إسرائيل وأكذوبة الأهداف المشتركة مع الولايات المتحدة
د. غازي حسين
إسرائيل هي العنصرية الأبشع في عالمنا وهي كيان الاستعمار الاستيطاني الوحيد المتبقي في العالم
> تقوم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على أساس السيطرة على مصادر الثروات الطبيعية وفي طليعتها النفط وأمواله وكمياته وأسعاره، وممراته، ومواجهة حركات المقاومة، والإطاحة بالأنظمة الوطنية والقومية، وعرقلة الوحدة العربية، وفرض بعض التوجهات الإسرائيلية والأمريكية على جامعة الدول العربية ومؤتمرات القمم العربية، وتقوية العدو الإسرائيلي، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والمحافظة على تفوقه النوعي على جميع البلدان العربية، وحماية احتلاله لفلسطين والجولان وجنوب لبنان، ودعم تهويده للقدس العربية وفرض إقامة «إسرائيل العظمى» الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير للهيمنة على المنطقة كمقدمة لهيمنة اليهودية العالمية على العالم.
إن انطلاق الإدارات الأمريكية من هذه الاستراتيجية الاستعمارية يجعلها تحدد الأساليب السياسية والعسكرية لتحقيقها كالحروب الاستباقية ودعم حروب "إسرائيل" العدوانية والدفاع عنها داخل الأمم المتحدة وخارجها، وتدافع الإدارات الأمريكية بالتعاون مع من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب عن تهويد القدس بشطريها المحتلين، مدينة الإسراء والمعراج وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
إن السيطرة على العالم والإطاحة بالأنظمة الوطنية والقومية في البلدان العربية والإسلامية وبلدان أمريكا اللاتينية، والقضاء على حركات المقاومة، وتعيين الرؤساء والإطاحة بهم، خدمة لمصالحها كما حدث مع امبراطور الحبشة هيلا سيلاسي وشاه إيران والطاغية المخلوع حسني مبارك وغيرهم سمة أساسية للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
حدد الصهيوني سكوت كاربنتر بشهادته أمام إحدى لجان الكونغرس حول التحولات السياسية في الشرق الأوسط، وقال: إن هناك ثلاث مصالح أمريكية رئيسية في المنطقة:
أولاً: ضمان وصول العالم إلى النفط لتوفير الوقود للصناعة العالمية «ضمن المخططات التي وضعها كيسنجر وبقية يهود الإدارات الأمريكية».
ثانياً: الدفاع عن حق «إسرائيل» في الوجود وتعزيز السلام العربي الإسرائيلي بتحقيق المخططات التي وضعتها إسرائيل لتصفية قضية فلسطين وفرض هيمنتها على المنطقة.
ثالثاً: تطوير تعاون مستمر مع حكومات المنطقة لمكافحة الإرهاب -أي حركات المقاومة- والايديولوجية التي تغذيه، ويتطلب تحقيق هذه الأهداف - برأيه- بناء علاقات مع عدد من الحلفاء الرئيسيين في المنطقة، وهما بصفة أساسية السعودية ومصر، وضرورة ركوب موجات ما يسمى بالثورات العربية مما يتطلب إبداعاً وموارد وقدرة على إقناع الحلفاء بأنه يتعين التحكم في التغيير، أي فيما يسمى بالثورات العربية.
وتبرر اللوبيات اليهودية وقيادات أمريكية الدعم الأمريكي الهائل الذي لامثيل له في العلاقات الدولية لإسرائيل بالقيم والأخلاق المشتركة والإيمان المشترك بالديمقراطية والكفاح من أجل الحرية، والجذور الثقافية للحضارة البيروتانية، أي الحضارة اليهودية المسيحية والفوائد الجمة التي تقدمها «إسرائيل» للولايات المتحدة ومصالحها القوية المعادية تماماً لمصالح وحقوق شعوب المنطقة العربية والإسلامية.
تتشدق الولايات المتحدة بالقيم والأخلاق، ولكن الامبريالية الأمريكية ونظام الاستعمار الاستيطاني والعنصري اليهودي بعيدان كل البعد عن القيم والأخلاق والمبادىء القانونية التي ترسخت بعد الحرب العالمية الثانية ومنها: نبذ وتحريم الحروب العدوانية والإبادة الجماعية، وزوال الاستعمار بشكليه القديم والجديد، وأنظمة الاستعمار الاستيطاني والعنصرية.
