عرض كتاب العنوان: المضمر في الترسل النسوي العربي
المؤلف: بثينة خالدي
تاريخ النشر: الطبعة الأولى: 2015
عدد الصفحات: 223 صفحة
مؤلفة الكتاب هي الدكتورة بثينة خالدي استاذة مشاركة في قسم الدراسات العربية والترجمة بالجامعة الاميريكية في الشارقة،حاصلة هلى شهادة الدكتوراة من جامعة انديانا الاميريكية، في دراسات الشرق الاوسط والادب المقارن،صدر لها كتابات بالانجليزية الى جانب مجموعة مقالات في مجلات عالمية محكمة كما اصدرا ثلاثة كتب بالعربية،هي:الادب العربي الحديث،مختارات،(بيروت المركز الثقافي العربي،2010) والوافي في تراث العرب الثقافي(بيروت المركز الثقافي العربي،2010) وتراث العرب المعربي(بيروت،المركز الثقافي العربي،2010)
ترمي الكاتبة من وراء هذا الكتاب الى انارة معرفية تسلط من خلالها حزمة معرفية على ذاك المضمر في الترسل النسوي
وقد قسّمت الكاتبة كتابها إلى توطئة واربعة فصول،ففي التوطئة اردت الكاتبة ، ان تقول:بعد ان شغل الترسل مساحة كبيرة في الادب العربي،وقد خصه ابو احمد العباس احمد القلقشندي(ت.821هجرية في القرن الرابع عشر بمجلدات ضخمة.لكن المدونة النسوية غابت عنه كما غابت في العصر الحديثحيث انشغل الكل في القصة والرواية والشعر والمقالة واحيانا بالاتجاهات الفكرية، وتكشف الكاتبة عن سر هو انه اذا ما ذهبنا الى البعد المضمر في الترسل النسوي فإن الغياب هو صفتهن وانه غير مدروس في الثقافة العربية المعاصرة.والكاتبة تدرس المضمر في الترسل النسوي باساليب النقد الحديث واللسانيات استعانة مدروسة لتجري تآلفا تقنيا،وسعت الكاتبة الى تجنب التبعية للغير، موروثا او حديثا،باستحداث منهجية قادرة على قراءة حثيات المضمر في الترسل النسوي الحديث.
حيث جاء الفصل الاول: مهادات نظرية ارادات ان تؤكد الكاتبة على فكرة تحري الابعاد المهملة في الكتابة النسوية، وتقصي المضمر القابع في الظل بصفته نافذة على الكوابح، والمحرمات التي حتمت طرائق الاضمار والمكايدة،وتتابع الكاتبة قولها بان المضمر النسوي يزاول لعبة مزدوجة، فهو المتصالح مع الكلام العامي، والشاذ احيانا،وهو الخارجي الذي يرمي بسهامه، ايضا في حين اخر المتسلل بهدوء داخل المدونة الذكورية بتكوينها الممتد عبر الاجيال،والمضمر النسوي كما تقول: ليس فريدا داخل احتدامات الاستخدام اللغوي بمتونه وصفاته المذكورة، في في الحاضر اللساني، الاوسع المقرون بالمدونة الذكورية؟فالمضمر يغرف من المتراكم اللساني، والدلالي ليضفي بعدا اخر على منتجيه من المتفيقيهين، الرجال الذين سعوا ..الى ابتكار اسليب ومفردات زمصطلحات واستخدامات تعزز حضورهم سدنة لفقة اللغة،وتتابع الكاتبة تحريها للمضمر فتقول:ان"ما نعده خطابا مهمشا، يمكن انة يسترد عافيته تدريجيا ويتنامى، من خلال حركة الاهتمامات الصغرى \اخل المدونة من هموم وغرائز وشجون.
