قِصَّةُ الآهات !!
..
مر على صيدليتي أحد الأخوة العراقيين الذين يعيشون في بلدنا بعد فراره من قسوة الحكم و ظلم الجلادين ؛ فحكى لي ما عما به من وجع ؛ و عما فعلت الحرب و الفقر و المرض بعائلته .
و عن زوجته التي توفيت و هي تلد طفلتها الثالثة - و طفلها الثاني لمَّا يبلغ عامه الأول بعد - و كيف لحق بها هذان الآخران - الرضيعة و الفطيم - بعد شهور قليلة .
ثم زادني ألمًا بحاجته لتأمين بعض الأدوية لعلاج بكره المقعد الذي تركه له الدهر بعد موت ابنيه الأصغرين ليزيد من معاناته بهم جميعًا .
و لمَّا لم أحتمل كتم ذلك بحت لكم ببعض ما حكاه .
و الله المستعان .
..
أَبناؤُكَ الباقُونَ : أَفواهُ=وَ البائِدُونَ : الإِيهُ وَ الآهُ
وَ الجُوعُ و الحِرمانُ أَنهَكَهُمْ=وَ أَبادَهُمْ عَجزٌ وَ إِكراهُ
وَ لَقَدْ صَرَفتَ العُمرَ تَدفَعُ عَنْـ=ـهُمْ ما الذِي قَدْ كُنتَ تَخشاهُ
لَكِنَّ نابَ الدَّهرِ طائِلُهُمْ=وَ الفَتكُ بَعضٌ مِنْ نَواياهُ
فَرَأَيتَهُمْ صَرعَى وَ لَستَ سِوَى=مُتَجَمِّلٍ خانَتهُ عَيناهُ
وَ كَأَنَّهُمْ - إِمَّا نَظَرتَ لَهُمْ=فَوقَ الثَّرَى - لِلصَّمتِ أَشباهُ
وَ كَأَنَّهُمْ قِطَعُ الزُّجاجِ , دُمَىً=بِلَّورُها انتَثَرَتْ شَظاياهُ
طِفلانِ : مَفطُومٌ عَلَى رَغَمٍ=وَ رَضِيعَةٌ !! وا حَرَّ قَلباهُ
طِفلانِ : مِثلَ الوَردِ قَدْ ذَبُلا=وَ الثَّالثُ : الإِعياءُ بَلواهُ
طِفلانِ ماتا , وَ الأَخِيرُ - عَلَى=كُرسِيِّهِ المَحمُولِ - أَوَّاهُ
سَرَقَتهُما كَفُّ المَنِيَّةِ وَ اسْـ=ـتَبقَتْ لَكَ المَشلُولَ تَرعاهُ
وَ العَجزُ أَقعَدَهُ لِتَرزَحَ فِي=قَهرٍ , وَ كَي تَشقَى وَ إِيَّاهُ
يا أَيُّها المَنكُوبُ ؛ بَعضُكَ مِنْ=بَعضِ الذِي بِالقَسرِ نَحياهُ
نَحنُ ارتَضَينا الذُّلَّ فامتَلأَتْ=أَكوابُنا ذُلًّا شَرِبناهُ
نَحنُ الذِينَ عَلَى المَجاعَةِ مِنْ=دَهرٍ , وَ لا مالٌ وَ لا جاهُ
نَبكِي عَلَى أَمجادِ مَنْ دَرَسُوا=وَ نَعِيشُ فِي وَهمٍ صَنَعناهُ
نَنعَى بَنِيَّ اليَأسِ فِي زَمَنٍ=نَخشَى عَلَيهِمْ مِنْ رَزاياهُ
أَبناؤُنا الإِملاقُ يَصرَعُهُمْ=وَ الخَوفُ مِمَّا سَوفَ نَلقاهُ
وَ الدَّاءُ يَمشِي بَينَ أَضلُعِهِمْ=قُدَّامَنا حَتَّى أَلِفناهُ
وَ نَظَلُّ نَحيَى بِالمَهانَةِ فِي=وَطَنٍ تَقاسَمنا خَطاياهُ
وَطَنٍ يُخَضِّبُ مَفرِقَيهِ دَمٌ=وَ يَصِيحُ : ( يا أَللَّهُ ؛ يا اللَّهُ ) *
وَطَنٍ مَشَينا فِي جَنازَتِهِ=مِنْ بَعدِ ما بِعنا قَضاياهُ
لِمَنِ اختَلَفنا فِي جَدارَتِهِ=لَكِنَّنا رُغمًا قَبِلناهُ
لِحُكُومَةٍ شاخَتْ وَ ما سَئِمَتْ=مِنْ حُكمِها . لَكِنْ سَئِمناهُ
سُلطانُها لَو كانَ فِي يَدِنا=مِنْ أَمرِنا شَيءٌ ذَبَحناهُ
ظُلمًا يُعَذِّبُنا ؛ لِنَعبُدَهُ=وَ نَقُولَ : ( أَلَّا رَبَّ إِلَّاهُ ) !
بِالأَمسِ - بِالدُّستُورِ - واعَدَنا=وَ بِجَهلِنا - نَحنُ - انتَخَبناهُ
وَ اليَومَ يَغصِبُنا ! وَ لَيسَ لَنا=إِلَّا الذِي السُّلطانُ يَرضاهُ !
أَخَلِيفَةٌ لِلمُؤمِنِينَ - عَلَى=دَربِ الهَوَى - الشَّيطانُ مَشَّاهُ !؟
أَمْ حاكِمٌ ؟ وَ الظُّلمُ مَنهَجُهُ !؟=وَ الغِشُّ وَ التَّدلِيسُ صِنواهُ !؟
كَثُرَ الوُلاةُ , وَ ما الوُلاةُ سِوَى=وَهمٍ بِهِ تُهنا ! وَ هُمْ تاهُوا !
وَالٍ , أَمِيرٌ , قائِدٌ , خَلَفٌ=راعٍ , مَلِيكٌ , حاكِمٌ , شاهُ
أَسماؤُهُمْ شَتَّى تَحُفُّ بِنا=وَ الشَّعبُ مَنْ - بِالشَّعبِ - سَمَّاهُ ؟
خَطُّوا لَنا سِفرَ العَذابِ , لَهُ=مِنْ " قِصَّةِ الآهاتِ " مَغزاهُ
[color=#000000]..[/color
* التركيبة :
( يا ألله ؛ يا الله ) : الأولى همزة قطع و الثانية همزة وصل = ( عروضيًا : يا أَللَّهُ ؛ يَللَّهُ )