وتجسد القيم المشتركة المدعاة للطرفين نهب الثروات الطبيعية العربية ومنها النفط ونهب الأرض والمياه والحقوق العربية، والحرب المستمرة على العروبة والإسلام وتهويد فلسطين والقدس وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
إن التشدق الأمريكي والإسرائيلي بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان كقيم مشتركة بين البلدين الاستعماريين غير وارد على الإطلاق في ممارسات ومواقف البلدين، فالثقافة والإرث التي تجمع الولايات المتحدة و«إسرائيل» هي التعاليم التي رسخها كتبة التوراة والتلمود، وهو الذي يوحّدهما على شن الحرب الصليبية على العروبة والإسلام باسم مكافحة الإرهاب.
وتؤكد اللوبيات اليهودية ومعظم أعضاء الكونغرس المتصهينين أن المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها أمريكا لحماية مايزعمون أنه دولة الشعب اليهودي الصغيرة، والذي نجا من الهولوكست، هي من الأسباب الرئيسية لإقامة واشنطن العلاقات القوية مع«إسرائيل».
رسخت النخب اليهودية هذه الذريعة في أمريكا، وأعادت إحياء صناعة الهولوكوست للسيطرة على صنع القرار في البيت الأبيض فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط الكبير وثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي وتهويد القدس وفلسطين.
وأدت سيطرة اليهود على البنوك والبورصة ودور النشر والإعلانات وكبرى الصحف ومحطات التلفزة ومؤسسة هوليوود السينمائية إلى ترسيخ هذه المزاعم والقيم الكاذبة في أعماق الشعب الأمريكي.
إن علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل تسير في شارع باتجاه واحد حيث تدعم الولايات المتحدة «إسرائيل» سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومالياً وإعلامياً وتوفر لها جميع أنواع الأسلحة لكسر إرادات العديد من الحكام العرب ولاتساهم «إسرائيل» بشيء لخدمة المصالح القومية الأمريكية.
وأدى الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل لجعل الولايات المتحدة أكثر دولة مكروهة في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم.
وتتحمل اللوبيات اليهودية الأمريكية المسؤولية المباشرة عن الأزمات الخانقة التي تعيشها الولايات المتحدة، وعن بداية انحدار الامبراطورية الأمريكية، وعن مصيرها الآيل إلى الزوال خلال عقود قليلة قادمة.
خطط العدو الصهيوني إلى تجزئة الصراع العربي الصهيوني إلى نزاع مصري-إسرائيلي وفلسطيني -إسرائيلي وأردني-إسرائيلي ولبناني-إسرائيلي وسوري- إسرائيلي، والدخول مع كل طرف على حده في المفاوضات الثنائية المباشرة لابتزاز الأطراف العربية باستغلال تمسكه باحتلال الأراضي العربية.
وأجبرت الولايات المتحدة الأمريكية الأطراف العربية على المفاوضات تحقيقاً للمخططات الإسرائيلية وللأهداف السياسية لحرب حزيران العدوانية عام 1967 وبرعايتها، وتجسدت الإملاءات الأمريكية على الأطراف العربية بتوقيع اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وفي عقد المؤتمرات الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الدار البيضاء وعمان والقاهرة والدوحة، وذلك لدفع الدول العربية للهرولة بتطبيع العلاقات مع كيان الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، وورط الكيان الصهيوني الولايات المتحدة في إشعال الحرب الصليبية على العروبة والإسلام ومعاداة إيران مما أدى إلى تصعيد العداء العربي والإسلامي للولايات المتحدة.
إن اليهود «وإسرائيل» هم الذين خلقوا الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وهم مسببوه وداعموه تنفيذاً للأطماع والأكاذيب التي دوّنها كتبة التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون، والمخططات التي أقرتها المؤتمرات الصهيونية، وهم ضد أي تطور ديمقراطي أو تنموي في المنطقة، ودعموا ويدعمون أنظمة الاستبداد في معظم البلدان العربية والإسلامية.
ورسخت «إسرائيل» العديد من الأكاذيب حول الأهداف المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة كي تسخر الولايات المتحدة وإمكانياتها في خدمة المخططات الاستعمارية والعنصرية للصهيونية العالمية.
