ثبتنا حتى نلقاك
تفرق الصحابة بعد رسول الله في الأمصار و البلدان ولم يبقوا تلك المجموعة الصغيرة التي تلتقي في المسجد فإذا خرجوا منه ساعة حرّك الشوق أقدامهم حتى يرجعوا مرة أخرى للمسجد يلتقوا فيه بإخــوانهم ..
تفرقوا ولم يعودوا تلك الأجساد الملتفة حول قائدها تستمع منه نور الوحي و تتــــعّلم منه آيات الكتاب قد أوكلوا أمور حياتهم صغيرها و كبيرها إليه ..
تفرقوا ..
ليموت أبو ذر على قارعة طريق مهجور و يموت أبو أيوب الأنصـــــــاري على حدود أوروبا ..
ولا يدفن في المدينة من المئة ألف صحابي الذين شهدوا حجة الوداع إلا عشرة آلاف فقط
و يـــدفن التسعون ألفا في مشارق الأرض و مغاربها فاتحين معلمين و مجاهدين و عابدين ..
يموت هؤلاء و لم ير أحدهــــم رفقاء عمره لسنين طوال ،
و لكنك لو رأيت أحدهم في الصين لوجدته ثابتا على المبدأ الذي يؤمن به تماما كما يثـــبُت أخــــــوه في المغرب و كما يثبت ثالثهم في اليمن و ليس بينهم اتصال ..
لقد ثبت الصحابة على تلك المبادئ التي تشربـوها سوياً حين كانت ركبهم تلتصق مع ركب إخوانهم في حلق العلم حول رسول الله ..
كانوا من قوة الإيمان و العـلم أن لم تغرهم الدنيا التي فتحت عليهم و لم تغرهم تلك الحضارات الجـــــديدة بل كانت دموعهم مدرارا يــــخافون أن يكونوا قد خالفوا رسول الله شعرة واحدة فيهلكوا !
لقد تناثر الصحابة في كل أرض ..
و بقي كل مــنهم يتسمّع و ينتظر أخبار أخيه في تلك الأرض ..
يخشى أن ينام و أخوه يبات ساهرا في سبيل الله ..
و يفطر أحدهم على ماء بارد فيبكي ويقول: ” مـــات أخي ولم يذق من نعيــــم الدنيا شيء ، أخشـــى أن أكون ممن عجلت لهم حسناتهم في الدنيا .”
و يرســل أحدهم الرقعة بالبـريد فيقـطع الفـــــيافي و القــــفار ليفتحها أخوه فإذا هي : ” ياأخي كيف تجد قلبك ؟ ألا لا تغرك الدنيا .. و الموعد الجنة و السلام.