قراءة في كتاب «أدباء الإنترنت ..أدباء المستقبل»(1)
لأحمد فضل شبلول
بقلم: أ.د. حسين علي محمد
............................................
اهتم الأديب الشاعر أحمد فضل شبلول بالحاسوب، واتخذه صديقا له يكتب عنه ـ وفيه ـ أبحاثه ومقالاته وقصائده، وغنَّى له ديوانا شعريا كاملا هو ديوانه الأخير "تغريد الطائر الآلي"، وفي هذا الديوان نرى إشكالات التعامل الأدبي والفني مع "الحاسوب". يقول في القصيدة الأولى التي عنوانها "الشاعر والحاسوب":
دخل الشاعرُ صندوقَ الحاسوبِ، وقالْ:
افتحْ خاناتِ الأسرارْ
واجمعْ كلَّ بناتِ البحرِ الهَدَّارْ
وتحسَّسْ أنباءَ القلبِ المُبحرِ في الظُّلُماتْ
فعدُوِّي الآن يُقاتلُني
بالمعلوماتْ (2)
ويخاطبه الحاسوب في القصيدة نفسها بقوله: "يا صديقي"(3)، وهذا يُبين لنا مدى العلاقة الحميمة التي نشأت بين الشاعر و"الحاسوب". وفي قصيدة أخرى عنوانها "مطايا للحواسيب" يقول الشاعر:
أقيموا من صدوركمو
مطايا للحواسيبِ
فإني يا بني أُمي،
أخافُ عليكمو
الجهلاءَ
والدَّهْرا(4)
ولن تعدم أن تجد في قصائد الديوان الأخرى تجارب شعرية راقية تستوحي العلاقة الحميمة ـ بين الشاعر وحاسوبه ـ التي أخذت من عمرهما معا عدة سنوات.
وفي كتابه الجديد "أدباء الإنترنت .. أدباء المستقبل" الذي يقع في زهاء مائتين وثماني صفحات من القطع الصغير، وصدرت طبعته الأولى عن دار المعراج ا، فالأدب بكل عوالمه ووقائعه هو الترجمان الصادق لحياة اٌلإنسان سواء في لحظات سعادته وهنائه، أو في لحظات حزنه وشقائه، والإنترنت بكل آفاقه واكتشافاته هو أهم مظهر من مظاهر العلم الحديث حتى الآن بكل ما يحمله من أفكار وتطلُّعات بلا حدود"( ). لقد حاول المؤلف أن يفهم عالم الحاسوب عندما رأى طفله ـ وهو دون السابعة ـ يجلس أكثر من ست ساعات متصلة يوميا إلى ألعاب الحاسوب، ويُحاول أن يستقطب أخته الصغيرة ـ التي دون الرابعة ـ دون أن يكل لتلعب معه!
وشغلت الشاعر عدة أسئلة ملحة في زمن الحاسوب والإنترنت، مثل: "كيف يكون الأدب في ظل وجود الكمبيوتر بشكل عام وشبكة الإنترنت العالمية بوجه خاص؟ وإلى أي حد يُسهم العلم في كسر احتكار عملية النشر، أو قيودها، وسطوة النقد، أو مجاملاته، ناهيك عن منع بعض المطبوعات من تداولها أو وصولها إلى هذا القارئ أو ذاك؟" (5).
وحاول المؤلف أن يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها من خلال أحد عشر فصلا احتواها الكتاب ـ أو إحدى عشرة مقالة ـ وهي:
1-أدباؤنا والإنترنت (ص ص 21-53).
2-النقد الأدبي الإلكتروني (ص ص 57-78).
3-الناقد الإلكتروني (ص ص 81-87).
4-الإنترنت وأدب الأطفال (ص ص 91-103).
5-شبكة المعلومات الأدبية (ص ص 107-117).
6-المعجمية العربية والمعاجم الإلكترونية (ص ص 121-136).
7-الموسوعة العربية العالمية في صفحة واحدة (ص ص 139-145).
8-حاسب آلي يكشف لحظات الإبداع قبل حدوثها (ص ص 149-152).
9-الشعر والمُنجز الآلي والإلكتروني (ص ص 155-156).
10-فيروس الشعر (ص ص 159-161).
11-اعتزال الترجمة (ص ص 165-166).
وينتهي الكتاب بثلاثة فهارس أو كشافات، هي:
1-كشاف الأعلام (ص ص 173-182).
2-كشاف المطبوعات (ص ص 185-191).
3-كشاف المصطلحات (195-204).
