الدكتور وجدي غنيم : السلوك هو ثمرة إسلام المرء
المشهد الدعوي في اليمن نشط ، ويتمتع بقدر كبير من الحرية ..
وبعض الفضائيات فضائحيات .
قال الدكتور الداعية وجدي غنيم إن محاربة الإسلام اليوم قائمة على محاور أربعة : تشويه الرموز ، وتكسير الثوابت ، وتجفيف المنابع ، وتمييع الدين ، وذكر عدداً من الضوابط الشرعية التي تنظم العمل الدعوي في الفضائيات ، وتحدث عن ذكرياته الدعوية في كل من جنوب أفريقيا .. مزيداً من القضايا بسطها هذا الحوار :
تكررت زيارتكم لبلدكم الثاني اليمن .. فكيف وجدتم هذا البلد ؟
بداية أشكر إخواني في مجلة النور على اختياري ضيفاً لهذا الحوار ، وأسأل الله أن يجعلني عند حسن الظن .
هذه هي زيارتي الرابعة لليمن ، وفيها حصلت على إقامة لمدة عام ، وأنا سعيد بأنني في هذا البلد المضياف الذي اعتبره بلدي الأول وليس الثاني ، لأن المكان الذي يجد فيه الإنسان كرم الضيافة وحسن الخلق ، ويأمن فيه على نفسه ودعوته ، ويجد فيه الخير هو المكان المحبب إلى النفس ، بصرف النظر على جنسيته وأين ولد ، وأنا أرى أن هذا البلد طيب ، وأبناؤه طيبون ، ويمتاز بأمر وجدته في بعض دول الخليج أيضاً ، وهو أن ناسه لا يزالون على الفطرة ، بعيداً عن التكلف ، يعيشون حياة بسيطة جميلة بعيدة عن التعقيدات ، وما يلفت النظر أيضاً أنك تجد الحشمة في المرأة اليمنية في مظهرها وفي كل تصرفاتها ، وأسأل الله أن يديم ذلك عليها ، فأعداء الإسلام يتربصون بها من كل حدب وصوب .
فماذا عن المشهد الدعوي هنا .. كيف تقرؤونه ؟
اعتقد أن المشهد الدعوي في اليمن نشط ، ويتمتع بقدر كبير من الحرية ، وما يعجبني في جل الدعاة هنا إن لم يكن كلهم بساطتهم وقربهم من الناس ، ودافعيتهم المتفانية في خدمة الدعوة .
عرفناك عبر عدد من القنوات الفضائية كما عرفنا غيرك من الدعاة كالأستاذ عائض القرني .. والقائمة طويلة .. السؤال هنا هل نحن أمام ظاهرة النجومية في صناعة الدعاة عبر هذه الفضائيات ؟
أحمد الله سبحانه وتعالى أن الناس عرفتني قبل الفضائيات عبر أشرطة الكاست ، والفضائيات التي يصدق عليها أحياناً أن تكون فضائحيات أفرزت مجموعة من الدعاة يمتلكون حماساً ورصيداً من الشهرة لكن ليس لديهم علم شرعي ، وهذا أمر في غاية الخطورة ، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) ، فلا بد أذن أن يكون الداعية على بصيرة ، بمعنى أن لديه علم شرعي ، وسيدنا محمد بن سيرين يقول : ( الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من قال ما قال ) ، فأن تنسب حديثك إلى مصادره فهذا أمر في غاية الروعة ، كما أن سيدنا محمد بن سيرين يقول : ( إن هذا العلم دين ، فانظروا ممن تأخذون دينكم ) .
فأن يأتي مجموعة من الدعاة الشباب المتحمسين دون علم شرعي ، ثم يتكلمون كلاماً مغلوطاً ، فهذه مصيبة ، وحينئذ تصبح هذه الفضائيات فضائحيات ، وقد سمعنا أخيراً عبر هذه القنوات من يقول : إن أسماء الله الحسنى ليست تسعاً وتسعين وإنما هي أربع وثمانون ، وآخر يقول ربنا غشش سيدنا آدم حين أخطأ ، وآخر يقول : ربنا ( مرمط ) سيدنا عيسى ، وأشياء كثيرة من هذا القبيل تأتي بسبب من ضعف العلم الشرعي لدى هؤلاء .
ونحن ينبغي أن كون دعاة ، لا فنانين ، ولا طالبي شهرة ، وقد بدأت الآن مصطلحات كثيرة تبرز على الساحة الدعوية ، مثل ( أشهر الدعاة ) و ( أوسم الدعاة ) و ( أغنى الدعاة ) و ( نجوم الدعاة ) ، وهذه مصطلحات تستخدم في أوساط المغنين والرقاصين ، ولا ينبغي للدعاة أن يسعوا إليها ، كما أن عدداً من طالبي الشهرة بدئوا يسلكون طرقاً ليست من الدعوة ، فيطلبون مبالغ خيالية على الحلقات التي يقدمونها ، ويشترطون الحجز على الدرجة الأولى في الطائرة ، وأجنحة خاصة في أفخم الفنادق ، وهلم جرا .... ، وأنا أقول أين القدوة الحسنة في تصرفاتهم هذه ، وأين هم من الشيخ حسن البناء عليه رحمة الله الذي كان يركب درجة رابعة ، وحين سأل عن سبب ذلك ، قال : لأنه لا توجد درجة رابعة .