وتتحمل «إسرائيل» والولايات المتحدة عبء عرقلة التنمية والتطور، وتدمير المنجزات، وزرع الإرهاب والتخلف والعنصرية، وزعزعة الأمن والاستقرار الدوليين في المنطقة والسلام العالمي.
وتظهر المزاعم الإسرائيلية حول الأهداف المشتركة بين البلدين أن قادة إسرائيل أساتذة كبار في فن الكذب، لأنهم ألحقوا أفدح الأضرار في مكانة وسمعة ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وحققوا مخططاتهم الشيطانية بإمكانيات الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية، وكانوا السبب الأساسي في تفجيرات 11 أيلول بنيويورك، إذا انطلقنا من الرواية الأمريكية الرسمية للأحداث.
ولاتزال تستغل «إسرائيل» واليهودية العالمية معزوفتي اللاسامية والهولوكوست للابتزاز المادي والفكري والسياسي والإعلامي، وكانت ضد توحيد ألمانيا عام 1990 ولكنها عندما قبضت الثمن سكتت على الوحدة الألمانية.
وتابعت ابتزازها للحكومات الألمانية إلى أن وصلت العلاقات حداً عقدت فيه الحكومتان جلسات عمل مشتركة، وقدمت لها ألمانيا هدايا أسلحة منها بطاريات مضادة للصواريخ وغواصات دولفين النووية.
كانت الولايات المتحدة تعتبر أن بناء المستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة غير شرعية، إلا أن الرئيس أوباما غيّر الموقف الأمريكي وركع أمام نتنياهو ووافق على البناء في الأحياء والمستعمرات اليهودية في القدس وبقية الأراضي المحتلة.
يزعم يهود الإدارات الأمريكية أن "إسرائيل" قدمت خدمة كبيرة للأهداف المشتركة بينها وبين أمريكا في مكافحة الانتشار النووي في الشرق الأوسط عندما قصفت المفاعل النووي (السلمي) في بغداد عام 1981 ومنشأة الخبر في دير الزور عام 2007 اللتين لاعلاقة لهما بإنتاج الأسلحة النووية.
في حقيقة الأمر أن إمتلاك«إسرائيل» لجميع أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية منذ الخمسينيات من القرن الماضي وبمساعدة من فرنسا وألمانيا وأمريكا وحتى سويسرا هو الذي دفع ويدفع بعض الدول في المنطقة للحصول على أنظمة دفاع متطورة لمواجهة ترسانات أسلحة الدمار الشامل التي يملكها العدو الإسرائيلي ومخططاته في كسر إرادات العديد من الحكام العرب والمسلمين، وأطماعه في النفط والثروات العربية.
فالـدعم الأمريكي لتدمير المفاعل النووي في بغداد جريمة دولية ساهمت فيها الولايات المتحدة وبعض الدوائر الفرنسية، ويتذرع يهود الإدارات الأمريكية بالمصالح المشتركة ومنها قبول «إسرائيل» طلب الولايات المتحدة بعدم الرد على هجمات صواريخ سكود العراقية، ويتناسون بأن إسرائيل وهم أنفسهم الذين كانوا وراء الحرب العدوانية على العراق بمسلسل من الأكاذيب التي سوّقها الموساد لمُجْرِمَي الحرب بوش وبلير لتدمير العراق وجيشه ومنجزاته والسيطرة على ثرواته والقضاء على الجبهة الشرقية التي كانت تخيف إسرائيل.
صب هذا الموقف إبان حرب الخليج الأولى في مصلحة إسرائيل لأنه ساعد في تسخير السعودية وبقية بلدان الخليج في الوقوف بجانب الحرب الأمريكية على العراق والانطلاق من الأراضي العربية لتدمير العراق واحتلاله، وقدموا جميع ما لديهم في خزائن المال في تمويل الحرب الأمريكية.
وحصدت إسرائيل مساعدات عسكرية أمريكية وبطاريات صواريخ باتريوت من ألمانيا وتعويضات عراقية من أموال النفط مقابل الغذاء، فإسرائيل عنصرية مستغلة تستغل أمريكا لخدمة مخططاتها الشيطانية المعادية للعروبة والاسلام ومصالح شعوب المنطقة، وورطت مجرم الحرب بوش في الحرب العالمية على العروبة والإسلام حفاظاً على مصالحها الاستعمارية وخشية من تحول الصراع معها إلى صراع ديني لاتستطيع مواجهته.