وسنتوقف أمام أربع قضايا يثيرها هذا الكتاب الجدير بالقراءة، والذي يقدم حلولا علمية وعملية لقضايا أدبية مُزمنة:
1-قضية النشر:
يعاني الأدباء منذ وُجدت المطبعة والصحيفة من مشكلة النشر ـ يستوي في ذلك الأدباء الكبار والشباب ـ يقول الأستاذ وديع فلسطين ـ عضو مجمع اللغة العربية بدمشق وعمّان في حوار معه(6): حين سئل لماذا لا ينشر مئات المقالات التي نشرها منذ الأربعينيات في صحف ومجلات مثل "المقتطف"، و"المقطم"، و"الأديب"، والآداب"، و"العلوم" …وغيرها: "الأدب قد صارت تسري عليه نواميس التجارة، بل إن هذه النواميس هي وحدها التي تتحكم في الأدب أيا كانت قيمته. فإذا أردت نشر كتاب فلن تجد ناشراً يُغامر بهذه المهمة إلا إذا اطمأن سلفاً أن الكتاب مربح من الناحية التجارية المجرَّدة. وأنت مُطالَب بأن تكون لك "سُمعة محلّ"، أي شُهرة، أي استمالة جماهيرية تكتب لكتابك الرواج المؤكد. فإن خرج الناشر من حسابات الضرب والطرح بأن كتابك غير رائج في سوق العرض والطلب، اعتذر لك بعشرات من الأسباب. فإن رغبت في طبع كتابك على نفقتك الخاصة نهاك عن ذلك ارتفاع أسعار الورق، وبهاظة تكاليف الطباعة، وزهد موزِّعي الكتب في القيام عنك بأعباء التوزيع، وانعدام أبواب النقد الأدبي في الصحف التي تنبه الناس إلى صدور كتابك، وتضخّم أسعار الإعلانات في الصحف وما إليها من وسائل الإعلام. وصفوة القول: إنه يتعيَّن عليك قبل أن تؤلف كتاباً أن تُطبِّق عليه المقاييس التجارية المألوفة في أسواق البصل، وأنا جاهلُها".
لكن مؤلف "أدباء الإنترنت .. أدباء المستقبل" يتناول هذه القضية المهمة ـ التي يثيرها دائما الكتاب الشبان والكهول ـ ويُبشرنا بأنه "سيكون في استطاعة أي أديب شاب (ولماذا الشباب فقط والكهول ـ كما قدّمنا ـ يُعانون من فرص النشر الضيقة الأشبه بثقب الإبرة؟) أن يُرسل إنتاجه الأدبي ليقرأه المهتم بالأدب العربي في أرجاء المعمورة … فالعالم يعيش الآن ما يسمى بعصر انفجار المعلومات، أو كما يسميه البعض عصر المعلوماتية التي أتاحتها على نطاق واسع أجهزة الكمبيوتر الشخصي، أو الحاسبات الآلية الشخصية التي تستوعب آلاف الكتب، وملايين الصفحات، وأنهارا لا تنتهي من المعلومات، بل يستطيعُ مستخدمها أو مشغّلها الاتصال بأي شخص في العالم لديه جهاز كمبيوتر مماثل عن طريق ما يُسمى بالشبكات، شريطة أن يمتلك الشخصان ما يُسمى بجهاز "المودم"، وهو الجهاز اللازم لتسهيل التواصل بين جهاز الكمبيوتر الشخصي مع الخط الهاتفي الدولي"(7).
2-موسوعة في صفحة واحدة:
صدرت أخيرا في الرياض "الموسوعة العربية العالمية" في ثلاثين مجلدا، تضم 16200 صفحة، ويمكن جمع المواد التي تحتويها "في ثلاثة أقراص مرنة، لا يزيد طول القرص الواحد منها على 10 سم، وعرضه على 9 سم أي أن الأقراص الثلاثة إذا وُضعت متجاورة، فإنها لن تزيد على مقاس صفحة فولسكاب واحدة (ومعنى هذا أنه يمكن جمع أو حفظ أو ضغط هذه الموسوعة بأجزائها الثلاثين فيما يعادل مقاس صفحة واحدة من كتاب)، بل من الممكن أن تكون أصغر من ذلك إذا صدرت على شكل اسطوانة مليزرة واحدة"(8).
3-قضية أدب الأطفال:
مازال كتابنا مشغولين بالكتابة والتنظير لأدب الطفولة ذي الوسائط التقليدية، المحصور في النشيد والأغنية والقصيدة الغنائية، والحكاية والقصة القصيرة المصورة، والمسرحية، والكتاب الثقافي العام، والمجلة، لكن مؤلف "أدباء الإنترنت .. أدباء المستقبل" ينبهنا إلى أنه "قد ظهرت في السنوات الأخيرة أشكال جديدة من الممكن أن تُضاف إلى عالم أدب الأطفال، بمفهومه الواسع، مثل ألعاب الكمبيوتر، وما يُعرف باسم الأتاري أو ألعاب "الفيديو جِم" التي تستغرق الطفل استغراقا تاما عند الجلوس أمامها والإمساك بالأذرع الخاصة بها أو الضغط على مفاتيحها"(9)، ومن ثم فإن من الواجب أن يتناقش المهتمون بأدب الطفل وتربيته في وجوب اهتمام دور النشر العربية بالتقنيات الحديثة ـ في الفيديو والحاسوب ـ وإنتاج أفلام تقدم للأطفال ما هو جديد وجاد مع الحفاظ على ثوابتنا وما لا يتنافى مع عقيدتنا السمحة حتى لا يتخلف الطفل العربي ـ وهو عدة المستقبل ـ عن ركب الإبداع والتعليم، وحتى نضمن له التفوق في عالم لا يرحم المتخلفين والغافلين.