في رأيك ما أهم الضوابط الشرعية التي يمكن أن تحكم العمل الدعوي في هذه القنوات ؟
هناك مجموعة من الضوابط ، منها : الإخلاص لله سبحانه وتعالى ، وأن نعتبر أنفسنا دعاة إلى الله متجردين لخدمة دينه ، ولسنا فنانين ، ولا مشاهير ، وأن نتسلح بالعلم الشرعي ، وأن نقول كلمة الحق ، فكثير من القنوات الفضائية تشترط على الدعاة أن لا يتكلموا في الموضوع الفلاني ، وهذا أمر مخالف لمنهج الدعوة ، فالظهور في هذه الفضائيات وسيلة وليس هدفاً ، ومن ثم فإن الدعوة ينبغي أن يعرض الإسلام دون انتقائية ولا اجتزاء ، فلا بد من قول كلمة الحق ، فلا داعي حينئذ لمثل هذا الظهور الكسيح .
طيب في هذه الحالة ألا يحق للداعية التعامل من فن الممكن ، وأن يستغل الفرصة في الحديث عن شأن آخر من شئون الدين طالما كان له متسع في ذلك ؟
هذا الرأي يمكن أن يكون صحيحاً في الظروف العادية ، لكن أن يذبح إخواننا في فلسطين والعراق والعراق وأفغانستان ، ثم يطلب منك الحديث عن التعايش مع الآخر ، فذلك عين المغالطة ، ثم من هذا الآخر الذي يراد منك أن تتحدث عنه ؟ في لفظة الآخر تمييع لمصطلح آخر ، فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة التغابن ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، والله بما تعملون بصير ) ، فمصطلح ( الآخر ) تمييع لمصطلح ( الكافر ) ونحن نشهد الآن تمييعاً واسع النطاق لكثير من المصطلحات والمفاهيم ، وأنا أرى أن محاربة الإسلام اليوم قائمة على محاربة أربعة : تشويه الرموز ، وتكسير الثوابت ، وتجفيف المنابع ، وتمييع الدين ، فتجد من يطلق على الكافر الآخر ، وعلى المسلم متدين ، وهناك من يدعو إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، والله تعالى يقول في سورة آل عمران ( وليس الذكر كالأنثى ) ناهيك عن المجانين الذين يظهرون باسم الدين ، ليقولوا إن شعر المرأة ليس عورة ، ويجوز للمرأة أن تصلي بالرجل ، ويجوز لها أن تتزوج من كافر ، وهكذا ..
[COLOR=' red?]يلاحظ على كثير من الدعاة وأنت منهم استخدام اللهجات العامية حتى على المنابر .. فهل ذلك موقف من الفصحى ؟[/COLOR]
هو ليس موقفاً من الفصحى ، لكنني أرى – كرأي شخصي – أن الدين ليس تمثيلاً ، يعني أنا لا أمثل الدين ، لأنه أصيل فينا وهو صبغة الله ، فأنا أستخدم العامية في كل أنشطتي مع الناس ، فهل طلوعي إلى المنبر وحده يمثل الدين ... لا أنا أعتقد أن كل تحركاتنا هي من الدين وإليه ، وهي تستخدم العامية ، فلماذا إذن أمثل على الناس وبالتقعر والتكلف بالعربية أثناء الوعظ والإرشاد ، والمهم أنني أتحدث باللغة التي يفهمها الناس ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) ، وأنا كنت في جنوب أفريقيا أخطب الجمعة لمدة عشرين دقيقة باللغة الإنجليزية إلى جانب المنبر ، ثم أصعد على المنبر لمدة خمس دقائق باللغة العربية ، فأنت إذن تحدث الناس باللغة التي يفهمونها .
يلاحظ أنكم في خطابكم الدعوي كثيراً ما تركزون على سلوكيات كثيراً ما تركزون على سلوكيات الإسلام فلماذا هذا التركيز ؟
السلوك هو ثمرة تمثل الإسلام على وجه الحقيقة ، لأن الإسلام عبارة عن شجرة جذعها التوحيد ، وثمرتها حسن الخلق ، وقد مرح الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم بحسن الخلق في سورة القلم ، فقال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) .
وحين سألت السيدة عائشة عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ، قالت : كان خلقه القرآن ، فأنت قد تنخدع بمظهر فلان من الناس لكن السلوك هو المحك الحقيقي لإنسانية الإنسان .
يلاحظ أيضاً اشتمال خطابكم على البعد الفكاهي .. فلماذا ذلك ؟
الله سبحانه وتعالى يقول في سورة النجم ( وإنه هو أضحك وأبكى ) ، ونحن أخذنا موقفاً مغلوطاً من الفكاهة تحت ذرائع شتى منها : أن الفكاهة عيب ، وأنها من قلة الأدب ، وأنها .. وأنها .. إلخ ، وأنا أرى أن الداعية ينبغي أن يكون مرحاً بشوشاً ، خاصة وأنه يقضي ساعات طوال مع الناس ، فلا بد من طرفة تجدد فيهم النشاط ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم بسام المحيا ضحوكا بشوشا .
ودعني أقول لك أنني أنتقي طرائفي بعناية بحيث يكون لها هدف تهذيبي ، فأنت حين تأتي بنكتة عن البخل ، فأنت إنما توظفها للتنفير من البخل ، وهكذا ..
هل من كلمة أخيرة ؟
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على الحق ، وأرجو من قراء هذه المجلة الحبيبة أن يدعوا لي بالخير ، وأشكر المجلة على هذا الحوار الجميل ، ولنا لقاء بإذن الله .
المصدر : من مجلة النور .
- ينابيع تربوية .