صحيفة الشرق القطريه الأربعاء 1 ذو الحجة 1433 -17 أكتوبر 2012
وطن يهزمه أبناؤه – فهمي هويدي
لا تخلو متابعة المشهد المصري من الخارج من ميزة، ذلك أن البعد الجغرافي يبعد المرء عن التفاصيل، ويتيح له ألا يغرق فيها.
وقد تورطت مرة واحدة في مشاهدة برنامج حواري مصري على أحد الفضائيات نقل إلى مشاعر التوتر والتحريض التي اشترك فيها مقدم البرنامج مع ضيوفه، فقررت ألا أعود إلى ذلك، وأن أكتفي بالقراءة دون المشاهدة، التي كان الكمبيوتر مصدرا أساسيا لها.
كنت في تركيا خلال أيام ذروة الأزمة أشارك في مؤتمر دولي كبير رتبه «منتدى أسطنبول» الذي أراد له الأتراك أن يكون منافسا لمنتدى دافوس الذي مقره سويسرا، وتلتقي فيه النخب لمناقشة مختلف أمور المستقبل في العالم، خصوصا ما كان اقتصاديا منها.
ولأن ما جرى في مصر أخيرا ترددت أصداؤه في قاعات المؤتمر وأروقته، فسأكتفي بذكر تعليقين مما سمعته، أحدهما من خبير تركي قال إن ما تعيشه مصر ليس بعيدا تماما عما مرت به تركيا منذ ستينيات القرن الماضي، حيث بدا أن تركيا وقعت في قبضة مثلث ظلت تعانى منه طيلة أربعين عاما، ولا تزال له ذيول نشطة حتى الآن.
رأس المثلث هو الجيش الذي أمسك بخيوط الحياة السياسية، أما ضلعاه فتمثلا في القضاء والنيابة من ناحية، ومعسكر التطرف العلماني من ناحية ثانية.
فالقضاء وفر الغطاء القانوني للعسكر، وكان عصاته التي قمعت معارضيهم،
أما المتطرفون من العلمانيين فقد ظلوا الحليف الجماهيري للعسكر طول الوقت،
التعليق الثاني سمعته من أحد الباحثين العرب الذي قال لى إن الصراعات الحاصلة في مصر بين السلطة وبين القوى السياسية المناوئة ليس فيها منتصر ومهزوم لأن المهزوم الحقيقي فيها هو الثورة المصرية التي يتآكل رصيدها في الخارج حينا بعد حين بما يرفع من معنويات المتربصين والشامتين في خارج مصر.
من متابعتي للصورة من الخارج، ومن قراءاتي للصحف المصرية خرجت ببعض الملاحظات التي أوجزها فيما يلي:
إن الأزمة من بدايتها إلى نهايتها تعد معركة قاهرية بين بعض شرائح النخب والقوى السياسية، وكان الإعلام ساحتها الأساسية، ولم يكن الشعب المصري طرفا فيها، ولا همومه وأولوياته كانت ضمن عناوينها أو مقرراتها.
- إن الكيد والاصطياد كانا واضحين في مواقف بعض الأطراف التي عبرت عن غيرتها على حرمة القانون واستقلال القضاء وكرامته.
وهي غيرة لم نرَ أثرا لها حين تم تزوير الانتخابات تحت أعين القضاة،
وحين تقرر تسفير الأميركيين المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، في حين أنهم كانوا محبوسين بأمر النيابة،
ومن الأصوات التي علت إبان الأزمة، وفي سياق المزايدة على الجميع من وصف شباب الثورة بـ«الرعاع»، واستنكر انضمام بعض القضاة إليهم.
- إن قيادات نادي القضاة التي تضامنت مع النائب العام استخدمت في التراشق والتجاذب لغة كان ينبغي أن يترفعوا عنها، الأمر الذي أساء إلى صورتهم المقررة والموقرة في الذهن العام.
حتى كان العنف اللفظي الذي صدر عنهم ليس مختلفا كثيرا عن العنف المادي والجسدي الذي يمارسه البلطجية «والشبيحة».
< إن قرار نقل النائب العام وإبعاده عن منصبه سفيرا لدى الفاتيكان لم يدرس جيدا، سواء من زاوية مآلاته أو بدائله، الأمر الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
- إننا لم نفهم موقف النائب العام الذي تعددت الروايات بشأن ما جرى معه، فقد ذكر وزير العدل المستشار أحمد مكي أنه حين عرض عليه الأمر فإنه طلب أن يعين سفيرا في دولة أي دولة عربية لأنه لا يجيد اللغات الأجنبية، إلا أن المكان الشاغر الوحيد كان لدى الفاتيكان.
وقد قبل بالعرض الذي نقل إلى الرئيس فأصدر قراره. إلا أن الدكتور عبدالمجيد محمود النائب العام وقع على طلب مقدم إلى الرئيس ذكر فيه أن موافقته على النقل كانت «ملتبسة»، لكنه بعد ذلك قال في لقاء صحفي إنه رفض النقل.
لم أفهم مصطلح الموافقة الملتبسة.لكنني أيضا لم أفهم كيف أنه ذكر المصطلح في طلب مكتوب ثم أعلن نقيضه في اللقاء الصحفي،
وما أثار الحيرة أيضا أن كلام النائب العام جاء مناقضا لرواية وزير العدل، الأمر الذي يعنى أن شهادة، أحدهما لم تكن صادقة على نحو يجرح عدالته ويجعله غير جدير بالثقة.
- إن موقف الإخوان الذين خرجوا إلى ميدان التحرير، واشتبكوا مع معارضي الرئيس مرسى، كان مسيئا إلى حد كبير، ولأنني سمعت أكثر من رواية لما جرى، فإنني لا أستطيع أن أحمل أحد الطرفين مسؤولية الاشتباك الذي أوقع الجرحى والمصابين، ورغم ذلك فإن مبدأ الدفع بحشد للإخوان لمواجهة الآخرين لم يكن صائبا بالأساس.
- أكرر أخيرا ما ذكرته من أن المواجهة لم تكن جماهير الشعب المصري طرفا فيها، ولا مصالحة مدرجة ضمن عناوينها، الأمر الذي يثير السؤال التالي:
هل خلت الساحة من مثقفين ونخب مشغولة بالهموم الحقيقية للشعب؟
................