لذلك تتناول المضمر النسوي من اكثر من زاوية، وخصوصا ان حاضنه الغالب هو حاضن غياب، ازاء حضور طاغ لما هو موروث،لذا ينحصر حضور المرأة في فضاءات صغرى كالبيوت والمجالس النسوية وبعض المؤسسات المعرفية.وتطور الامر الى ظهور الصالون بصفته الحديثة والمقترن بظهور المجلات ،فالصحافة من جانب وصالون الثلاثاء، والذي يديره مي زيادة كانا رافديم مهمين لحركة الكتابة النسوية.وفي معنى المضمر وتمثلاته، و تقول
الكاتبة ان المضمر "هو كل خروج عن المعنى الحرفي، نحو غيره مما يِشتق منه،،من هنا كان للمضمر وجوه بلاغية متعددة منها الاستعارة، وهي تحتم الابتعاد عن المعنى الحرفي نحو دلالة اخرى ومحمولات يحتنل تقاطعها مع المعنى الحرفي.وتكثر بين الكاتبات المناقلة بين "الاستعارة بالكناية "و"التورية" جاء في رسالة مي زيادة الى باحثة البادية المنشورة سنة 1913، والتي يضيع فيها القارئ، داخل تقاطعات التبليغ والاستعارة
ومن انواعه الجناس التام فقد يتعمد المضمر تغيير حركات الاعراب ومثل ذلك تلاعب مي زيادة بالجناس التام عند استخدامها مفردتي"ملك" بفتح الميم و"ملك" بضم الميم. مشيرة الى غرور الرجل بسطوته.ومن المضمر ايضا الاغارة على التراث المتداول منه الذي يشكل حاضنا او تشفيرا مشتركا.وتبرع باحثة البادية في استخدام الموروث فترد على رسالة مي زيادة المنشورة سنة 1902...فتقول:"الا مي ايتها السيدة شديدة ولكنني انقلها بتؤدة كأني اجر احمال الحديد."
وترى الكاتبة بثينة خالدي ان هناك ايضا،نوعا اخر من المضمر يتمثل في التساؤل البلاغي والذي ان يجلور ما هو بديهي،لان الايغال فيه، يفضي الى فائض تأويلي؟ وهذا في عرف البلاغيين العرب اقرب الى استفهام الاستنكار،واما التساؤل اللبلاغي بد\ون ايغال فهو اقرب الى ما يسميه العرب استفهام الايناس،وتسوق الكاتبة مثالا على عالتساؤل ما كتبته مي زيادة في ايضاح ما يصادف العاملات في الصحافة،...متساءلة:" قد تقولين اني لا ارى من الامور سوى الوجه القاتم- ولكن الاتظنين ان الذي يجبن دون التحديق في الظلام لا يستحق ان يلمس النور اجفانه".وتعتبر الكاتبة "الحذف" من اساليب الاضمار،لانه ينطوي على اضمار واخفاء يراد منهما التعمية، او تمكرير شيءما.لكن ما يهم الكاتبة في الدراسة هو "المحذوف ايهاما"وهو ما يستدل عليه عقلا:وتقدم الكاتبة مثالا على ذلك تساؤل مي زيادة في ردها على سعد زغلول فتقول:"لم يخاطبني بالفرنسية؟"، وتتابع زيادة:" لماذا يهينني بهذا الافتراض." ولكن المضمر النسوي يمكن ان يدفع بالحذف الى منتهاه.ومثالنا على ذلك ما فعلته ديزي الامير 1935 برسائل الشاعر اللبناني خليل حاوي(ت1982) فالرسائل المعنونة رسائل الحب والحياة ظهرت بلا جامع اي انها رسائل غفلن لاكما كان ينبغي ان تظهر إذ حذفت الكاتبة اسمها فبقيت بلا مُرسل.
