كتب مصطفى بونيف
مبـــروك جاء لك صفر !
صرخت وصوتي وصل إلى آخر الشارع ( ماما ، بابا لقد نجحت ، لقد نجحت )..فأنطلقت من بيتنا الزغاريد ..كأنني عريس في ليلة دخلته !
ووفيت بنذري الذي أطلقته أثناء المذاكرة في الثانوية العامة ( نذر عليا أذبح أرنب وأفرق لحمه على كل الحارة! )...
أما والدتي ..فكانت تقول ( ابني الدكتور ، ابني الدكتور ) ، لأنها كانت تعتقد بسذاجتها بأن نجاحي في الثانوية العامة معناه أنني أصبحت طبيبا وبإمكاني أن أفتتح عيادة ...وفي الحقيقة مجموعي الذي تحصلت عليه لا يؤهلني حتى أصبح ( مطاهرا ) يختن الأولاد في ليلة ال27 من رمضان !!.
معها حق والدتي ..فمسيرة دراسة أكثر من 14 سنة ، ليست مسيرة بسيطة !
وجاءت الورقة السوداء ..ورقة الرغبات الجامعية ...وأقسم والدي يمين طلاق بالثلاثة أن أدخل كلية الحقوق ، وإلا سيكنس علي مساجد البلد ، ويغضب طوال العمر .
ودخلت كلية الحقوق بعد أن عصرت على نفسي ليمونا حامضا !
وكانت المحاضرة الأولى التي دخلتها في حياتي ، عن كيفية (البصبصة للبنات ، والتسبيل ، والغزل بنوعيه ) ..لأن الأستاذ المحاضر دخل ساخنا بعد عطلة صيف ساخنة ...( أهلا يا حلوة !) ، ( تسريحة شعرك جميلة !) ، ولم ينه محاضرته حتى تجمعت حوله الطالبات ..تماما كالذباب حول ( شيئ ما) !!.
كان الأساتذة الجامعيون يشبهون فتيان وفتيات الإعلانات ..
( اشتروا كتابي في المقرر ، كتابي هو مصدر النجاح ، والاسئلة ستكون من مقدمته ) !
وآخر رفع لنا السيف في المحاضرة تماما كأبي جهل عندما رفعه في وسط كفار قريش ( سأذبح كل من يصبأ ولا يشتري كتابي ، ولا يقتني ملخصاتي ) !
ولا تنتهي السنة الدراسة حتى أتسبب في حالة إفلاس في البيت ..( رفعت ضغط وسكرالوالد الكريم )...حتى أنه انفجر ذات مرة كنت أتصل به فيها ليحول لي مبلغا لشراء سلسلة من كتب المقرر ( شوف يا موس إذا كنت تصرف على صديقاتك في الجامعة بيتزا وهامبرجر بلاش ، مشيها سندوتشات فلفل أحمر حار !) ..
أما في فترة الامتحانات ..( أجاركم الله ) ...
دخل علينا أحد كبار المحاضرين في مجال ( التحرش )..وزمجر في القاعة حتى اهتزت أركانها ( سؤال اليوم..!) وقبل أن ينهي كلامه همست في أذن زميلي ساخرا ..( هه سؤال اليوم ، هل نحن في مسابقة ؟ ، شوية وسيقول لنا اتصلوا ب زيرو 900 ..)
واصل الأستاذ ( لا يعرف إجابته إلا الله وأنا ..) فواصلت هامسا ( و سوسو صاحبة الجيبة الحمراء ..) .
لطمت إحدى الزميلات المغلوبات على أمرهن على خدها ..فقلت لها ساخرا ( مالبستهاش حمرا ليه ؟ ، جاية بفستان أسود ، وخمار أسود في يوم أسود ، كانت سنة سوداء عليك وعلينا ، هل أنت قادمة إلى جنازة وتشبعي فيها لطم ؟ ) .
طرح السؤال الأستاذ الذي كان مفعوله علينا كقنبلتي هيروشيما وناكازاكي !.
السؤال يقول في مادة القانون الدولي ( ما هو حل القضية الفلسطينية ؟) ..
انفجرت ضاحكا ( الجيبة الحمراء ..هي الحل )..