كان الرئيس الأمريكي الممثل الفاشل رونالد ريغان هو الذي أتاح لإسرائيل فقط مشاركة الولايات المتحدة في حرب النجوم، ولاتزال الولايات المتحدة تقدم سنوياً مئات الملايين من الدولارات لتطوير الأسلحة المتطورة لتحقيق المجال الحيوي للصهيونية من النيل إلى الفرات في بلدان الشرق الأوسط الكبير.
وتتجاوز اليوم أعمال "إسرائيل" الشيطانية شعوب المنطقة لتشمل الشعوب الأوروبية عن طريق مشاركتها في القبة الصاروخية التي تطوق أروربا والشرق الأوسط والخليج.
وتبيع المعدات العسكرية إسرائيلية الصنع للقوات الأمريكية في المنطقة، مما أدى إلى جلب المزيد من الأموال والأرباح للصناعات العسكرية الإسرائيلية، مما يعود بالربح لإسرائيل بالدرجة الأولى.
وتستغل إسرائيل التطور الهائل الذي حققته أمريكا في مجال حرب النجوم وتعمل الشركات الإسرائيلية والأمريكية معاً لإنتاج مشترك بـ «القبة الحديدية» الإسرائيلية وهي نظام مضاد للصواريخ متطور جداً، وسيزيد هذا التطور المشترك من حدة التوتر والأطماع الصهيونية في المنطقة وفي العالم، وربما سيجلب الخراب لأوروبا في المستقبل.
وتعمل إسرائيل على استغلال الولايات المتحدة وإمكاناتها وطاقاتها لتهويد القدس وفلسطين ومواجهة حركات المقاومة وتزويد جميع أجهزة المخابرات الغربية بمعلومات كاذبة لحمل الدول الغربية على معاداة أعداء«إسرائيل»، ووصلت وقاحة الموساد التجسس حتى على الولايات المتحدة وفضيحة يوناثان بولارد من أوضح الأدلة على ذلك.
إن استغلال اللوبيات اليهودية الأمريكية و"إسرائيل" مقولة المصالح الأمريكية المرتبطة مع المصالح الإسرائيلية تمثل أخطر تهديد لمصالح شعوب المنطقة وللسلام العالمي، وتخدم التهديدات الموجهة لحزب الله وإيران وسورية وحركات المقاومة واختلاق الفوضى فيها عرقلة تحرير القدس والجولان وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
تلعب سذاجة وسخافة وانتهازية رؤساء الولايات المتحدة دوراً في تصديق المقولات الإسرائيلية الكاذبة، كما يفيد التفوق الأمريكي تفوق إسرائيل في العديد من المجالات الهامة.
وهكذا أصبحت إسرائيل سبب التهديدات لأمريكا في الداخل والخارج والسبب الرئيسي الذي جعل جميع شعوب المنطقة تكره الولايات المتحدة.
إن إسرائيل هي أكبر فاشية وعنصرية وإرهابية وكيان الاستعمار الاستيطاني الوحيد المتبقي في العالم، وهي أنانية موالية لنفسها فقط تستغل الآخرين لمصالحها فقط المعادية لمصالح جميع الشعوب في العالم وعلى رأسهم الشعب الأمريكي.
لقد أكد مستشار الرئيس أوباما الإسرائيلي رام عمانويل أن العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية ثابتة بكل ما يتصل بالزمن وبالقيم المشتركة والرؤية الاستراتيجية.
إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي أقيمت على أساس مزاعم المصالح المشتركة بين البلدين هي السبب المباشر لكراهية شعوب المنطقة وشعوب العالم لسياسات ومواقف الولايات المتحدة، وستدفع الولايات المتحدة تكاليف غالية يسبب انحيازها الأعمى لمخططات العدو الإسرائيلي في القدس وفلسطين ولبنان والعراق ومصر والسودان وبقية البلدان في آسيا، وبسبب الحرب التي يشنها الجانبان على العروبة والإسلام، فالأكاذيب الإسرائيلية تؤدي إلى المحافظة على تسخير أمريكا لتحقيق المخططات الإسرائيلية وتطوير ما يسمى بالتعاون المشترك لمصلحة «إسرائيل» فقط، مما يزيد الكراهية للولايات المتحدة في كل أنحاء العالم