كثيراً ما يطرق سمعنا سبّ الأموات يفعله الصغار والكبار , الرّجال والنساء , في حالة الغضب والانفعال حيناً وفي اللغو والمزاح أحياناً ولا ترى من يحرّك ساكناً وكأن هذا تصرف طبيعي لا يستدعي منّا لوناً ما من ألوان الغيرة على هؤلاء الّذين هم أهلونا أو أقاربنا أو أصحابنا حيث مضوا راحلين عن دنيا البشر إلى عالم البرزخ , وقد تركوا الدّنيا وما فيها ومن فيها ولم يحملوا معهم من متاعها شيء بل تركوا كل شيء. لم يتساءل أحد حتى لحظة إعداد هذه اللطيفة الحديثية عن موقف الشرع الحنيف من هذه الظاهرة الخطيرة.والتي تدل على السقوط الأخلاقي وإهانة من غادر عالم الأحياء إلى عالم الموتى واليقين القطعي أنّه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه ويقف موقف الرجل الشهم أمام من يسبّه. كما توحي هذه الظاهرة بغباء من يفعل ذلك وتشعرك أنّه ناقص الرجولة. تعال معي – هداني الله وإيّاك – نبحث عن حكم الشرع الحنيف في هذه الظاهرة السيئة. بينما كنت أقرأ في رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله تعالى عثرت على حديث صحيح ينهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الظاهرة ذاتها . وسأورد الحديث ثمّ اتبعه بالتعليق والشرح وصولاً إلى هدفنا وهو بيان حكم الإسلام في تلكم القضية . قال الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين – باب تحريم سبّ الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية وهي التحذير من الاقتداء به في بدعته أو فسقه أو نحو ذلك -الصحيفة (448) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تسبّوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدّموا . " رواه البخاري .
إذا بناء على الحديث أعلاه يحرم على المسلم سبّ الأموات وشتمهم ويجب علينا جميعاً أن نترفع عن هذه النقيصة التي لا تعبّر إلا عن قلّة المروءة وسلاطة اللسان . ولنعلم أيضاً أن الجزاء من جنس العمل فإذا سببت أخاك الميت فاعلم أن سيأتي من يسبّك بعد موتك . وكما يشير الإمام النووي رحمه الله في الترجمة للباب أن التحريم مشروط بصدور السبّ بغير وجه حق أو حصول مصلحة شرعية . ولعل هذا القيد يراد به التحذير من الاقتداء بالميّت المبتدع أو الفاسق بالعمل ببدعته وأعماله التي تدلّ على فسقه . فلعل الإمام النووي يرى أنّ سبّه طريق لإبعاد المسلمين عن متابعته في بدعته وفسقه حماية للدين والعقيدة , فالدين أولوية عليا بإطلاق. هذا توجيه الإمام رحمة الله . ولكن أرى أن يقفل هذا الباب سداً للذريعة حتى لا يفضي إلى سبّ الصالحين من قبل السفهاء الّذين لا علم لهم بماهية الحق وجوانب المصلحة في الأمر .
وجه الاستلال بالحديث أصولياً :
جاء الحديث بلهجة النهي المتقضي للتحريم ما لم توجد قرينة شرعية أو لغوية أو عرفية تصرفه إلى الكراهة , ولا قرينة صارفة له عن التحريم هنا مما يثبت إن سبّ الميت حرام قطعاً لقوة الدليل وصحته . وقد جاء النهي في الحديث معللاً تعليلاً واضحاً فالميت أفضى إلى الدار الآخرة لا يحمل في جعبته إلاّ أعماله الّتي قدمها بين يديه . وهي المقياس الظاهر لنا لمعرفة حاله وعلينا أن نرجع أمره إلى الله العالم بالسر وأخفى .
وأخيراً : إني أنصح كل مسلم أن يترفع عن هذه النقيصة ولا يطلقنّ السبة والشتيمة على الموتى حتى لا يرتكب عملاً محرّماً يشوّه به صحيفته يوم القيامة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