ولربما يتساءل المرء لم هذا الحذف؟،يرى دارسو المُضمر أن اللياقة،أو الرقابة والتحريم، في مجتمع معين يدفع الى هذا التستر.ومن المضمر ايضا الخطاب الاشاري:وهو الذي يحمل صفة الاضمار الملغوم،فقد استفاض البلاغيون العرب في"الاشارة" بمعنى الايماء.وتوسعوا في ان" يكون اللفظ القليل مشتملا على معان كثيرة".فإن الفعل الاشاري يأتي محملا هو الآخر بالمعاني.ففيه تلويح،وايماء،وتعريض،وكناية،وتمثيل،ولمحة،ولغز،وتوري ة،وحذف.وتُدخل الكاتبة بثينة خالدي البنى والتراكيب في المضمر، لانها تنطوي بلاغة المضمر على مجموعة من المحسنات.التي لاتبدو بوضوح الاستعارات والجناسات والطباقات مثلا،لكنها تستمد قوتها من التراكيب؛فالمفردة هنا تخرج عن مدلولها الدارج لتستقبل دلالة مستجدة لا معنى لها خارج التركيب.ومثال ذلك"تساؤل هدى شعراوي:"الم يكن لنا دورنا في الوقوف جنبا الى جنب مع الرجل في هذا الصراع؟" فالسؤال ينطوي على اجابة لا بد منها:"بلا".وتضع الكاتبة ايضا(الاسراف) في معنى المضمر وتمثلاته ،فالاسراف كان المحدثون يستنكرونه كضرب من الاسفاف المزعج.واختارت الكاتبة الرسائل الزينبية للبحث عن فائض المعنى"الاسراف في المعنى".اذ ان هناك ضرب من الغلو وراء اسلوب التهكم عند زينب فواز. فهي لاتريد ان تشكف النقاب عن الخطاب الذكوري،الذي ادركته زميلاتها فحسب،بل عن الخطاب النسوي الذي تفترضه وتشتبك معه.وتنتقل الكاتبة الى الالماح،اي اختلاس النظر او الاماءة الدالة او بالاختصار والاطناب عن فهم.وتورد مثالا على ذلك رسالة مي زيادة الى طه حسين بتاريخ 24 نومفبر 1934،التي تهنئه باسترداد مكانته في جامعة القاهرة بعد فصله منها،فتعلق قائلة:"ولا غرابة ،فانت عميد بحق،(عميد التفاونات)"هذه الدعابة البريئة محملة بالمضمر ،فطه حسين مشهور ،ولهذا يكثر الاتصال به،وتضع التخفي وهووجه من وجوه التورية وهو يتناول القريب قصد بلوغ البعيد،ويدعى الاضمار قصد الذيوع.والتهكم ايضا ضرب من الاضمار،وهو واسع لان فيه انتقاص محتمل وعتاب لاذع، بل هو موغل في البلاغة ولهذا يعرف عبد الغني النابلسي:" هو الاستهزاء والسخرية بالمتكبرين في مخاطبتهم،بلفظ الاجلال بموضع التحقير والبشارة في موضع التحذير والوعد في موضع الوعيد"
لقد كانت الرائدات على وعي بلجوء المحافظين داخل الخطاب الذكوري السائد إلى الفرع والاصل،اي الى ثانوية المرأة.وحتى عندما ينتمي البعض الى المنبر اللبرالي،يقع دون وعي تحت سلطة الخطاب السائد القائم على نظرية الاصل والفرع.وتضع المواربة في المضمروهي تعني التلطيف والمدارة والمسايرة بقصد الايهام ومن ثم ايراد ما يبتغيه الكاتب.والدربة التداولية التخاطبية،او ما يصطلح عليه البلاغيون العرب على تسميته بالكفاءة التداولية التوصيلية هي مضمر لانها تتوجه الى المخاطب من خلال استهداف ميوله وغاياته واولوياته.واما "صدى الغياب"فيخذ المضمر صفة اوسع.فهو يقف عند نشر (رسالة اخيرة لم ترسل)كتلك التي تصدرت مجموعة رسائل خليل حاوي الى طالبته نازلي حمادة او الرسائل التي كتبتهن معجبات وتلميذات وحبيبات الى كتاب راحلين.وتضع الكاتبة الحبس والمحبوس في المضمر.وذلك لان الحبس هو المضمر داخل المضمر،ومثال ذلك رسالة لطيفة الزيات الى السجينات"(ت1996)وتشير الكاتبة الى "مضمر القراءة البديلة" فهو يتصدر مجموعة من الرسائل التي عكفت الكاتبة على جمعها وتقديمها للقراء على انها رسائل الحبيب الغائب.وتبرز بين هذه الرسائل رسائل غسان كنفاني(ت 1972) الى غادة السمان،فالمضمر هنا ليسالرسائل الغائبة بل هو التوطئة التي كتبتها غادة السمان كمضمر للقراءة البديلة لانها تسلب القارئ حقه في المراجعة والتحليل والاجتهاد.وتضع "الرسالة الجامعة" في المضمر وتمثلاته،وتمثل هذه الرسالة في خطاب الكاتبة المصرية نبوية موسى(ت. 1951) الى المستشار البريطاني في وزارة المعارف ايام الاحتلال البريطاني.
