المجزرة الغامضة رسالة لنا
بقلم : صلاح صبحية
ستة عشر مجنداً فلسطينياً من جيش التحرير الفلسطيني كنا قد فقدناهم منذ حوالي الأسبوعين ، كانوا في طريقهم إلى مخيمي النيرب وحندرات في حلب شمال سورية لقضاء إجازاتهم العادية ، نجدهم اليوم شهداء ، سقطوا برصاص غادر ، من أطلق الرصاص أو أمر بذلك ، الذي فعل ذلك يعرف جيداً أنه يرتكب مجزرة ، ومهما كانت مبررات الجهة التي قتلتهم ، فلا مبرر للقتل من أجل القتل ، قتلوا والقاتل يعلم علم اليقين أنهم جنود في جيش التحرير الفلسطيني ، ويعلم القاتل أنهم فلسطينيون ، وأياً كان القاتل ، فالمجزرة هي رسالة إلى كل الفلسطينيين ، أن حددوا موقفكم مما يجري في سورية .
وفي ظل المجزرة صدر العديد من البيانات الفلسطينية في دمشق ، وقد صدرت عن كل من جيش التحرير الفلسطيني ، و فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، والتحالف الفلسطيني ، والتي كانت غير متفقة إلا على شيء واحد ، وهو إدانة واستنكار هذه المجزرة ، فبيان جيش التحرير اتهم العصابات المسلحة انسجاماً مع الموقف السوري الرسمي ، بينما اتهم بيان التحالف الصهاينة بارتكاب هذه المجزرة ، على حين آثر بيان فصائل منظمة التحرير عدم توجيه الاتهام إلى أية جهة ، وباختلاف البيانات الفلسطينية الصادرة في دمشق شكلاً ومضموناً ، نكون قد وضعنا أصبعنا على جرحنا النازف وهو الانقسام والاختلاف والتباعد فيما بيننا ، مما أبعدنا عن المتابعة الحقيقية والفعلية لقضية المجندين الفلسطينيين المفقودين والذين قتلوا على أيدٍ آثمة .
قلت أن قتلهم كان رسالة إلى كل الفلسطينيين ، نعم إلى كل الفلسطينيين ، أياً كان موقفهم من الأزمة السورية ، أولى هذه الرسائل إلى جيش التحرير الفلسطيني بأن تنأى قيادته عن التدخل بالشأن السوري ، حتى ولو كان جيش التحرير الفلسطيني يشكل احتياطاً بيد القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية من الناحية التعبوية ، وأن يحافظ جيش التحرير على صفته الوطنية الفلسطينية ، لأن ما يجري على الأرض السورية ليست حرباً يشنها عدوُ خارجي حتى يكون لجيش التحرير دور فيها ، وإن ما جرى من اغتيالات لعدة ضباط في جيش التحرير لأسباب لا تجهلها قيادة جيش التحرير ، يجعل قيادة جيش التحرير تعيد النظر في الأمر التعبوي اليومي إلى كل مرتبات جيش التحرير .
وثاني هذه الرسائل إلى بعض القوى الفلسطينية ، التي يـُطلق عليها اسم فصائل دمشق بأن تعيد حساباتها بشكل جاد ، ولا تـُغرق نفسها في بحر الدم السوري ، وأن تكف عن أن تكون ناطقاُ رسمياً باسم النظام السوري ، وليس من مصلحتها الزج بالفلسطينيين في أتون النار السورية ، لأنّ الفلسطينيين ليسوا طرفاً في الأزمة الفلسطينية الداخلية ، وإن كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي السوري .
وثالث هذه الرسائل إلى منظمة التحرير الفلسطينية ، التي من الواجب عليها أن تحافظ على حيادية الموقف الفلسطيني على أرض سورية ، وذلك من خلال فصائل منظمة التحرير المتواجدة في المخيمات الفلسطينية في كل أنحاء سورية ، بأن تعمل جادة على تجسيد موقفها الحيادي في كل المخيمات ، والقاضي بعدم التدخل بالشأن الداخلي السوري ، المبني على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي قطر عربي ، لأنّ المصلحة الفلسطينية تقتضي موقفاً يحفظ لمنظمة التحرير الفلسطينية استمرارية وجودها على الأرض السورية .
ورابع هذه الرسائل موجهة إلى كل الفلسطينيين في سورية ، من مصلحتكم أن تحافظوا على حيادكم من الأزمة السورية ، وأن لا تزجوا بأنفسكم في أتونها ، وأن لا تسمحوا لأية جهة فلسطينية تغيير أهدافكم وتطلعاتكم نحو حقكم بالعودة إلى وطنكم وإقامة دولتكم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، فاضغطوا جميعكم على كافة فصائلكم وقواكم بأن لا تزجكم في معركة ليست معركتكم ، وأنّ الوصول إلى القدس لا يمر من أية عاصمة عربية .
نقول ، لقد وصلت الرسالة ، وموقفنا الفلسطيني هو أنه لا يمكن لنا أن نكون أداة في يد أحد ، ولا يمكن أن يجرنا كائن من كان إلى مكان ليس مكاننا ، وإلى قتال ليس قتالنا ، فلن يصبح الفلسطينيون تحت أية ذريعة جزءاً من الأزمة السورية ، لأننا نريد لسورية أن تتخلص من القتل الذي يجري فيها ، نريد لسورية الأمن والاستقرار والحياة الحرّة الكريمة لشعبها ، فسورية لكل مواطنيها ، نريد لسورية أن تخرج مما هي فيه وقد إمن الناس بعضهم بعضا .
كل تلك الرسائل تتطلب إعادة اللحمة بين جميع أبناء الشعب الفلسطيني مع كافة فصائله ، ولا يعتقدن أحدٌ أنه بمفرده أو بجهته قادر على تحقيق المحافظة على شعبنا والنأي به من أتون النار السورية ، فالموقف يتطلب عملاً ميدانياً مشتركاً بعيداُ عن كل الحسابات الفئوية والفصائلية ، فالمصلحة الفلسطينية بالمحافظة على حيادية موقفنا بما يخص الشأن السوري هو أهم من المحافظة على مصلحة أي فصيل كان ينأى بنفسه عن الإجماع الفلسطيني ، فليكن استشهاد هؤلاء الفتية درساً لنا بأن نكون يداً واحدة للمحافظة على سلامة شعبنا في مخيماتنا ما أمكنا إلى ذلك سبيلا .
وعلى الذين ارتكبوا مجزرتهم بحق المجندين الفلسطينيين أن يعوا جيداً بأن طريقهم إلى ما يصبون إليه لا يمر عبر الدم الفلسطيني ، لأنّ الدم الفلسطيني يأبى أن يكون ورقة للمساومة عليها في يد أي طرف من أطراف الأزمة السورية ، وإنّ المحافظة على حيادية الموقف الفلسطيني هو في مصلحة الكل السوري .
13/7/2012 صلاح صبحية salahsubhia@hotmail.com