[color="red"]السري السقطي رضي الله عنه[/color]
هو الإمام الهمام المعروف بطبيب الغذاء وتصفية القلوب، أبو الحسن سري بن المغلس السقَطي خالُ الجنيد البغدادي وأستاذه، وهو تلميذ معروف الكرخي. كان وحيدَ زمانه وفريدَ دهره في الورع وأحوال السنة وعلوم التوحيد.
قال العباس بن مسروق: بلغني أن السري كان يتجر في السوق وهو من أصحاب معروف الكرخي، فجاء معروف يوما ومعه صبي يتيم، فقال له: أكْسُ هذا اليتيم قال السري: فكسوته، ففرح به معروف وقال: بغَّضَ الله إليك الدنيا، وأراحك مما أنت فيه. فقمت من الحانوت وليس شيء أبغض إليَّ من الدنيا، وكل ما أنا فيه من بركات معروف.
يقول الجنيد: ما رأيت أعبدَ من السري، أتت عليه ثمانٌ وتسعوت سنة ما رؤي مضطجعا إلا في علة الموت.
ويروى أنه قال: إنني أنظر إلى أنفي في اليوم كذا وكذا مرة مخافة أن يكون قد اسودَّ وخوفا من الله أن يسود صورتي لما أفعله.
وقال الجنيد: سمعت السري يقول: أعرف طريقا مختصرا قصدا إلى الجنة، فقلت: ما هو؟ فقال: لا تسأل من أحد شيئا، ولا تأخذ من أحد شيئا، ولا يكن معك شيء تعطي منه أحدا.
قال الجنيد: دخلت على السري السقطي وهو يبكي فقلت له: وما يبكيك؟ فقال: جاءتني البارحة الصبية فقالت: يا أبتِ هذه ليلة حارة وهذا الكوز أعلقه ههنا ثم إنه غلبتني عيناي فنمت فرأيت جارية من أحسن الخلق قد نزلت من السماء فقلت: لمن أنت، فقالت: لمن لا يشرب الماء المبرد في الكيزان، ثم رفسته برجلها فكسرته، قال الجنيد: فرأيت الخزف لم يرفعه حتى عفا عليه التراب انتهى ما قاله القشيري.
وقال علي بن الحسين بن حرب: بعث بي أبي إلى السري بشيء من طبِّ السعال (لسعال كان به) فقال لي: كم ثمنه؟ قلت له: لم يخبرني بشيء فقال: اقرأ عليه السلام وقل له: نحن نعلّم الناس منذ خمسين سنة أن لا يأكلوا بأديانهم ترانا اليوم نأكل بديننا.
وقال: لو أشفقت هذه النفوس على أبدانها شفقتها على اولادها للاقت السرور في معادها.
وقال: المغبون من فنيت أيامه بالتسويف.
وقال: احذر أن تكون ثناءًا منشورا وعيبا مستورا.
وقال: التوكل الانخلاع عن الحول والقوة.
وقال: أربع خصال ترفع العبد: العلم والأدب والعفة والأمانة.
وقال: تصفية العمل من الآفات أشد من العمل.
وقال: من استعمل التسويف طالت حسرته يوم القيامة.
وقال أبو بكر العطشي للسري السقطي: ماذا أراد أهل الجوع بالجوع، فقال: ماذا أراد أهل الشبه بالشبع، إن الجوع أورثهم الحكم، وإن الشبع أورثهم الغم.
وقال: من لم يعرف قدر النعم سُلِبها من حيث لا يعلم، ومن هانت عليه المصائب أحرز ثوابها.
وقال: اجعل فقرك إلى الله تستغني به عمن سواه.
وقال أحسن الأشياء خمسة: البكاء على الذنوب، وإصلاح العيوب، وطاعة علام الغيوب، وجلاء الرين عن القلوب، وأن لا تكون لما تهوى ركوب.
وقال السري: أشتهي ان أموت ببلد غير بغداد. فقيل لمَ؟ فقال أخاف أن لا يقبلني قبري فأفتضح.