وتسوق الكاتبة خالدي مثالا لنبيوية موسى،والتي استعملت اسلوب التركيب والتبليغ والكناية والتعريض و"المراجعة"،فاالمراجعةهي :"ان يحكي المتكلم ما جرى بينه وبين الغير، من سؤال وجواب بأوجز عبارة،".وهي لهذا توجز من خلال توطين المضمرفي "غرفة نومها" التي تؤول مجازا الى المضمر برمته بما يعنيه من مكبوت ومكبوح ومغلق,هذا المضمر الحبيس هو صرخة السجين ولوعة الشاكي وثورة المقموع.وتختم بثينة خالدي هذا الفصل بقولها:فإذا ما عرفنا ان المضمر النسوي التفاف على المنع والقمع والكبت والتحريم واستضافة اسلوبية ذكيةولماحة ورامزة لكل ما يتيح التوصيل،وبالتالي حضور المدونة النسوية،نرى ان الثورة التي مثلها الحسم المذكور رسالة نبوية موسى الى السلطة النافذة بمثابة تفجير للمضمر وهدم لاركان القمع والتهميش.
والفصل الثاني: يتناول هذا الفصل فعالية المضمر بصفته خطابا تتعدد استخداماته بين الناس.وتستند هذه العالية الى الدور المسند اليه. وليس المضمر استخداما ثابتا لأن الطاقة التأويلية بين المُرسِل والمُرسَل اليه متغيرة حسب الازمان والاحوال.فالمتغير الحضري والصراع الدائر بين اللغات والمتغير الزمنى كلها عوامل تؤثر على فعالية المضمر.قد لاتتميز به اخرى....لاعتبارات تنشئ اسلوبا معينا وتنشده ايضا.وقد تسلل اسلوب الفاضل عبد الرحيم البيساني(ت.596هجرية) الى الترسل النسوي جزئيا لاسيما في رسائل وردة اليازجي الى وردة الترك(ت.1873) وعائشة التيمورية.وتناولت الكاتبة أمر "التداولية" و"الفعالية" المضمرة تحت ثلاث ابواب:
1- النظام المعجمي وهو يتعدى الملفوظات ليشتغل بالتراكيب داخل الرسالة
2- فائض المعنى ، والكفاءة التأويلية لدى المتلقى.
3-الكوابح والمحرمات:فحضور هذه الكوابح والمحرمات في الذهن لاسباب مختلفة هو الذي يفرض نظمها المعجمية.
النظام المعجمي
تقول الكاتبة ان المُرسِل سواء أكان فردا أم جماعة،والمرسَل اليه يغرفان من معين شاركت في صنعه الاسرة والتعليم والحركة الاجتماعية او السياسية وطبيعة المرحلة وزمنيتها.وكما ان للمرسل قصد،فإن المرسل اليه،قارئ الرسالة،له سبيله وغاياته في فك رموز المضمر في الرسالة. حيث تناولت الكاتبة النظام المعجمي في رسالتي هدى شعرواي الى سعد زغلول نموذجا ونوال السعداوي الى حسني مبارك نموجا، وتناولت فائض المعنى في رسالة نبوية موسى الى دوغلاس دانلوب نموذجا ورسالة زينب فواز الى حسين افندي فوزي نموذجا، وكذلك الكوابح والمحرمات في رسالتي زينب فواز الى هنا كوراني نموذجا، وجوليا طعمة دمشقية الى الى ابن بلادي نموذجا.
