لماذا التراث من الضروريات لنهضتنا
-----
---------------------------------------------------------
يقول المستشرق الإيطالي – غويدي -:
«لا ريب عندي أن الجنس العربي
سيلعب مرة أخرى دوراً خطيراً في تاريخ الشرق والحضارة»
===============================
يقول: رئيس قسم الرياضيات بجامعة عربية--------------:
عندما كنت طالباً في إحدى جامعات أمريكا، وكنت وحدي الطالب العربي بين زملائي، وإذا بالمحاضر وهو أمريكي يتحدث عن نظريات الأعداد المتحابة، ثم توقف عند إحدى النظريات وكتب اسم صاحبها، ثم نطق باسمه الأول وعجز عن إكماله فصححت له ذلك، لقد كانت إحدى نظريات العالم العربي – ثابت بن قرة – يقول الطالب بعد أن نطقت باسمه بدأ يخبرني عن ثابت وإنجازاته في القرن الثالث الهجري وكأنه يعرفه شخصياً، وأنا العربي لا أعرف عنه شيئاً.
إنه ثابت بن قرة الذي أبدع في مجالات كثيرة وهي المنطق والفلسفة والموسيقى والطب والصيدلة والفلك والرياضيات.
قال عنه د. كارل فينك في كتابه تاريخ الرياضيات: أن ثابت بن قرة أعظم عالم عربي في علم الهندسة، دلت براهينه على عبقريته لما فيها من العمق وخصب القريحة.
ويقول عنه البروفسور – فلورين كاجوري-: إن ثابت بن قرة لم يترك شيئاً من مؤلفات اقليدس إلا وترجمها، وأضاف إليها معلومات جديدة.
لاشك أن التراث العلمي لأي أمة إنما هو أثمن ما تخلفه هذه الأمة لأجيالها، حيث تتمثل فيه حضارتها وأصالتها، ومن خلاله تتبوأ مكانتها بين الأمم.
وما أشد الشبه بين هذا التراث وبين جذور الشجرة الضاربة في أعماق الأرض، فكما أن الشجرة لا يمكن لها الثبات والاستقرار ولا النماء والإثمار ما لم تكن ذات جذور ضاربة في أعماق التربة، كذلك فإنه لا يتصور لأي أمة أن يكتب لها الثبات والاستقرار، ولا التقدم والازدهار، ما لم تكن ذات تراث علمي خالد تجعله نقطة الانطلاق في بناء حضارتها وتقدمها العلمي.
هذا وإن الأمة العربية لها من التراث العلمي ما يمثل عبقريتها ويبرز أصالتها، ويجعلها في مقدمة ركب الحضارة والمدنية، على أن دراستنا لهذا التراث العلمي ليس لمجرد التشبث بالماضي ليعيش فينا، أو نعيش فيه كما هو، وإنما هي ضرب من البحث عن النفس، والتعرف إليها واستخلاص عناصر الأصالة المتجددة، والنمو المتطور الذي هو اتصال بين الماضي والحاضر وامتداد إلى المستقبل.
والإجماع منعقد بين دارسي النهضات، على أن بذور المستقبل لا تنفصل عن تراث الماضي، وإن النظرة إلى الوراء إنما هي شرط لتصويب النظرة إلى الأمام وإن في الحياة العربية الماضية من الحوافز والتجارب والمبادرات والإبداعات، ما لا يمكن أن تستغني عنه في تطلعها نحو الآتي.
فلا عجب إذن أن يشغل هذا التراث أذهان المعاصرين، وأن يلتفتوا إليه بالعين الفاحصة، وأن يقيموا بينها وبين حركة المعاصرة هذه الجسور التي تمر من فوقها الأجيال القادمة في طريقها إلى بناء المستقبل.
لقد رأى المحبون لهذا التراث بداية التعرف إلى الذات قاعدة للانطلاق بها إلى الإسهام في الحياة الحضارية المعاصرة وأنهم لن يجدوا دوافعهم المحركة إلى ذلك إلا إذا استمدوا من تراثهم ما يؤكد عندهم قدرتهم، ويضع أمام أعينهم تجاربهم السابقة.
فتراثنا العلمي ليس عملاً تاريخياً ماضياً، بقدر ما هو عمل حياتي مستقبلي، ولا يمكن أن يبقى أمره في حدود الوفاء النظري له، والإشادة العاطفية به، وإنما هو كذلك أو قبل ذلك في الإفادة منه، إنه نوع من الإعداد، ولون من كسب الثقة بالنفس، والثقة بالنفس أشدّ ما تحتاج إليه الشعوب في هذا التفجر الحضاري المتسارع.
من مقدمة محاضرة بعنوان فضل الحضارة العربية – ألقيتها
منذ سنوات في أحد المراكز الثقافية بدمشق -