الإعلام الفلسطيني والانقسام الداخلي
محمد اسحق الريفي
كشفت المبادرة الإعلامية الصادرة عن رئيس المكتب الإعلامي في الحكومة الفلسطينية التي تتولاها حركة حماس، الدكتور حسن أبو حشيش، عن القمع والتقييد الذي تتعرض له حرية الرأي والتعبير والمؤسسات الإعلامية في الضفة وغزة، وعن الدور الخطير للإعلام في تأجيج الصراع أو تخفيفه، فما هو الدور المطلوب من الإعلام الفلسطيني في خضم الصراع مع العدو الصهيوني والنزاع المحتدم بين نهج المقاومة ونهج التسوية؟
مما لا شك فيه أن الإعلام الفلسطيني قد انجرف عن مساره المتوخى منه في دعم قضية فلسطين على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية إلى دوامة المناكفة السياسية، وأصبح يقدم للمواطن الفلسطينية مادة ديماغوجية مغذية للانقسام ومكرسة لثقافته، وانشغل بإعلاء شأن الموقف الحزبي السياسي عن تكريس ثقافة المواطَنة الصالحة والسلم المجتمعي، وخضع تماماً لحسابات سياسية، ما انعكس سلباً على حرية الرأي والتعبير ووسائل الإعلام، قاطعاً بذلك كل الطرق المؤدية إلى الحوار الموضوعي الذي نأمل منه أن يساهم في تخفيف التوتر الحزبي وإعطاء المواطن فرصة للتفكير المنطقي والعقلاني، بعيداً عن ضغط التوتر الناجم عن النزاع السياسي، كي يتبنى المواقف والاتجاهات التي تخدم قضية فلسطين.
الإعلام الرسمي الفلسطيني لا يختلف كثيراً عن الإعلام الرسمي العربي، من حيث اللجوء إلى الديماغوجية لدعم نهج الحكومة وترويج مواقفها السياسية، ومن حيث فرض رقابة صارمة على ما ينشر في الوسائط الإعلامية، وإغلاق المؤسسات الإعلامية التي تنتقد الحكومة. ولم يسلم من هذه الرقابة كتّاب مقال الرأي الموضوعيين والعقلانيين وغير الحزبيين، الذين يحرصون على مصلحة الوطن ويدافعون بإخلاص عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وكأن الكاتب عليه أن يخضع لحسابات المواقف التكتيكية المتقلبة للجهة التي تنشر له، أو أن يعبر عن مواقفها السياسية وليس عن مواقفه وقناعته واتجاهاته، أو أن يتحدث باسم جهة سياسية ما. وهذا قمع لحرية التعبير والنشر، والتي هي جزء مهم من الحريات الإنسانية العامة، ولا سيما إذا ما أطلقت الجهات الإعلامية الرسمية لنفسها العنان لحذف جمل أو فقرات أو تعبيرات من المقال، حتى يتوافق مع رأي الجهة، دون استشارة الكاتب وحتى دون إبلاغه.
أقرت مبادرة مكتب الإعلام الحكومي بأن مكانة الإعلام قد تضعضعت من حيث تأدية الإعلام لدوره في مواجهة العدو الصهيوني، وبأن ملامح حرية الرأي والتعبير والعمل الإعلامي غير راسخة في المجتمع الفلسطيني، وينطبق هذا أيضا على مبادئ حرية الرأي والتعبير والعمل الإعلامي، وعلى حرية التعبير والعمل الإعلامي ذاته، إذ طالبت المبادرة بإبعاد الحالة الإعلامية عن الخلاف والانقسام، وطالبت بإطلاق الحريات الإعلامية في الضفة وغزة. كما تعترف المبادرة بخطورة الإعلام ودوره في تأجيج أو تهدئة الخلاف الداخلي في الساحة الفلسطينية.
ولا أريد الخوض في تفاصيل هذه المبادرة، ولكنني أنظر إليها على أنها خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو تصحصح مسار الإعلام الفلسطيني، بعد أن قطع شوطاً كبيراً في تأجيج الانقسام وتعميقه وتكريسه، آملاً أن يتحول إلى وسيلة لتقنين النزاع السياسي وتهدئة التوتر في الساحة الفلسطينية، وتعزيز ثقافة مضادة لثقافة الانقسام، ومنح العقول فرصة للتفكير وتبني المواقف السياسية دون إكراه أو إغواء أو استغفال للمواطن.
ولكن يجب ألا يفهم من كلامي هذا أنني أدعو إلى تحييد الإعلام عن الصراعات المتعددة التي تدور في الساحة السياسية الفلسطينية بين نهج مقاوم ورافض للاستسلام والتفريط والاعتراف بما يسمى (إسرائيل)، وبين نهج تسوية فاشل ومفرط بالحقوق والثوابت ومعاد للمقاومة ضد العدو الصهيوني، فأنا مع دعم المقاومة وضد نهج التسوية، ولا بد للإعلام الفلسطيني من الاستمرار في التصدي لنهج التسوية وتعرية الجهات التي تتساوق مع العدو الصهيوني والغربي وتشارك في التآمر على قضية فلسطين وفي الحرب على المقاومة الفلسطينية.
وهذا جزء مهم من الدور المطلوب من الإعلام الفلسطيني، أما الجزء الآخر، الذي لا يقل عنه أهمية، فهو تعزيز ثقافة المصالحة والتفاهم والحوار والمواطَنة الصالحة وتغليب مصلحة فلسطين على المصالح الحزبية، باعتبار أن هذه الثقافة هي جزء مهم لحماية الحقوق والهوية الفلسطينية، إضافة إلى تجنيد الإعلام الفلسطيني في معركة الرأي العام بين الشعب الفلسطيني والداعمين له، وبين العدو الصهيوني والغربيين المنحازين له، والذي ما زالت وحشيته ودمويته تخفى على كثير من الناس في العالم.
وهناك جزء آخر يتعلق بتأهيل المواطن الفلسطيني نفسياً ليتمكن من تجاوز تداعيات الحرب والحصار على تفكيره وسلوكه وإرادته، فالمواطن الفلسطيني بحاجة إلى تأهيل نفسي، حتى يحسن مواجهة الصعاب والتغلب على آثار العدوان وتداعياته، وتطوير المجتمع المحلي وتنميته، ولاسيما في مجال التعليم، الذي يعاني من تدهور خطير مستمر، في المدارس والجامعات.
14/7/2010