فائض المعنى
وترى الكاتبة ان فائض المعنى ليس ضربا من الزيادة.اذا ما صيغ باتقان فإنه يحقق غايات متباينة،حسب طبيعة المواقف والاعتبارات ومكانة الشخوص المعنيين. وتشير الكاتبة الى
رسالة نبوية موسى مستشار وزارة المعارف البريطاني.. تتقصدهذا الفيض الكلامي لتوضح له درايتها بسطوته وسلطته غير المحدودتين.وتطلبنا بثينة خالدي ان نتامل مثالا آخر من هذا الفائض وتبعاته التأويلية لزينب فواز في حوارها المحتدم مع مؤلف(السراج الوهاج عن ذكر العوائد وحقوق الزواج)حسين افندي فوزي المكنى بأبي المحاسن.وياتي تلاحق زينب فواز في جريدة(فرصة الاوقات)بمثابة اسراف في المعنى.وتعتبره زينب حتميا.ولهذا ترى خالدي ان الحجاج الذي تلجأ اليه زينب فواز يستقصي مقولات المتلقي وافتراضاته،بما يعني تكرارها،لكن التكرار تستوجبه حالة استنطاقه واعادة كلامه عليه بما ينفيه ويرده،
الكوابح والمحرمات
تقول خالدي:"ان فعالية الكابح في تعزيز المضمر لا تقتصر على تحديد مالا فيه من اخفاء،بل تتعدى ذلك الى ما يستوجبه الموقف من انظمة موسوعية ولسانية بديلةمثال ذلك رسالة زينب فواز الموسومة(حقيقة انصاف الحق) والمنشورة في جريدة(النيل) الى هنا كوراني ردا على مقالتها (الانصاف)...ولا يخلو الحجاج بين الطرفين من الاسراف الذي جرت الاشارة اليه.وفعل الكوابح والمحرمات يظهر داخل"جبهة الاخوانية" في كتابات مطلع القرن العشرين،لا سيما في الموضوعات التي تدرج في مطالبة المرأة بالمساواة.وتصل الكاتبة بثينة خالدي الى نتيجة حول فعالية المضمر فتقول:، " انها تظهر اكثر عند الكشف عن الكوابح غير المنظورة او المتداولة وهتك سترها تباعا وتبيان تبعاتها في الحياة العامة.انها طاقة المقموع الآخر،أي ذلك الذي تسببت في تهميشه مجموعة من العوامل التي جرى التطرق اليها في هذا الفصل.وفعالية المضمر لهذا السبب هي خروج عن الفرضيات المألوفة بشأن الاسراف وفائض ىالمعنى."وذلك لأن"الرسالة بشقيها الشخصي والعام أوالمعلن يحتدم فيها صراع المفوظ داخل النص الواحد الذي لا يعدو أن يكون صورة أخرى من اجتماع الاضداد او الخطابات المتنافرة التي تبحث عن "ثيمات" ومنطلقات ومرابع لها، لتتوالد في شكل اهتمامات واتجاهات واهواء وحركات وافكار تشكل المتن الموضوعاتي للفصل الثالث".
