الاستلاب
• سلام مراد
الاستلاب ظاهرة اجتماعية، اقتصادية سياسية وثقافية، وهي تتمظهر في حالة الفرد أو الجماعة و تعيش وتفكر من خارج إرادتها.. أو يوحى إليها من قوة فوق قواها، وذلك حين تُجرد من حريتها وإرادتها أو محصلة عملها.. ظاهرة الاستلاب هذه تؤدي إلى الاغتراب والضياع، اغتراب عن الذات والجماعة والحياة بمعناها الواسع كما يجب أن تعاش، يبدو الاستلاب كسبب والاغتراب والضياع نتائج له، إلا أن الاغتراب بدوره يضاعف من العوالم المؤدية إلا الاستلاب ويقويها.
وما التبلد وافتقاد العفوية، والتضارب في السلوك، وافتقاد الأصالة سوى بعض مظاهر انتزاع لإنسانية الإنسان، وليس غريباً أن يشن (نيتشه) حملة ضد الترهل والبلادة التي أحس بها وظهر تأثيرها على الشعب في وقته، نتساءل هل وعي الاغتراب والاستلاب من قبل الإنسان المغترب يسمو به خطوة إلى الأعلى تجاه الحرية..؟. وهل وعي العالم يؤدي إلى تغييره؟.
إن أسباب الاستلاب كثيرة ومتنوعة وحالاته أيضا، مثلاً الاستلاب السياسي هو اغتراب الناس عن الحياة السياسية يعادل الانعزال والتقوقع والانكفاء وترك السياسة إلى الفئة الحاكمة لتفعل ما تشاء وما تريد. ويؤدي الاستلاب السياسي إلى يأس المواطن العادي وبالنتيجة يصل المواطن إلى درجة من السلبية واليأس والعجز، فلا يتكلم المواطن ويرفع صوته في وجه الأخطاء والنواقص التي تحصل، مما يدل على استشراء وتسرطن حالة الاغتراب والاستلاب.
إن حالة الاغتراب والاستلاب تجعل الفرد ورقة في مهب الريح، وفي ذلك تفريغ للإنسان من محتواه الإنساني، وتسطيحه ودفعه إلى دوامة الضياع بعيداً عن نهر الحياة المتدفق، وبالتالي تعطيل فعالية القوة الحية في المجتمع، وتعطيل طاقات وقدرات الفرد على الصمود في وجه العواصف التي تقتلع الجذور؟ .
إن الخطر الكبير في حياة المجتمعات هو تشوه صورة القدوة في نظر الأجيال، حيث تتشوه معه القضايا الوطنية والإنسانية، وهذا يساعد على توفر عوامل متزايدة لانحطاط المجتمع، وشعور الإنسان وكأن حياته بلا معنى بينما الإنسان الذي لا تزال ثقته قوية بالأهداف الوطنية النبيلة والإنسانية، يبقى مشدوداً إلى قضايا وطنية وإنسانية، وبالتالي يرتفع هذا الإنسان لأنه متوازن، وتصبح لحياته معنى عظيم، لأنه يعيش ولهو أهداف وغايات نبيلة يؤمن بها، غير إن الإنسان الذي يعيش بلا قيم كبرى، إنسانية ووطنية، يعيش في حالة فراغ وضياع، وبالتالي يبحث عن قيم أخرى تشده إليها، وفي ظل المجتمعات الاستهلاكية، دائماً يكون هناك الجديد الذي يسعى الناس لامتلاكه، ولأن الجديد يلغي القديم، يكون هناك ركض ولهاث مستمر لدى النسبة الغالبة من الناس ففي المجتمعات الاستهلاكية قيمة الإنسان بما يملك من البضائع فالثقافة الاجتماعية تتحول إلى ثقافة استهلاكية في مجتمع استهلاكي.
كما أن استسلام العقل وتهميشه، لا يعني إلا دخول الخرافات والسلبيات إلى عقل الإنسان، وبالتالي يؤدي إلى سجن العقل المشاغب الذي لا يرضى بسهولة، ويحل محله عقل امتثالي خانع مسكين يعادل اللاعقل، تحدث دائرة مفرغة تبدأ بالاستلاب السياسي فاستلاب اقتصادي واستلاب ديني، دائرة تغلق وتغذي بعضها بعضاً، الذات الأصلية، وليست المفرغة هي التي تبني الأوطان والحضارات وتقيم مع الآخر روابط عميقة قوية ذات مغزى.
ولكن حين تفرغ الشخصية الإنسانية من حيويتها ومن مغزاها، تنشأ حالة القطيع، وسلطة الهيئة الاجتماعية المطلقة كتجسيد ملموس لكل أشكال الاستلابات.. كما يشكل مناخاً معادياً لكل تفرد وإبداع ونمو للشخصية الإنسانية، وما يمهد السبيل لك تبعية ثقافية وعلمية وحضارية للعالم المتقدم، كما يضع كل المعيقات أمامنا كأمة تدخل عصر العولمة وهي ما هي عليه من ضعف وتخلف.. ويوفر كل السبل لأن نذوب في عالم الأقوياء.
الحل في الديمقراطية:
يرى الأستاذ علي عثمان في كتابه الاستلاب تحطيم العقل الصادر عن دار التكوين بدمشق أن الديمقراطية سواء كونها آلية تقونن العلاقات بين الحاكم والمحكوم، وتفعل دور الجماهير في صناعة تاريخها، أي خلق جو من الانفتاح على الآخر والخروج من القواقع والدكاكين السياسية.
في جميع الأحوال الديمقراطية بأشكالها ومعطياتها لا تأتي عفوياً إنما تتطلب نضالاً شاقاً ومريراً ليس في وجه استبداد سلطوي ما وحسب بل في وجه ما خلفته قرون طويلة من أيديولوجيات، وثقافة اجتماعية، قمعية ومنغلقة ومتعصبة، ومهما يكن من أمر الصعوبات والعواقب فالنضال من أجل الديمقراطية من أصعب المعارك التي ربما عرفها الإنسان في منطقتنا، (ولكن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة) كما يقول المثل الصيني، ولا بد أن تكون البداية على أيدي المثقفين الديمقراطيين لخلق تيار ثقافي ديمقراطي وحواري يبدأ من الذات الفدية مروراً بالأسرة ليعم المجتمع بشكل تدريجي في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية، فلا بديل عن ثقافة الحوار لأن عصر نفي الآخر وتهميشه قد ولى بدون رجعة وحري بالإنسان أن يستفيد من التجارب الإنسانية والتاريخية لكي يحقق تقدماً نحو الأحسن والأفضل، بما يسعد الفرد ويؤدي إلى تطوير المجتمع.
الكتاب: الاستلاب ـ تحطيم العقل.
الكاتب: علي عثمان.
الناشر: دار التكوين ـ دمشق 2004 .