عرفتك منذ الصغر
ثم كان لي فيك أيام و أيام .
فلم أحسب أنك ستغدو صقراً عظيم الجناحين ، رمزاً خالداً في سماء من إباء .
في أزقتك الحنونة ، الغافية كأحلام الأطفال في سكينة الصفاء ، بين صفصاف عذوبتك ، و رياحين سلامك ، ذُرفت قطرات من دموع و دماء .
و عند الزوايا الناضحات صدقاً ، و الأرصفة المزهرة حباً ، يحلو لأنوار الصباح أن تركن إلى نوافذ مساجدك فترنو بأسماعها إلى دروس العلم التي لا مثيل لها في غيرك .
شميم الروعة في طرقاتك يأخذ قلوباً في رحلات الأذكار و الأوراد المترددة من أفواه العجائز في مجالس ما بعد الفجر المكللة بروائح المسك المسبِّح في فضائك .
أنت ... قبلة للصدق تعرِّف إليه من لا يعرفه ، نزهة لكرامة رسمتها الأرواح على العقول قبل القلوب .
ميدانَ الحصى ... قد غير التاريخُ اسمك ، فغدوت أجمة لأسود الشرى ، إن عوت فيها الذئاب ساعة من ليل أو نهار ، فلا تملك يوماً أن تعلو زئيراً ينبعث منك إلى قمر بهي في ليل بغدادي بعيد المنال .
دماء منك جرت على جدر من حجارة ، لكنها كذلك حُفرت على وجوه من ارتضوا فيك مسيل الدماء ، فرسمت أخاديد لا تزيلها مياسم الدنيا و لو اجتمعت .