وأما الفصل الثالث: فيتناول جدلية الحضور والغياب في الترسل النسوي،حيث يشكل العامل الاجتماعي السبب الاشد جورا في غياب النص النسوي في أغلب الثقافات.وفي ثقافتنا بشكل خاص.وذلك لانها محملة بمتطلبات اجتماعية تدفع بها خارج المتن الكتابي,واذا ما تداولها جمهور هنا او هناك مشافهة فإن أساسها المكتوب هو المخفي الذي تسترجعه الكاتبات من الكتاب الرجال،اي هو النص الغائب،ذلك الذي يقوم الرجال باتلافه بناء على طلب من المرأة قد يصل الى درجة الاسترحام، والسبب الاول والاخير في هذا الاقصاء هو الضغط الاجتماعي،فالمجتمع يرفض ظهور المرأة بهواجسها وهمومها، وعواطفها وشجونها.ترى بثينة خالدي انه"كلما سعت المرأة الكاتبة الى الانتماء اجتماعيا من داخل مؤسسات الزواج والاسرة اشتد هذا الضاغط عتوا وبات عاملا اساسيا في تحديد اتجاهات الكتابة وتوجهاتها.ثمة رقيب داخلي يبتدئ رحلة الاقصاء حتى قبيل الشروع في الكتابة.ولهذا"تكون العبارات المقصية طاقة فاعلة، داخل النص المكتوب.وهكذا يعاني الترسل النسوي سلسلة من الاقصاءات تحيله على هامش النص المكتوب،وثال ذلك رسائل فدوى طوقان الى الكاتب المصري انور المعداويحسث يقول عن هذه الرسائل رجاء النقاشوعن فدوى طوقان،إنها"اعتصمت بعالمها الداخلي ومشاعرها الخاصة واقامت بينها وبين الحياة الخارجية نوعا من العزلة الشفافة التي كانت مع ذلك قوية وغير قابلة للكسر"وتقول بثينة خالدي انه:"من خلال الرسائل المنشورة يقودنا الى المثقف العام،ذلك الذي يتوخى توعية المجتمع،والنهوض به من خلال الفعل والتنظيم والكتابة؟وتتساءل خالدي عن" المثقف العام من هو؟ وكيف نجده في عالم النساء إن المدهش في الامر هو ظهوره كطرف غائب جسدا لكنه حاضر من خلال المقموعات من الكاتبات والشاعرات.وهكذا يطل علينا مترسلا،يكتب كما يشاء، وقد احتفظت له المرأة الشريكة برسائله عارفة ان رسائلها اليه تنتهي الى الفقدان المقصود، حسب طلب منها أو دراية منه بمشقة ذلك عليها حال ظهورها منشورة، اليوم ولربما غدا."وقبل ان تحدد الكاتبة انواع الترسل النسوي ارتأت ان تشير الى"مغزى ظهور الرسالة،لا سيما الرسالة النسوية.تفيد الدراسات المختلفة في الحضارات ان صاحبات الجاه والقوة غالبا مايكتبن بلاغتهن في شكل رسائليراد لها ان تقرأ بصوت مسموع.هكذا تفيد بعض الالواح(الارقام) الطينية أو الحجرية في الاناضول واشور وسومر.وحتى عندما تندحر ملكة الحضارة السومرية في مرحلة ما امام غزو عات يرمز له عادة بالعاصفة او الريح،تحكي لنا هذه الارقام حوارا مكتوبا عليها في صيغة رسالة والرسالة في هذه الحالة يراد لها ان تتجاوز المرسل والمرسل اليه الى المجتمع بصفتها بلاغا عاما.
ومع تعقد المجتمعات وتداخل الحضاراتتتعدى المخاطبات والاقاصيص...وتكثر الرقاع والمراسلات بين المستظرفين والمستظرفات من الشعراء والكتاب.ويزخر كتاب الاغاني...بمثل هذه الطرف والنوادر ونماذج الترسل ما بين الرقعة والرسالةالواضحة او المشفرةcoded واللعوب والطروب.والرسالة المشفرة تتقصد تجاوز المستطلع والمتجسس او من يقع عليها مصادفة.." ويقع الترسل النسوي في انماط كتابية او شفاهية قد لا تختلف عن تلك المتداولة بين الرجال.فهناك:
1- الرقعة: تكون قصيرة ومحبوكة،
2- الرسالة القصيدة:وهي كثيرة التداول في العصرين الاموي والعباسي
3 - الترسل الضمني.. ويقع في المذكرات،والرويات ،فيرد بشكل تبليغ خاص وضع في اطار عام.
4- باب الرسائل النقدية، وترد في العصر الحديث تحت ابواب مختلفة ،منها باب"رسائل القراء" في مجلة (المحروسة)للاديبة مي زيادة.وباب منبر النقد في مجلة الاداب البيروتية للشاعرة نازك الملائكة.