إن المؤلف يتوقع أن يغرقنا الإنترنت معنويا وحسيا ـ ويُغرق أطفالنا معنا ـ بسيول من المعرفة الإلكترونية، ومن هنا يأتي "دور الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات والمربين والمربيات الذين لابد أن يكون لديهم فكرة متكاملة عن التعامل مع أجهزة الحاسب الآلي الشخصية، ثم مع شبكة الإنترنت العالمية، حتى يكونوا على استعداد للإجابة عن أي سؤال يوجهه إليهم طفل المستقبل، طفل الإنترنت، وليس من طبيعة الأشياء أن يعرف الطفل أكثر مما يعرف الأب أو الأم أو المدرس أو المدرسة، وبخاصة في مجال المعارف العامة التي يجلبها التطور المستمر، إذ أن موضوع الحاسبات الآلية أو شبكة الإنترنت سيكون في غضون السنوات القليلة القادمة من الموضوعات أو المعارف العامة، وليس المتخصصة. بعد ذلك يأتي دور الحماية الثقافية والمعرفية لمواجهة التدفق المتوقع، والسيول التي سوف تتدافع أمام أنظار أطفالنا وهم جالسون إلى أجهزتهم سواء في منازلهم، أو مدارسهم التي لابد أن تتطور لتساير الانفجار المعرفي والثقافي والأدبي الآتي من خلال الأجهزة الإلكترونية، وتواجه أي انحراف فيه"(10).
4-الترجمة الألكترونية:
ويعالج الكتاب قضايا أخرى شائكة مثل قضية الترجمة الإلكترونية، فينقل خبرا عن مجلة "القافلة" (العدد الثاني، المجلد التاسع والثلاثين) يقول:
"ابتكرت إحدى الشركات الأمريكية جهازا للترجمة الفورية يعمل بالحاسب الآلي، وهو مصمم بحيث يُحمل يدويا ليكون عونا للمسافر في التحدث إلى الناس ومخاطبتهم في لغتهم الأصلية، فإذا أراد التعبير عن شيء نطق به في لغته هو، فيتولى الجهاز ترجمة هذا الكلام وإعادته إلى مسامع الطرف الآخر بلغة يفهمها وجرى برمجتها فيه مقدما، ويتم ذلك بفضل برنامج خاص موجود في الجهاز يستطيع تمييز اللغة المنطوق بها وإعطاء الترجمة الصحيحة لها من حيث المفردات والتركيب اللغوي. وهذا البرنامج مقصور حتى الآن على الترجمة من الإنجليزية إلى الأسبانية"(11).
ويُعقب المؤلف على هذا الخبر بقوله:
"وحتى يخرج علينا جهاز يعمل باللغة العربية (يقصد يترجم من العربية وإليها) فإن على مترجمينا الفوريين مواصلة عملهم، واضعين في اعتبارهم عامل السرعة الذي يختصر الزمان والمكان، ولعل البرنامج العربي / الأجنبي الذي نتحدث عنه يكون متوافرا بين أيدينا خلال سنوات قلائل … ولكن … دعنا نسأل الجهاز: هل لديك المقدرة على ترجمة روائع الأدب العربي والعالمي من وإلى العربية بطريقة سهلة ومبسطة وعذبة مثلما يفعل مترجمو الأدب "أحيانا"؟ إذا كانت الإجابة بالإيجاب، فإن على مترجمي الأدب التفكير أيضا في اختيار بديل آخر غير الترجمة ليتكسبوا منه لقمة عيشهم"(12).
وبعد،
فهذا كتاب كانت المكتبة العربية في حاجة ماسة إليه؛ فالمنجز الآلي والإلكتروني يتسلل يوما فيوما إلى حياتنا اليومية، ويتحكم في إيقاعها، ويختصر مدارج الزمن. ومن ثم فنحن في حاجة إلى تأديب المنجز الآلي، أو التعرف عليه ومعرفة مدى إمكاناته في خدمة الأدب العربي قديمه وحديثه، فقد أصبح ذلك ضرورة من ضرورات حياتنا.
.....................
(الهوامش):
(1) نشر في مجلة "الفيصل"، عدد رمضان 1419هـ-يناير 1999م.
(2) أحمد فضل شبلول: تغريد الطائر الآلي، سلسلة "أصوات مُعاصرة"، (الزقازيق)، العدد (33)، أبريل 1997م، ص 9.
(3) السابق، ص12.
(4) السابق، ص 26.
(5) السابق، ص 15.
(6) مجلة "صوت الشرق" القاهرية، عدد أبريل ومايو 1976م.
(7) أحمد فضل شبلول: أدباء الإنترنت .. أدباء المستقبل، ص 21.
(8) السابق، ص 141.
(9) السابق، ص 91.
(10) السابق، ص 99.
(11) السابق، 165.
(12) السابق، ص 165 ، 166.