازات، متمثلاً في قيامهم بتحقيق أمهات الكتب الجغرافية العربية الإسلامية التي عملوا على التنقيب عنها ونشرها والتعمق في دراستها.
يروم الكتاب تقصي بدايات نشوء الفكر الجغرافي الإسلامي التي وردت في القرآن الكريم، ومحاولة الوقوف على الأفكار والمفاهيم الجغرافية الواردة في كتب الخراج والمغازي والأخبار، وتلك التي وردت في الشعر العربي القديم، كما يبحث في بدايات ولادة الجغرافيا الإسلامية، ودراسة مجموعة من المصنفات الجغرافية الرائدة في هذا المجال، والتي تم تأليفها في القرنين الأول والثاني الهجريين، ويحاول أن يحيط بالتوسع الذي شهده الفكر الجغرافي الإسلامي عبر الجغرافيا الفلكية أو الرياضية، كما تبدت في مفاهيم الجغرافيين العرب والمسلمين عن الأرض وعن القمر.
كما يبحث في ميدان الجغرافيا الوصفية أو الإقليمية التي سماها العرب المسلمون "المسالك والممالك"، فيعرف مفهوم الإقليم عند هؤلاء الجغرافيين الذي قسموا المسكون من الأرض إلى سبعة أقاليم، وتحدثوا عن الربع المعمور منه، حيث أخذوا في البداية حدود المعمور من الأرض عن الجغرافيين اليونان، لينتقل بعد ذلك إلى بحث حدود الجغرافيا الوصفية.
ثم يبحث الكتاب في رسم الخرائط الجغرافية الإسلامية؛ متوقفًا عند قضية المصورات الإقليمية التي تُعْنى بدراسة ظواهر جغرافية محددة؛ مثل التي تتناول إقليمًا جغرافيًّا محددًا، أو مجاري الأنهار، أو تخطيط المدن، أو طرق المواصلات، والتي أوضحوا فيها صورة أجزاء من الأرض والحدود السياسية، إذ يعدُّ العلامة الخوارزمي أول من اهتم برسم الخرائط بعد أن درس علم المساحة وحساب المثلثات في الهند، مشيرًا إلى ضياع كثير من تلك الخرائط.
كما تناول المؤلف الخرائط التي وضعها الجغرافيون للعالم، إضافة إلى المجسمات للكرة الأرضية، التي كان الجغرافيون العرب والمسلمون قد وضعوها، مثل "الخريطة المأمونية"؛ نسبةً للخليفة العباسي المأمون، والتي تعد أقدم خريطة في العالم، وقد استخدمت الألوان في رسمها، وخريطة "البلخي" التي رسمها بجهود فردية، وخريطة "الإدريسي" التي تظهر فيها الأرض مستديرة الشكل، يحيط بها الماء من جميع الجهات، وغيرها من الخرائط الأخرى.
كما يؤكد أن مجسم "الإدريسي" يعدُّ - من وجهة نظر الجغرافيين المعاصرين الغربيين - من أشهر وأهم المجسمات الكروية للأرض، وقد صنعها "الإدريسي" من الفضة؛ بناء على طلب من ملك صقلية.
والحال أن حدود معرفة الأجيال الناشئة بتراثها الثري لا تزال ضعيفة، إذا ما قورنت بنهم المعرفة الغربية في اكتناه وسبر أغوار حضارتنا، وما خلَّفته من تراث غني بالعلوم والمعارف، التي لا يزال الغرب يعترف بالفضل في كثير من منجزاته الحالية إليها، فهل آن الأوان بالنسبة لباحثينا ومثقفينا؛ لكي يعيدوا النظر في موقفهم من التعامل مع ما خلفه لهم أجدادهم، وينهلوا من معين معارفهم وعلومهم؟!