اشمأز الأستاذ في وجهي وكش قائلا ( ماذا ؟) ، قلت له مرتبكا ( العين الحمراء ، أقصد أن العرب يجب أن يوروا إسرائيل وأمريكا العين الحمراء حتى تحل القضية الفلسطينية ..) ، ولطمت على طريقة صاحبتنا صاحبة الجبة السوداء ..!
التفت إلي صديقي ( نادي حمزة) قائلا " خافير سولانا قال أن القضية الفلسطينية ليس لها حل ! "
فقلت له هامسا " خافير سولانا هذا الذي يلعب مع فريق ريال مدريد ؟"
ضحك وقال لي " لا يلعب مع كوفي أنان " ..
لست أدري كلما ذكر أمامي اسم ( كوفي أنان ) أشعر بكرشة نفس ، و حالة غثيان..وكنت سأبهدل المدرج لولا أن الله ستر ! .
- يا نهار أسود ، هل مقرر علينا (كوفي أنان) في القانون الدولي ؟
ثم إذا خافير سولانا قال أنها لن تحل ، والجماعة المطربون العرب غنوا
ده حلمنا طول عمرنا ...حلم يضمنا كلنا كلنا !
سنحلها نحن شباب دوت كوم ، والأستاذ عاشق اللون الأحمر !؟.
بينما كان زميلي الآخر يغوص في نظرات هيام وحب مع صديقته ..
نظرت إليه مبستما بعد ان قطعت عليه الفيلم العاطفي الذي يعيشه
" وأنت يا عبد الحليم حافظ ، ألا تعرف ما هو حل اقضية الفلسطينية ، أم أن طريقك مسدود مسدود مسدود ؟" .
فأجابني - والحب يلوح من عينيه - " وستعرف بعد رحيل العمر ، بأنك كنت تطارد خيط دخان آه آه آه !" . وهو يدنو بوجهه مني ، فصرخت في وجهه " مابك يا ولدي ، هل تريد أن تبوسني في وسط المدرج ؟ ، خلي بالك أنا عندي أهلي يقطعوك ..هل الشرف لعبة عندكم ؟ " ..
نظرت إلى صاحبي الآخر ..وهو من أولئك الشباب المتدين ، الذي يطلق لحيته ، ولا تغادر المسحبة يده ...كان كالعادة يمسك المسبحة وشفتاه تتحركان كأنه موصول بسلك كهربائي ..
( يا سيدنا الشيخ ، بركاتك ، هل تعرف حلا للقضية الفلسطينية ؟ ) ..
فهب منتفضا في وجهي ( من غشنا فليس منا ) وكررها 17 مرة ، وكاد أن يهدر دمي ، لولا أن أولاد الحلال تدخلوا ...!
من أسال يارب ؟
حملت ورقتي وذهبت إلى ناحية اليسار ، حيث كان يجلس صاحبي مسعود الخراط ، بعد أن ضرب سيجارتين حشيش ...سقط مغشيا عليه على طاولته ..
- مسعود ، استيقظ !
استيقظ مسعود وعيناه زائغتان .
- نعم من بالباب ؟
- أنا صديقك الأنتيخ ( موس) !
- نعم يا موس أي داهية رمتك علينا في هذه الساعة ، تطرقون الباب في كل وقت دون مراعاة للظروف يا أخي ، ربما أنا مع زوجتي ، ربما انا في الحمام ..؟
- هل لديك حلا للقضية الفلسطينية ؟
فأجابني بقرف ..( لا معندناش ، لا حل للقضية الفلسطينية ولا بصل ولا كوب رز ) ..ثم أقفل الباب في وجهي ..وواصل إغماءه !
رجعت إلى مكاني وأنا ألعن سنسفيل اليوم الذي دخلت فيه هذه الكلية .
ولم أجد أمامي إلا صاحبة الجيبة الحمراء .
- ما هو حل القضية الفلسطينية ؟
والحق أقول الفتاة كانت متعاونة جدا معي ...وحلفتني بكل الغالين أن لا أقول الجواب لأحد ...وأنا ملتزم بحلفاني ..
وعندنا علقوا النتائج ..جاءني صديقي حمزة والبشر يلوح من عينيه ...كأنه يبشرني بمولود جديد ( مبروك ..جالك صفر ) .
مصطفى بونيف