قضية الوضوح والغموض في الشعر العربي

[ريمه الخاني]

قضية الوضوح والغموض في الشعر العربي:
قضية طرحت عبر النت كثيرا لكن نعتبر دراستنا مخلصا وإضافة لما سبق, بحيث نضع أنفشنا في منتصف الحدود لنر بوضوح القضيتين بحيادية:
قضية الوضوح والغموض في الشعر قضية قديمة قِدم الشعر نفسه، وتنبت أولى جذورها ضاربة في أعماق القِدم منذ نشوء الأدب في العصر الجاهلي، حيث كانت السمة الغالبة على الأدب آنذاك الوضوح نظراً، لأن تفكير العربي بعفويته يميل إلى الوضوح وينفر من الغموض، حيث كانت الحياة البدوية الساذجة لها أثرها في طبع فكر البدوي بالبساطة والوضوح، فجاء تبعاً لذلك أدبه بعيداً عن التعقيد قريباً إلى الوضوح نظراً لبساطة الحياة التي يعيشها في أحضان الطبيعة المكشوفة، مما قد يُعد سبباً يُفسر به صفاء فكر العربي ووضوحه بشكل عام، لكن وإن كان الوضوح هو السمة الغالبة في الشعر فقد تسرَّب شيء من الغموض إلى الشعر في مرحلة من مراحل.[1]
ولو تكلمنا حصرا عما طرحه النقاد عن الغموض حصرا :
نجد أن صاحب الفكر الثاقب عبد القاهر الجرجاني (471ه) ينظر لقضية الغموض في الشعر بعين الاعتدال فقد استحسن الغموض في الشعر وليس بأي غموض، بل ذلكم الغموض المبني على التعقيد الفني الذي ينم عن قدرة فنية فذة، فرأى أن وضوح المعنى لا يتعارض مع المعنى اللطيف الذي يتوصل إليه بشيء من التفكير فيؤسس الجرجاني لفكرته هذه ليصل إلى ما مفاده أن الصورة لا بد أن تتميز بشيء من الغموض من خلال تباعد أطرافها مع كون هذا التباعد مقبولاً عقلاً ولذلك فعبد القاهر يشبه هذا النوع من الغموض في الصورة والغوص على معناه بالجوهرة النفيسة داخل الصدفة فلا يحصل عليها إلا ببذل الجهد لشق هذه الصدفة[2]
لكن ولنتأمل مثلا هذا البيت من معلقة طرفة بن العبد:
كأن عُلوب النَّسْع في دَأياتها موارد من خَلقاء في ظهْر قَرْدد
وأكثر منه غموضا إذا لم نفك رموز الألفاظ قوله:
وأتلعَ نُهَّاض إذا صعدت به كسُكّان بَوْصِيّ بِدجلة مِصعد
وهكذا في جل معلقة طرفة نلاحظ تهاطل الكلمات الغريبة التي تحتاج منا الى قاموس بن منــظور علنا نفهم المعاني بعد فك رموز الألفا[3]
لكن الغموض حديثا لم يرتد ثوب البلاغة والكلمات الصعبة والمعجمية بقدر استعارتها لصور غريبة وجديدة واستعارات آيات قرآنية لخدمة فكرة النص نجدها في شعر فراس ديوب عموما.
وقرانا في دراسة هامة التالي:
إن أقوال النقاد والبلاغيين العرب في ذم الغموض والتعقيد، والتنفير من الصعب الغريب أكثر من أن تحصى، بل ان مفهوم البلاغة نفسه ارتبط عند العرب - كما سبق ان ذكرنا - بالوضوح والابانة.
قال علي بن أبي طالب - رضى الله عنه - «البلاغة افصاح قول عن حكمة مستغلقة، وابانة عن مشكل».
ومثله قول الحسن بن علي - رضى الله عنهما-: «البلاغة ايضاح الملتبسات، وكشف عوار الجهالات، بأسهل ما يكون من العبارات» وقوله: «البلاغة تقريب بعيد الحكمة بأسهل عبارة».