5- الرسالة الصماء:وهي الرسالة من المرسل والمرسل اليه وطرف ثالث،قد يكون الجمهور في الرسالة المنشورة،فإن ظهور ما يشبه الرسالة منشورة بعد رحيل المرسل اليه، يجعلها تبدو منقوصة او صماء،فمن لا يألف ما وراء الرسالة النذكورة يعجز عن قراءة طلاسمها وتفكيك شفرتها.
6- الرسالة النثرية:فالتثر يستوعب هموم المرأة الكاتبة وهواجسها واحلامها ومشكلاتها،فيها مجال البوح والاعتراف والاستطراد وكذلك الايجاز عند الضرورة. وتفسر الكاتبة بعد هذا الاستعراض اسباب ذلك فتقول" ولهذا تظهر النساء الكاتبات قوامات على الغائب،حريصات على شهرته وسمعته،مطمئنات الى لزوم حضوره كاتبا وحبيبا غائبا كجزء من رصيدهن المتنامي في ما يسميه الرأسمال الرمزي؛فهذا الرصيد يتزايد ولا ينقص،ومعه مكانة المرأة الكاتبة التي ظهرت ايضا في دور الام الحنون المتفانية في صون سمعة الكاتب الغائب.وما كان يبدو "تيها" و"أنانية" محمل بالمرموزات، غني بالتفاني وحب الاخر.
واما في الفصل الرابع: للترسل ابوابه...لكن الترسل بصفته نوعا من انواع النثر المرموقة واكثرها تداولا يكتسب اهمية مضاعفة؛قالمرأة الكاتبة تشعر بضرورة ممارسة هذا الفن لأن المراسلة تتيح لها الانفتاح على الآخر جدلاوحوارا واخذا وردا واستبيانا وتطلعا. وتأخذ الرسالة من الاجناس الادبية الأخرىكالرواية والقبصة والخبر الحوار والخطاب والتشخيص والبوح والاعتراف وتقصي الخبر والسرد ومن الشعر نفحته وعاطفته ورقته وخفة روحه.برعت في الرسالة بعض الكاتبات مثل مي زيادة فاشاد المفكر يعقوب صروف باسلوب رسائلها"
عالجت الكاتبة، " الاخواتية في الترسل" و"انطوائية المترسلة"،و"خاص الخاص او الترسل الانوثي" "والعام في ترسل المرأة" واخيرا بحثت"ما بين المريد والاستاذ".ومن الجدير بالذكروضم الكتاب الملاحق والمصار والمراجع والفهارس.
وتعقينا على الكتاب هو ان الكاتبة بذلت جهدا كبيرا في الاطلاع وجهدا مضاعفا في ضبط الكتاب في هذه الفصول الاربعة لتضع بين يدي القارئ الترسل النسوي واساليب الاضمار لنترحل في صفحاته بقصد المتعة والاكتشاف لعوامل الاضمار النسوي، و تمكنها من البوح والاجهار من خلال الاضمار.لان هناك مصدات التابو الدينية والاجتماعية والثقافة الذكورية السائدة، فجميعها تحالفت ضد البوح والكشف النسوي فتحايلت المرأة على هذا الواقع فيما اسميه البوح بالاضمار. وقد وفرت اللغة العربية اساليب متنوعة لممارسة هذا الاضمار في الترسل النسوي.. وقد تعرفنا على اساليب متنوعة.كنا قد مررنا عليها مرور السحاب في الدراسة الجامعية؛ إذ لم نتوقف مطولا عندها،وبعد القراءة لهذا الكتاب الجاد، والاثير نجد انفسنا امام مادة علمية جاهزة، وهي درسة فكر اللغة العربية والابحار في فكر اساليب اللغة العربية التي تحمل معاني الاضمار،للاجابة عن سؤال، لماذا توسع العرب في الاضمار ؟وهل التوسع في أساليب الاضمار كان السبب في التوسع والتنوع في هذه الاساليب.وقد يشف الدارس عن اسرار اخرى.