ومن ذلك قول محمد بن علي - رضى الله عنهما-: «البلاغة تفسير عسير الحكمة بأقرب الألفاظ». [4]
*****************
أجرينا حوارا مع أستاذ العروض "غالب الغول" وسألناه عن هذا الأمر بالذات فتضل مشكورا:
(حيث ذكرت له اتهام بعض النقاد لي بأن في شعري وضوح فاضح(ولا ضير في التوقف ومراجعة إلى أين وصلنا عموما لنصل لشواطئ جديدة هامة) فقال:
, للنقد الشعري اتجاهات متعددة , لكل ناقد أدواته الخاصة , وليس لدى النقاد أدوات شعرية متفق عليها , فمنهم من يحب الغموض في الشعر , ومنهم من يحب الرمزية , ومنهم من يحب بلاغة الكلام ووضوحه , فلا تقلقي من نقد القاد , أعذب الكلام هو الوضوح , ببلاغته , والبلاغة معناها أن تصلك العبارة مفهومة وواضحة , وديوان العرب الذي وصلنا من أساسياته الوضوح في الخطاب , فانظر إلى قول الشاعر:
كل امرئ راجع يوماً لشيمته
وإن تخلق أخلاقاً إلى حين
فهذا كلام في منتهى الوضوح فأين العيب به وهو من أشهر الشعراء ,
وقول عنتره ,
وودت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
لا أكثر من تشبيه شيء بشيء آخر
لتكن عزيمتك قوية , ولا يغرك قول النقاد , فهم يريدون فلسفة لا طائل منها إلا تعقيد الشعراء , ليقال عنهم نقاد .
وأكمل موضحا:
نزار ومحمود درويش ومحمد القاسم وغيرهم , يتسمون بوضوح الكلمة وقوة معناها فقط .
فما العيب في ذلك؟
وحتى انه كان الشاعر محمود درويش شاع كان يخطئ في العروض كثيراً , ومع ذلك فإن الناس لا تفهم العروض وكانوا يصفقون لقصائده من غير فهم , وكثر جمهوره وصار مشهوراً.
يقول أستاذ العروض غالب الغول أيضا:
كل الشعراء الأوائل كان شعرهم واضحاً بمعانيه وضوح الشمس , لكي تصل الرسالة إلى الأذهان وليس لكي نفسر البيت الواحد ألف تفسير وتفسير
*******
وأقول: ان لبعض الغموض حلاوة لكن كثرته تضيع القارئ خاصة لو كان النص طويل
ويقول الأستاذ الغول:
عندي ديوان شعر لأحد الشعراء , وأقسم بالله لم أفهم منه قصيدة واحدة , المعاني مشتتة وكلها غامضة , وكدت أن أمزق الكتاب كله , أهكذا يكون الشعر؟؟؟
وفي النهاية نقول: أن للشعر أقلاما كثيرة ,ومذاهب فكرية يرتديها صاحبها او ترتديه, وجميل ان نتقبل دوما وجهات النظر لنعرف أين نحن وإلى أين نريد ان نصل, و الأهم ان نعرف ماذا نريد وماهي حقيقة طموحنا.
ريمه الخاني 10-9-2013

---

[1] سحر بنت خالد المطيري :
http://www.al-jazirah.com/culture/13022006/fadaat17.htm

[2] المصدر السابق ذاته

[3] http://www.oujdacity.net/correspondants-article-9826-ar/%20http://www.oujdacity.net%20...


[4] http://www.alsahafasd.net/details.php?articleid=28679

[غالب الغول]

مقال رائع أيتها الأديبة الأريبة , وقد يعينكم هذا الرابط لتقارب الفكرة :
http://www.omferas.com/vb/showthread.php?t=46862

[عبد الرحمن سليمان]

لفت نظري الموضوع أستاذتنا واظن انه ذوق أكثر منه نهج.واتمنى لك التوفيق.